بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 28 سبتمبر 2016

عـلـم الـعــلامـــات Semiotics

  On Semiotics …
Semiotics
By: John Lyons … Translated by Ahmed Khalis Shalan
في علم العلامات ...
عـلـم الـعــلامـــات
جون لاينز ... ترجمة: أحمد خالص الشعلان
             

                                                                          J. Lyons                                                         
                                       A. Kh. Shalan                                    
1 - التعليم   Signification
يجري وصف معنى التعبيرات اللغوية عادة بلغة تنبثق من فكرة التعليم  signification؛ و هذا يعني أن نأخذ الكلمات و التعبيرات ألأخرى على أنها علامات  signs  ، التي تعني بطريقة ما، انها  تعلِّم signify ، أو تمثل أشياء أخرى . أما السؤال عن ماهية هذه ألأشياء ألأخرى فهو، مثلما سنرى ، موضوع خاضع للجدال . و انه من المناسب أن نتبنى مصطلحا تقنيا حياديا لأي شئ تمثله العلامة ؛ و سنستعمل هنا المصطلح اللاتيني "مـعلم  significatum"، مثلما فعل عدد من المؤلفين لهذا الغرض.

           و قد وضع العديد من الكتاب، في مناقشتهم لفكرة التعليم، حدا فاصلا بين ما يسمى العلامات و الرموز  symbols ، أو بين الإشارات  signals  و الأمارات  symptom، او بين الرموز و الأمارات. و لكننا للأسف لا نجد ، من ناحية ثانية، تساوقا في الطريقة التي وضع بها مؤلفون مختلفون تعريفاتهم لهذه المصطلحات . نجد عند أوغدن و رتشارد (Ogden & Richard 1923: 24)، مثلا، إنهما يميزان الرموز على أنها " تلك العلامات التي يستعملها الناس للتواصل بين بعضهم البعض"، في حين نجد بيرس Peirce ( 1940 : 104 ) ، الذي يتعامل مع الرموز على أنها صنف فرعي من العلامات، يعرفها، مثلما سنرى، على أساس الطبيعة المتعارف عليها للعلاقة القائمة بين العلامة و التعليم . و على منواله يفعل ميلر  Miller ( 1951 : 5 ) . أما موريس  Morris ( 1946 : 23-7 )  ، الذي يقارب الموضوع على النحو الذي عالجه به بيرس تقريبا في جوانب معينة ، فيقول ان "الرمز هو علامة ... تقوم بدورها بديلا لعلامة أخرى معينة و تكون مترادفة synonymous  معها" و بان "العلامات التي ليست رموزا هي  إشارات signals " و يصف بوهلر( Buhler (1934الألفاظ على أنها أمارات  symptoms لما موجود في ذهن المتحدث ، فهو رمز لما قصد بها و جرى تعليمه ، و هو إشارة للسامع ( انظر اولمان Ullman 1957 : 68  )، في حين يوظف تشيري Cherry ( 1957 : ) كلمة "علامة" لتمثل  "أية حادثة فيزيائية تستعمل في عملية التواصل  communication" و يخصص "الرمز"  ليمثل "رموزا دينية و ثقافية لا يمكن تفسيرها الا من خلال سياقات تاريخية محددة"، مثل "التاج" و "الصليب" او "العم سام".
          سيكون واضحا لنا من خلال هذه التعريفات المتنوعة لـ "العلامة" و "الإشارة" و "الرمز" و "الأمارة" بأنه لا وجود لتفسير قياسي مفرد لأية واحدة منها في الأدب. و لقد جرى للتو  إدخال مصطلح "إشارة" ليشير إلى أي شئ يجري إرساله عبر قناة ما من قنوات التواصل، التي يستطيع بها المستلم أن يفسره  بتشفير   encoding رسالة ما، و سنواصل  أيضا استعماله هنا بالمعنى ذاته. و مثلما رأينا، إن ألفاظ اللغة (المقصود هنا ما تنتجه أفعال اللفظ) هي بالأساس إشارات بالإمكان تصنيفها بوصفها نماذج تنتمي للنوع ذاته. و بقبولنا في الوقت الحاضر بالرأي القائل بان عمليات التواصل تجري عموما بوساطة العلامات ، بإمكاننا القول بان الرسائل ما هي إلا علامات ، قد تتشكل ، أو لا تتشكل، من علامات ابسط . و بذا ، فان الإشارات هي التي تشفر العلامات.
          يوصف التعليم عموما بأنه ثلاثي العلاقة، و الذي يجري تحليله ربما بخطوة ابعد في ثلاثة أنواع من العلاقات الثنائية؛ اثنتان أساسيتان، و واحدة اشتقاقية. ان هذا الصنف من التحليل يجري توضيحه على نحو ملائم ، على النحو الذي جرى عليه عند أوغدن و ريتشارد    (1923)، و بعد ذلك عند آخرين عديدين من الذين يكتبون في علم الدلالة ، أو في وسائل الاتصال، بأن قاموا بوضع هذه العلاقات في مخطط يمثلها على شكل مثلث . ففي الشكل في ادناه، إستعملنا الحروف في تسمية زوايا هذا المثلث:
ب





أ ............................................. ت

مـثـلث الـتـعـلـيـم
إن العديد من المصطلحات المتنوعة جرى توظيفها في الأدب: و سنوظف هنا، في الوقت الحاضر على الأقل، مصطلح "علامة" ليمثل (أ)، و مصطلح "مفهوم concept  " ليمثل (ب) ، و مصطلح  "مَعلـَم  significatum" ليمثل (ت) . و يجري الأمر هكذا على وفق تحليل تقليدي واحد على ألأقل لـمفهوم  "التعليم  signification "، و هذا التحليل يجري التعبير عنه، مثلا، في المبدأ الأساسي السكولائي  scholastic : " vox significant [rein ] mediantibus conceptibus  "  (راجع أولمان  Ullmann 1957). بالإمكان ان نترجم هذا كالآتي: "إن الكلمة تعلم – الشئ – عبر وسيط هو المفاهيم " . ان الكلمة اللاتينية " vox"  هي المصطلح التقني للمغزى الصوتي  phonic sound، و كانت توظف عموما لتمثل كلمات مأخوذة من زاوية شكلها حسب (و بلغة اكثر تخصيصا تأخذ في صيغتها المحكية)، و لكنها كانت تستعمل بالأحرى دون تساوق لتشير الى صيغ الكلمات، و أحيانا لتشير أما إلى المفردات المعجمية  lexemes ، أو إلى  التعبيرات  expressions. ان الحد الفاصل بين التفسيرات المختلفة لـمفردة "كلمة"، مثلما تبين لنا،  نادرا ما كان يتوضح، ما يؤدي  إلى إفساد العديد من التحليلات الحديثة القياسية لمفهوم التعليم ، متمثلا في إخفاقها في أخذ هذا الحد الفاصل بالحسبان: لذا سنفسر كلمة " vox " في سياقنا الحالي على إنها تشير إلى المفردات المعجمية ، و سنهمل في الوقت الحاضر (مثلما يفعل العمل الذي نقوم بتلخيصه) الفرق بين المفردات المعجمية و التعبيرات. و لا بد لنا أيضا ان نشير الى وجود بعض التناقض في تفسير "المعلم significatum " عند أولئك المؤلفين الذي يستعملون هذا المصطلح . فقد يقول موريس (1946 )، مثلا ، ان (ب) و ليس (ت) هي المعلم عن (أ)، و ان (ت) هي  دلالاتها  denotatum. و لن ندخل نحن في تفصيلات هذه الاختلافات، أو في التصور المختلف، إلى حد ما، لفكرة التعليم التي بني أولئك المؤلفون تفسيراتهم عليها. و لن نعالج أيضا التوسع الحاصل في التحليل الثلاثي لمفهوم التعليم الذي يحيلنا، بوصفه عنصرا مستقلا،  الى  الشخص الذي استعمل العلامة، اوالى السياق الذي ظهرت به.

           و حقيقة ان العلاقة بين المفردة المعجمية (أ)  و المعلم (ت) الخاص بها هي علاقة غير مباشرة تجري عبر وسيط  هو المفهوم (ب)، مؤشر عليها في المخطط ، بأن ربطت (أ) و (ت) بخط منقط ، و على خلاف (أ) و (ب)، أو (ب) و (ت) اللذين يمثلان حضورا متواصلا بين علاقتين أكثر أهمية. إن هذه الأداة التخطيطية مأخوذة من أوغدن و رتشاردز. و قبل أن نمضي في النظر فيها بتفصيلات أوسع، لا بد لنا ان نلاحظ، استنادا على تفسيرات تقليدية معينة، إن علاقة (ا) و (ب)، و علاقة  (ب) و (ت) تمثلان التعليم  على أساس أن: المفردة المعجمية تعلم المفهوم ، و المفهوم بدوره يعلم الشئ. و لقد كنا ذكرنا للتو بان أوغدن و ريتشاردز كانا قد ميزا تشكيلة من معاني "المعنى". و كانا مشغولين في حل مشكلات سوء الفهم و سوء التفسير؛ و بذا اعتقدا أن قدرا كبيرا منهما راجع إلى عامل للاعتقاد بوجود حلقة وصل كامنة لا ينفرط عقدها بين العلامات و ما تمثله هذه ألعلامات. و زعما ايضا انه قد يجري تحسين التواصل و تسهيل وضوح الفكرة، إذا ما  وضحت العلاقة بين الكلمات و مواضيعها على انها علاقة اشتقاقية صرف، بمعنى أنها نَسَبية، و ليست علاقة سببية، تنتج من ارتباطهما في ذهن المتحدث و السامع (او الكاتب و القارئ) عبر عملية التواصل . (المحاولات العامة المزعومة في مجال علم الدلالة، التي شرع بها  كورزبسكي  Korzybski ( 1933 ) ، و طورها كتاب مثل تشايس  Chase 1938 )  و هاياكاوا  Hayakawa  1949))، التي تحركها رغبة مشابهة في جعل الناس أكثر وعيا بالمخاطر المزعومة في موضوع التعامل مع الكلمات بوصفها شيئا أكبر مما هو متعارف عليه، او بالأحرى بوصفها رموزا للأشياء. و هو ما قد نسميه على نحو أجدى انه علم دلالة علاجي  therapeutic semantics.  إن علاقة ا / ب و علاقة ب / ت، من ناحية ثانية، كان يعتقد أنهما علاقتان سببيتان بحق؛ ما يعني أن التفسير الذي أعطياه إياها أوغدن و رتشاردز بالإمكان توصيفه بمعنى عام على انه سلوكي behaviouristic . إذ يوجد موضوع في العالم الخارجي هو (ت) يستدعي فكرة في ذهن المتحدث هي (ب)، ثم تقوم هذه الفكرة باستنباط إشارة في ذهنه هي (أ). و لم يضع أوغدن و رتشاردز حدا فاصلا من النوع الذي وضعناه بين العلامة و الإشارة؛ فهما بناء على هذا يقولان عن العلامة كونها أرسلت إلى المستمع مثلما هي دون أي تطور إضافي في العملية ... و مع ذلك بمقدورنا نحن، من ناحية ثانية، أن نحشر بسهولة مرحلتين هما  تحويل الشفرة  encoding  و فك الشفرة  decoding  في عملية التواصل دون أن نشوش خط ألاتصال. إن العلامة تستدعي فكرة في ذهن المستمع ، فتقوم الفكرة بتوجيه انتباهه إلى (ت). إن الأمر الجدير بالملاحظة هنا هو ان تكوين ألأفكار في ذهن المتحدث ما يزال يظن انه يتقرر بعوامل سببية، أو ما يسمى بالمنبهات  stimuli  الموجودة في المحيط الخارجي. انه هذا السبب بالذات هو الذي جعلني أقول عن نظرية أوغدن و رتشاردز انها سلوكية بالمعنى العام للمصطلح ؛ ذلك لأنهما، في الواقع ، يستعملان تعبيرات ذهنية من قبيل: "فكرة" و هي ليست مناسبة، و بذا يجدها أي عالم سلوكي منفرة. ليس ثمة سبب يدعونا الى العزوف عن اعتبار الأفكار و المفاهيم ابنية نظرية تدخل ضمن إطار نظرية آلية للمعرفة و التواصل. و سنقوم بناء على هذا بمناقشة النظريات السلوكية الخاصة بالمعنى بوضوح أكبر. 

          و يعد المصطلح المستخدم من لدن أوغدن و رتشاردز للتعبير عن (ت) مرجعيا   referent ؛ و يستخدم هذا المصطلح في الوقت الحاضر على نحو واسع من لدن علماء الدلالة. و ما يستحق الملاحظة، من ناحية ثانية، ان علاقة مرجعية المعنى  reference، عند أغدن و رتشاردز تتحقق بين (ب) و (ت)، و ليس بين (أ) و (ت). و مثلما سنرى لاحقا انه لمألوف إلى حد بعيد أن نقول أن الكلمات أو التعبيرات ، و ليست المفاهيم، هي التي تشير إلى (أو تمثل) الأشياء .
           لقد جرت محاولات كثيرة لإقصاء أما (ب) او (ت)، مع الإبقاء على الرأي القائل بان معنى الكلمة يكمن في ما تعلمه. أولمن Ullmann ( 1957 )  يقول أن (ت) ليست في محل اهتمام مباشر من لدن عالم الدلالة، و بان تلك الخصائص المنسوبة للأشياء ذات العلاقة في تحديد معنى الكلمات هي مستقاة من تجريدنا للأشياء ممثلة بـ (ب). ثم تبع ذلك تحليل سوسير Saussure ( 1916 ) (بلغة تقول ان العلامة هي ليست [أ]، و إنما كينونة تتكون من ([أ + ب])، فهو لا يصف [ب] على أنها كينونة ذهنية، بل يعد [أ] أيضا كذلك ، قائلا إنهما يرتبطان في الذهن  دينامكيا و تبادليا: "إذا ما سمعت اسم [المنضدة]، سأفكر في المنضدة؛ و إذا ما فكرت بالمنضدة فاني سألفظ اسم المنضدة إذا تطلبت الحاجة" (1957 ). يعد المعنى بناء على هذا علاقة تبادلية بين [أ] و [ب]، التي "تمكنهما من أن تستدعي أحدهما الأخرى" . . و لقد راح باحثون آخرون، كانوا في شك من وضع تفسير المعنى في قالب ذهني من هذا النوع ، يتساءلون عن حاجة [ب]، أفكار أو مفاهيم ، للتوسط بين الكلمات و الأشياء. فعندهم ان معنى الكلمة ما هو إلا الموضوع، أو صنف المواضيع، الذي تمثله الكلمة. و نحن لن تكون لنا وقفة لمناقشة أي من هذين الرأيين في هذه النقطة، طالما كانا خاضعين لحملات نقد أكثر شمولا تتناول تعريف المعنى بلغة التعليم  signification  سنمر عليها لاحقا.
          ثمة اختلاف جدير بالملاحظة يدور حول التحليل الثلاثي للتعليم حتى بين أؤلئك الذين يقبلون فكرة وجود المقومات الثلاثة (أ) و (ب) و (ت)، و هو مما لا بد من أخذه بالحسبان . فهل ينبغي ان يعرف المقوم (أ) على انه ذو وجود فيزياوي ام عقلي؟ و ما هو الموقف السيكولوجي او الوجودي للمقوم (ب)؟ و هل يعد المقوم (ت) شيء ما يشار اليه في موقف معين؟ ام انه جملة ألأشياء التي قد يشار اليها بنطق العلامة  (او باشارة تشفر العلامة)؟ أم، مع انه احتمال ثالث، انه تمثلٌ  representation نموذجي او مثالي معين من هذا النوع ؟ لا حاجة بنا للجري وراء اجابة عن هذه ألأسئلة ألآن، و لكنا سنضعها في بالنا، لأنها مهمة و سنتناولها لاحقا، و ان على نحو مختلف.
2 – الرموز و الايقونات و المؤشرات و الأمارات
                       Symbols, icons, indices and symptoms
ان الكثير من ألأعمال المكتوبة في مجال نظرية العلامات كانت قد تأثرت تأثرا شديدا بكتابات سي. اس. بيرس  C. S. Peirce، و سنحاول هنا النظر في بعض المصطلحات التي وظفها للتعبير عن مختلف الانواع من العلامات. و لكن بيرس،  لسوء حظنا، لا يعد الوحيد من بين الكتاب الأكثر حذقا و اصالة في هذا الموضوع فحسب ، و انما هو ايضا واحدا من الكتاب ألأكثر صعوبة ، بحيث لا نجد موضعا في مجموع  أعماله بامكاننا ان نلجأ اليه من اجل الخروج بتفسير متماسك يعرفنا بنظريته. و بما اننا لسنا معنيين بتفصيلات نظريته ، ما عدا تلك الاختلافات المميزة الأكثر عمومية التي يضعها ، فهي ذات نتائج محدودة. ذلك  لأن الكثير من التأثير  الذي أحدثه بيرس ، مهما كان نوعه ، هو من النوع غير المباشر . ان المصطلح الذي يشير به بيرس الى نظرية العلامات هو مصطلح "علم العلامات semiotics " . و هذا هو المصطلح نفسه الذي يستخدمه لوك  Locke  في مؤلفه "مقالة في الفهم البشري Essay on Human Understanding  ( 1690). و هو ياتي من الكلمة ألاغريقية التي تعني "يعلـِّم  to signify"، و التي كانت قد تولدت في حقل الطب ألاغريقي في حقل التشخيص بوساطة الأمارات symptoms   الجسدية، و أستعملت من لدن الفلاسفة الرواقيين ليمزجوا بها بين علم المنطق logic  و علم المعرفة  epistemology. و يستعمل اغلب المؤلفين هذا ألايام ، من ناحية ثانية، عبارة "علم العلامات semiotics" إسما noun  و يستعملون كلمة "علاماتي semiotic" صفة مماثلة، و هذا هو ألاستعمال الذي سنتبناه هنا. و لحاجتنا الحاضرة سناخذ علم التلامات على انه نظرية العلامات، او التعليم؛ و سنقول فيما بعد بان "علم العلامات" من ألافضل ان تفهم، مثلما صارت تستعمل من لدن الناس ذوي الشأن، بوصفها تشير الى التحليل الخاص بمنظومات التأشير؛ و سيتذكر القارئ أيضا بانها جرى توظيفها بهذا المعنى فيما سبق من حديث لنا. أما وجه الاختلاف بين علم  و علم الدلالة، فسنتناول هذه المسألة لاحقا. و ثمة مصطلح بديل (قد يكون مكافئا بهذا القدر او ذاك) لـ "علم العلامات  semiotics" و هو semiology  الذي ادخله سوسير Saussure  ( 1916 ) ليعبر به عن علم اكثر شمولية (يعد بذاته فرعا من فروع علم النفس الاجتماعي)، و الذي سيكون علم اللغة linguistics   جزء منه. وربما  يكون  المصطلح "semiology " الاكثر استعمالا عند الدارسين  الذين عرفوا بتبنيهم لوجهة نظر سوسير.
          و لقد ميز بيرس عددا من أصناف العلامات يصل الى عشرة ، و بتفريعات ثانوية .  غير ان هذه ألأصناف كانت تستند على معايير متداخلة . و سينصب اهتمامنا هنا على واحد من أبعاد هذه التصنيفات التي تستند على التفريق بين ثلاث علامات هي: الرموز و الأيقونات و الأمارات.

(1) الرمز symbol  . . . يستند تعريف بيرس للرمز على احدى نزعتين هما: الاصطلاحية conventionality  او الاتفاقية   arbitrariness للعلاقة بين العلامة و الشيء الذي تعلمه . ان اهمية النزعة الاتفاقية بوصفها واحدة من ملامح تصميم اللغة و كنا قد ذكرناها آنفا . و ان واحدا من المناظرات  الفلسفية التي ادت الى ظهور علم القواعد التقليدي و قررت تطوره اللاحق كانت قد اولت اهتمامها بالمسألة التالية : هل ان العلاقة بين شكل form  الكلمة و معناها هي علاقة حقيقية natural  ام اصطلاحية؟ و يحاول بعض علماء اللغة هذه ألأيام ان يضعوا المسألة في هذا ألاطار.
           لقد اوجد سوسير ما اسماه بـ "اتفاقية العلامة اللغوية" (و نعني بذلك اصطلاحية العلاقة بين الشكل و المعنى) بوصفها واحدة من المبادئ الأكثر اساسية في جماع نظريته؛ و لقد تبعه اغلب علماء اللغة في ذلك (حتى لو كانوا غير موافقين على فكرة سوسير عن العلامة اللغوية). و انهم اتفقوا على انه، مهما كانت الحالة التي وجد الانسان نفسه في مراحل  تطوره الارتقائي ، كانت العلاقة عنده، في جميع اللغات المعروفة ،  بين الكلمة و الشيء الذي تمثله مبنية على نزعة اتفاقية، عدا استثناءات نادرة نسبيا . و ما نعنيه بالمصطلح " اتفاقي  "في هذا السياق قد يتوضح، مثلما هو الحال دائما، من طريق مثال معين  نسوقه. ففي الانكليزية ثمة كلمة "شجرة  tree"، و في الألمانية توجد كلمة "Baum  "، و في الفرنسية توجد كلمة "arbre  "؛ و سنفترض ان لكل من هذه الكلمات التعليم ذاته: و نعني انها قد تستعمل للاشارة الى  الصنف ذاته من الأشياء. و ان هذه الكلمات تختلف اختلافا تاما في شكلها؛ ما يعني انه ما من واحدة منها، من الناحية الحقيقية  اكثر ملائمة من الأخريتين لتعليم الأشجار.
          و لجعل هذه النقطة بالاحرى اكثر دقة، ليس ثمة واحدة من أشكال "الشجرة" tree (اعني  tree  او  trees او  Baum  (اعني  Baum  او Baume   الى آخره)، او   arbre (اعني arbre  او  arbre )، سواء اكان مكتوبا او محكيا ، مما يعد ممثلا للأشجار او لخواصها المميزة . و عند المقارنة ، تعد كل كلمة "وقواق  cuckoo" في الانكليزية، و كلمة
" Kucku" في الألمانية ، و كلمة " coucou  " في الفرنسية، في شكلها المحكي ممثلا حقيقيا للصرخة المميزة لنوع من الطيور التي تعلمها هذه الكلمات (اولمان  Allmann 1957 : 88 )، و هو ما يسمى تقليديا  بـ "التسمية بمالحاكاة الصوتية  onomatopoeia"، و بما يتوضح هنا، على انه استثناء مميز شامل لعمومية للمبدأ السوسيري الخاص بالنزوع الاتفاقي الى تفسير العلامة اللغوية ؛ غير ان  الأشكال الدالة على التسمية بمحاكاة ألأصوات لا تشكل  الا أقلية بين اشكال الكلمات في اية منظومة لغوية . فضلا عن وجود بعض النزعات الاتفاقية و الاصطلاحية في اشكال الكلمات المسماة على اساس المحاكاة الصوتية، طالما كانت قد وضعت لكي تتساوق مع المنظومات الصوتية في لغات معينة، و ليس لكونها محاكيا مباشرا لما تمثله (او على نحو اكثر دقة المفردات المعجمية التي تشفر لها) هذه الكلمات.
          و كنا قد فسرنا مبدأ النزعة الاتفاقية بالطريقة التي تفسر بها عادة من لدن علماء اللغة. و ما لا بد من ملاحظته ، من ناحية ثانية ، هو ان التحليل السوسيري للعلامة اللغوية ، هو ان ما يعلم (  signifie المدلول) لا بد ان يتعين بـ (ب) و ليس بـ (ت) في مثلت التعليم المذكور  آنفا. و مثلما فعل بعض علماء اللغة، قد يقول المرء، بناء على هذا، بوجوب تطبيق  مبدأ النزعة الاتفاقية، ضمن اطار عمل سوسيري لوصلة تربط (ا)  بـ  (ب)، و ليس لعلاقة تربط  بين (أ) و (ت) (و هي العلاقة التي قال عنها أوغدن و ريتشاردز  كونها غير مباشرة و ليست مبنية على علة حقيقية). و لقد كانت هذه المسألة قد نوقشت على سعة في المجلات اللغوية، و هو ما حصل لمواضيع عديدة أخرى لها علاقة بنظرية سوسير الخاصة بالتعليم (راجع اولمان 1962 : 81). و لن نمضي قدما هنا لعرض التحليل السوسيري للتعليم و للمناقشات التي نشأت نتيجة له. و كل ما نحتاج الى  قوله هنا ، في هذا السياق، هو ان تقييم فكرة النزعة الاتفاقية هي من التعقيد بحيث يصعب تفسيرها من النظرة الأولى.  بخاصة حين اصبح واضحا ان مفردتي "اتفاقي arbitrary" و "اصطلاحي  conventional" ليستا متكافئتين.
          و بتسليمنا انه ما من وجود لسبب جوهري (او سبب طبيعي، اذا ما استعملنا الصياغات التقليدية) يوضح لنا وجوب ارتباط المفردة الانكليزية " tree " باشكال الشجرة او الأشجار (بدلا من ارتباطها ، لنقل ، بـ "شبح" او "اشباح")، و ان عددا من المسائل الأكثر اهمية بالامكان ان تثار من خلال علاقتها بمبدأ النزعة الاتفاقية، و لا بد ان نجد في هذا الجانب الكثير من الاختلاف الجدير بالاهتمام  بين الدارسين. فهل لا بد من وجود مفردة معجمية من نوع " tree " في الانكليزية، بغض النظر عن ألأشكال التي ترتبط بها؟
          و في الواقع، ما الذي نعنيه بقولنا ان اللغة لا بد ان يكون (او لا يكون) فيها مفردة معجمية مكافئة دلاليا لكلمة "tree  " الانكليزية؟ و سنرى لاحقا ان واحدة من القضايا التي اصر سوسير و علماء دلالة بنيويون اخرون عليها هي ان كل لغة لا تمتلك خزينها الخاص بها من الأشكال فحسب،  و انما تمتلك ايضا منظومتها الخاصة من المعاني و المفاهيم.
         
(2) الأيقونة  Icon  . . . يستعمل بيرس مصطلح "ايقونة" لتعبير عن العلامات التي لا تفسر على وفق مبدأ النزعة الاتفاقية . و هو بذا يفرق بين الأيقونات و الرموز ، في مقطع واحد ، و مثلما يلي : " ما ألايقونة الا علامة قد تمتلك الخاصية التي تترجمها بوصفها ذات مغزى ، حتى لو لم يكن ثمة وجود لموضوعها ؛ و مثالها أثر بالقلم الرصاص يمثل خطا هندسيا ... . أما الرمز فهو علامة قد تفقد الخاصية التي تترجمها علامة في حالة غياب المفسر لها . و يصح هذا على حال أي منطوق لا يعلم ما يقوم بتعليمه الا بفضل كونه مفهوما لأنه حظي بذاك التعليم . "   ( 1940 : 104  ) . و سنلاحظ ان تعريف بيرس يستفيد من مصطلح " مفسر  interpretant "   . و يعد هذا ، بموجب نظرية بيرس ، تأثيرا ذهنيا تنتجه العلامة : ما يعني اننا قد نظنه مفهوما يرتبط بالعلامة في مثلث التعليم المذكور آنفا . و يجري تأسيس النزعة الاصطلاحية او الاتفاقية التي تخص الرموز في معرفة مستخدم الاصطلاح او وعيه ، و بتضاد مع ما قد نسميه واقعية العلامات الأيقونية  naturalism of iconic signs  . و مثلما رأينا ،  بالاضافة الى التسمية بمحاكاة الأصوات ، ثمة العديد من الملامح الأيقونية في اللغة ، مما يربطها بالمنظومات التأشيرية غير اللفظية .
           و يبقى التفريق بين  الأيقونات و الرموز ، مثلما يوصفهما بيرس ، بعيدا عن الوضوح . و يقال ان الايقونية  iconicity  تعتمد على شبه ما حقيقي ، هندسي او وظيفي ، موجود بين العلامة و موضوعها . و مع ذلك ، تبقى فكرة التفكير  بالشبه مستقلا عن ادراكنا للملامح ذات الصلة بالموضوع ، من طريق معرفة أي موضوعين هما المتشابهين ، على ألأقل مصدرا للشك . ذلك ان ادراكنا للشبه بين العلامة و موضوعها ( و نحن نتحدث هنا بلغة بيرس الاصطلاحية ) غالبا ما يكون مبنيا على معرفتنا لاصطلاحات ثقافية معينة نستعملها في التفسير . و يترتب على هذا واقع ان " الأيقونة لا يمكن ان نساويها بـما هو " حقيقي   natural  "  . و بعلمنا بامكانية رسم فرق ، من جانب ، بين  ما هو حقيقي ( و اعني بما لا نعلمه ) و ما هو ثقافي ، و بين ما هو اتفاقي  و ما هو ليس اتفاقيا ، من جانب آخر ، سيتضح لنا ان ألأيقونات ما هي الا صنف فرعي من العلامات غير الاتفاقية  non-arbitrary   التي يكون فيها الشبه اما حقيقي او ثقافي . فضلا عن انه الى الحد الذي قد يكون فيه الشبه بانواع عديدة مختلفة ، في اللغة مثلما هو في منظومات علاماتية اخرى ، تعد العلاماتية في افضل احوالها خاصية معقدة و و متغايرة الخواص ( انظر ايكو Eco  1972  ) . ان العديد من اشكال التسمية بمحاكاة الأصوات في اللغة المحكية ، و في الكتابات و الحروف الهيروغليفية للمنظومات المسماة بالكتابات الفردية ، ماهي الا نوع من أيقونية ركيكة ، بمعنى اننا ، بمعرفتنا بمعناها ، نستطيع ان نرى  وجود شبه ما بين شكلها و معناها ، الا اننا لا نستطيع استنتاج معناها و هي مفردة بمجرد معرفة شكلها . و مما تجدر الاشارة اليه ايضا هو ان مصطلح  " الوحدة الكتابية الرامزة للفكرة  ideogram  " يعد هنا مضللا من ناحية المنظومات الكتابية من النوع الذي كانت تستعمل به من لدن المصريين و المايا ، و ما تزال تستعمل من لدن الصينيين ؛ بمعنى ان هذه الوحدات الكتابية المزعومة الرامزة للفكرة تمثل ، او تجري على وفاق مع ، اشكال  المفردات المعجمية او اشكال اللغة المحكية ؛ و ما يعني ايضا انها لا تمثل مباشرة معنى الأشياء . فضلا عن ان جميع المنظومات التي من هذا النوع كانت قد غدت اكثر مرونة و اشد تاثيرا من الناحية العلاماتية ، كلما اصبحت الوحدات الكتابية الرامزة للفكرة اقل  ايقونية باطراد ( انظر غيلب  Gelb  1963 ) . و قد وجد  ، عموما ،  ان الأيقونية الموجودة في اللغة  هي من النوع الركيك ؛ ما يعني اننا فعلا حين نستفيد من اشارات أيقونية اقوى تاثيرا ، في الايماءات شبه اللغوية التي ترافق الكلام مثلا ، او في المحاكاة ، فهذه لا تخضع للتفسير عموما الا بوساطة الاسهاب في موقف ما و بقدرة المستلم على تمييز مقاصدنا .
           كنا حتى الآن قد فسرنا الأيقونية على أساس الشبه ( في انواع متنوعة ) بين الشكل و المعنى . و قد يوصف هذا على انه أيقونية أولية ؛ ما يعني بوضوح ان هذه النوع من الايقونية يعتمد على وجود الوسيط . ففي سبيل المثال ، يعد شكل المفردة ألانكليزية cuckoo    أيقونيا ف الوسط الصوتي ، و لكن ليس في الوسط الكتابي . و تعد فكرة الشبه ، او العلاقة ، بين معان مختلفة ترتبط بشكل ما ( او بمجموعة من ألأشكال ) ، ذات مغزى اعظم كثيرا في تحليل مفردات اللغة الحقيقية natural language   ؛ ما يجعلنا نناقش لاحقا  كل هذا في تفصيلات اوسع . و قد نشير هنا الى نوع اكثر تعقيدا من الأيقونية التي نفكر بها بين الشكل و المعنى ، تنتقل من وجهة نظر تاريخية ، بما قد نسميه امتدادا في المعنى من فحوى اساس الى فحوى مجازي او فحوى منزاح . و لنفترض ، مثلا ، وجود كلمة ، في الانكليزية ،  تعبر عن تسمية اكتسبتها بمحاكاة الأصوات ، التي  تشبه ، عند لفظها ، صرخة البوم ( على النحو ذاته الذي يشبه به لفظ  الشكل السردي لكلمة " وقواق  cuckoo  " صوت الوقواق ) . فاذا كانت الكلمة تعني  " بوم " ، سيعد هذا في هذه الحالة نوعا من ألأيقونية . ( في الحقيقة ، قد تشير الكلمة ، حالها حال " وقواق " الى مصدر الصوت ، و ليس الى الصوت بالذات ؛ الا ان الأصوات المميزة التي تصدرها الطيور و الحيوانات تعد جزء من خاصيتها مثلما هو شكلها . فهي اصواتها المميزة التي سيجري تمثيلها أيقونيا في الوسط الصوتي ، في حين تمثل اشكالها المميزة في الوسط الكتابي ، مثلما يحصل ، مثلا ، مع الحروف الهيروغليفية ) . 
          و دعونا نفترض ، من ناحية ثانية  ، ان الكلمة ما عادت تعني " بوم " ( على الرغم من انها عنت ذلك بالأساس ) ، و انما عنت "  حكيم  wise    " او " حكمة wisdom  " . ان هذا قد يكون مثالا لما قد نسميه بالأيقونية الثانوية ، التي تستند ، على قدر تعلق ألأمر باشكال الكلمة ، على انعقاد العلاقة المنطقية الأيقونية ألاولية بالخاصية الصوتية للطير ، و تستند ايضا ، بقدر تعلق ألأمر بمعنى الكلمة ، على بالعلاقة المقبولة عموما بين البومات و الحكمة . و لقد اخذت هاتان العلاقتان كلاهما بنظر الاعتبار فيما سبق بكونهما حقيقيتان و ليستا اصطلاحيتان ؛ و بذا جرى توظيف مجازات الكلام ( الاستعارة و الكناية و الصورة البلاغية  و ما شابه ) من لدن الرواقيين و من تبعهم لكي يفسروا به الامتداد الحقيقي المزعوم للمعنى من اصيل او اساس الى معنى ثانوي ذي علاقة بالأول . و في زمن متأخر جدا استعملت  مجازات الكلام هذه لتشفير تحولات تاريخية موثقة في المعنى ( بريل  Breal  1897 و ستيرن  Stern  1931 ) . و كانت الأيقونية الثانوية غالبا ما تنثار ، و ان ليس بلغة هذه المصطلحات ، على انها واحد من العوامل الفاعلة في اصل اللغة و في تطورها . 
           ان ما كنا قد سميناه بالنزعة الثانوية للتسمية بمحاكاة الأصوات يعد حالة خاصة من حالات الأيقونية الثانوية . و لقد سيقت أمثلة من لدن اولمان ، الذي صنفها على هذا النحو ، من قبيل : يرتجف dither  و يرتعش  dodder  و يهتز quiver  و ينسل  slink  ، و التي لها علاقة بحركات من انواع شتى  ، و يكتئب  gloom  و نكد grumpy  و مغث mawkish و   بضياع    slatternly  التي هي اشكال لأنواع من المفردات المعجمية التي تشير الى " صفة فيزياوية او أخلاقية معينة  عادة ما لا تكون مستحبة " ( أولمان 1962 : 84  ) . ان هذه الأمثلة جميعا هي من نوع التسمية بمحاكاة الأصوات ، التي تحس أصوات اشكالها المحكية و كأنها مناسبة لمعنى المفردات المعجمية التي هي الأشكال  ، على الرغم من ان الكلمات لا تشير حقا الى الأصوات او مصدر ألأصوات ، التي توضح ظاهرة معروفة بـ " الترميز الصوتي sound-symbolism  " ( او تسمى phonaesthesia   ) . و كانت هذه الأخيرة فد جرى البحث فيها في ادبيات علم الصوت  و علم الدلالة  و علم ألأسلوب ( انظر أولمان 1962 : 84  ) . و على الرغم من الشكوك التي تحوم حول موضع ،  في بعض اللغات ، ترتبط اصوات معينة او مجاميع من ألأصوات ببعض مظاهر المعنى ( و يظهر ألاستعمال ألأكبر لمثل هذه الارتباطات احيانا في الشعر ) ، فان معرفة الدرجة التي تشترك بها اللغات المختلفة في ظاهرة الترميز الصوتي هو امر مشكوك فيه. و تبدو ظاهرة الترميز الصوتي ، بالقدر الذي توجد به ، و كأنها مقتصرة على قدر قليل من المفردات الموجودة في اللغات عموما .
           ان القضية الأساس التي انبعثت من نقاشنا حول العلاقة بين ما هو ايقوني و ما هو اصطلاحي ، هي انهما لا يتعارضان بحدة ، و هذا امر توحي به  ، ليست تصنيفات بيرس لوحدها ، وانما تصنيفات اخرى أيضا . ان العلاقة التي يمكن تمييزها ثقافيا بين البومات و الحكمة ، مثلا ، قد تكون ، او قد لا تكون ، مبنية على أي شيء في الطبيعة . ان العلاقة الموجودة في الثقافة التي نعيش فيها ، من ناحية ثانية ، مدعومة بما هي عليه من النزعة ألاصطلاحية ، هي بالتأكيد ليست علاقة مبنية على النزعة الاتفاقية .  و مهما بلغ ألأمر في هذه المسالة ، مثلما هو الحال في العديد من غيرها ، قد يكون من المستحيل ، في محاولة أخيرة ، رسم حد فاصل بين ما هو متعين بايولوجيا او متعين ثقافيا في علاقة قائمة بين  الطبيعة و ذاتها nature and nature  .
          و يجري الآن تأسيس مصطلح " ايقوني "  في ألأدب على نحو فاعل ، على الرغم من انه ليس اكثر من تسمية لمجموعة متفرقة من العلاقات اللااتفاقية non-arbitrary  بين الشكل و المعنى ، فانه مصطلح تقني مفيد جدا . و من الأهمية بمكان ، من ناحية اخرى ،الا نفسره على انه مرادف لما هو " حقيقي  natural  " . ان ما هو " ايقوني " ، وحاله ليس كحال ما هو        " رمزي " ، له ميزة كونه خاليا من اي معنى لاتقني non-technical  يقع خارج علم العلامات . و على الرغم منه على أي امرئ ، يريد ان يقرأ أدبيات علم العلامات و علم الدلالة ، ان يكون عارفا بالاستعمال التقني من المصطلحين " رمز " و " رمزي "  المتحققين على يد بيرس و من تبعه ، ليس ثمة من سبب قوي يجعل من استعمالهما ابديا . و قد يكون من ألأفضل استعمال مصطلح " رمزي  " للتعبير عن علاقات تنعقد بين البومات و الحكمة ، بان نقول ، مثلا ، ان البومة هي رمز لـ ، او ترمز الى ، الحكمة . و بمعزل عن أي شيء آخر ، يعد هذا اقرب الى الاستعمال اللاتقني للغة الحياة اليومية .
          ان افضل مصطلح تقني لأية علاقة لااتفاقية تنعقد بين شكل و معنى ، او بين معنى و معنى ، ممكن ان نراها مبنية على اساس مبدأ عام ، لا بد ان يكون هذا المصطلح قد جرى حثه من لدن مصطلح سوسيري يجري استعماله  على سعة من لدن علماء اللغة ( أولمان 1973 : 352 ) . و اذا كانت العلاقة من نوع علاقات الشكل بالمعنى و كان المبدأ العام الذي تقوم عليه هو شبه من نوع ما ، قد يوصف الشكل في هذه الحالة كونه أيقونيا . ان ايقونية مفهومة على هذا النحو ستكون مبنية على حث  اكثر تحديدا ؛ ما يعني انه اما ان تكون أولية او ثانويا ، غير انها ستكون معتمدا على خواص الوسط الذي يتجلى به الشكل . و ثمة اهمية محدودة في تطبيق مصطلح " الأيقونية " على علاقات معنى بمعنى ، من قبيل العلاقة التي تخص الاستعارة metaphor  ( على الرغم من ، مثلما رأينا ، ان الاستعارة قد تكون عاملا و مكونا اساس في الأيقونية الثانوية .
           ( 3 ) المؤشر Index  . يعد هذا الصنف الثالث من الاصناف ، التي وضعها بيرس للعلامات ، اكثر تغايرا في خواصه من الصنفين الآخرين . و ان التعريف الظاهر الذي يعطيه لمصطلح " مؤشر " يجري كالآتي : " ان المؤشر علامة قد تفقد ، على الفور ، الخاصية التي تجعل منها علامة اذا ما أزيح موضوعها ، غير انها قد لا تفقد هذه الخاصية اذا لم يكن ثمة مفسر لها . " ( 1940 : 104 ) و سنلاحظ ان هذا التعريف جرت صياغته على هذا النحو لغرض ايجاد رموز و ايقونات و مؤشرات ، و اصنافا ليست متداخلة ، نظريا على ألأقل . و يمضي بيرس الى حد القول : ان قطعة من شكل به ثقب رصاصة من الممكن ان يتحول ، بشيء من التوضيح ، الى مؤشر ؛ ما يعني " انه  دون وجود اطلاقة ما كان للثقب ان يوجد ؛ و مع ذلك فثمة يوجد ثقب ، بغض النظر عما اذا انوجد من يعزوه الى اطلاقة او لا  . " و من حقنا هنا ان نوضح ، من ناحية اخرى ، كيف ان تطبيق تعريفه على الأمثلة  ألأخرى ، التي يسوقها لا يتسم بالوضوح  ؛ ذلك لأن المشية المتسارعة rolling gait  لرجل قد تكون " تأشيرا محتملا لكونه بحارا " ؛ او ان " المزول او الساعة تشير الى الوقت في اثناء النهار " ؛ او ان " طرقة على الباب تعد مؤشرا " - و عموما ان أي شيء " يركز انتباهنا " او " يجفلنا " يعد مؤشرا (  1940 :108 )  . و كذلك تفعل ضمائر اسماء الاشارة ؛ لأنها " تدعو السامع الى استخدام قدراته على الملاحظة ، و بذا تؤسس لعلاقة حقيقية بين ذهنه و الموضوع " ( 1940 : 110 ) .
          و لا يبدو على أي من اتباع بيرس انه كان قد استعمل المصطلحات " مؤشر " و          " مؤشري indexical  " و " يؤشر  indicate  " بمعنى عام مثلما فعل بيرس نفسه  . موريس Morris  ( 1946 )  ، مثلا ، يوظف المصطلح " مشخص  identifier  " للعلامات  " معلما الموضع في المكان و الزمان " ، الذي  " يوجه السلوك نحو منطقة معينة في البيئة " ، و مصطلح " indicators  " ( التي تعطي مفردته indicator  ايضا معنى  " مؤشر " في الانكليزية –المترجم ) للاشارات غير اللغوية ، و مثالها الايماءة المستعملة في التاشير ، التي تؤدي وظيفة المشخصات . فمصطلحه " مؤشر indicator  " اذن يعد اضيق من " مؤشر  index    "  بيرس مع انه له علاقة به . و بقدر تعلق ألأمر بـ " مؤشر  " و " مؤشري  " يبدوان الآن و كأنهما معنيان متمايزان تماما دارجان في ألأدبيات . اذ يوظف ايبركرومبي  Abercrombeie  ( 1967 ) مصطلح " مؤشرات  indices  " للاشارة الى " الاشارات التي تكشف عن الخواص الشخصية التي يتمتع بها كاتب او متحدث معين " ؛ و قد يغطي هذا التعريف بوضوح المثال الذي ساقه بيرس عن مشية البحار المتسارعة ، و يغطي بعض العلامات او الاشارات  التي تستجلب انتباهنا او تجفلنا ، و ان ليس جميعها مجرد افتراض . و يستعمل فلاسفة معينين ، من جانب آخر ، مصطلح " مؤشري  " لجمل ( مثالها : انا جائع ) التي يعتمد معناها على السياق بمعنى ان القيمة الحقيقية للافتراضات التي يجري التعبير عنها في الجمل الخبرية الناتجة من النطق بها قد تختلف في منطوقها  من حالة الى أخرى ( انظر بار و هايليل  Bar and Hillel 1954 ب ) . و يبدو على الاستعمال الفلسفي لمصطلح " مؤشري  انه قد استقي من حقيقة ان بيرس كان قد طبقه على اسماء الاشارة الضمائر و كلمات اخرى من النوع الذي يسترعي انتباه المستمع من ملامح الحالة الراهنة .  و ان تعاريف " مؤشر " و " مؤشري  " و " يؤشر " التي سنتبناها ستكون قريبة من تلك التي استعملها آبركرومبي  . و سناخذ الامر على انه ضروري في تطبيق مصطلح " مؤشري " ، في موضوع  وجود علاقة معروفة او مفترضة بين العلامة ( أ ) و تعليمها ( ت )  ، على نحو و كأن ظهور ( أ ) بالامكان اخذه على انه ينطوي على  حضور لـ ( ت ) او لوجوده . و هذا لا يعد تحديدا كافيا طبقا للأغراض التي نسعى اليها ؛ ما يعني انه مطلوب منه ان يمسك بالروحية التي يتمتع بها تعريف بيرس ( و دون ادخال شرط وجوب ان يكون ( أ ) و ( ب ) متماسين ، او ان العلاقة بينهما لا بد ان تكون مستقلة عن وجود مفسر لها ) . فنحن حين نقول ان الدخان يعني النار ، او ان الكلام المتثاقل هو علامة السكر ، فنحن نضمن بذلك ، بلغة التعريفات العامة التي اعطيناها للتو ، بان الدخان و الكلام المتثاقل هما مؤشران ؛ ما يعني انهما متضمنان حضور النار او السكر ( و ذلك بالاشارة اليهما اذا صح التعبير ) .  و مع ذلك ؛ فثمة شرط مما يعد اكثر خصوصية يلبى هو ايضا في هذين المثالين ؛ و هو الشرط الذي سنجعل منه شرطا تعريفيا للمؤشرات . فالدخان لا يتضمن مجرد الفول ان الدخان دليل وجود النار ؛ و انما يشير الى  النار بوصفها مصدرا للدخان . و الكلام المتثاقل لا يتضمن مجرد القول ان احدا ما سكران ، و انما يشير الى  حالة السكر التي يمر بها المتكلم و سنأخذه هذا على انه ملمح اساسي لكل المؤشرات التي لا بد لها ان تنقل ، على هذا النحو ، معلومات عن مصادرها .
          يوجد مصطلح بديل لمصطلح " مؤشري  " معروف تماما في الآداب اللغوية و السايكولوجية و الاثنولوجية ، ذاك هو مصطلح " تعبيري expressive  " ؛ و لقد استعملنا هذا المصطلح الأخير على هذا النحو في التمييز بين مختلف انواع المعاني . ان في استعمال مصطلح " تعبيري " ، من ناحية ثانية  ، ضرر و هو انه يستعمل ايضا و بانتظام بمعان اخرى في علم الأسلوب  stylistics   ، بان نتحدث ، مثلا ،  عن عبارة كونها اكثر تعبيرية من اخرى  ، اذا ما كانت اثر حيوية او ربما اقوى وقعا ، و بغض النظر عما اذا كانت تكشف شيئا ما عن الحالة الذهنية للمؤلف او عن شخصيته .  و ليلاحظ القارئ ؛ ان مصطلح " تعبيري ، اذا ما استعملناه بالمعنى ذاته الذي يحمله " مؤشري " ، هو المصطلح الرئيس في نظرية بوهلر Buhler         ( 1934 ) و في عمل جاكوبسن و علماء لغة آخرين ينتمون الى مدرسة براغ الذين تأثروا كثيرا بعمل بوهلر . و مع ذلك  ، فما دمنا قد قدمنا مصطلحا اكثر ملائمة و عمومية يعبر عن المعلومات الموجودة في المنطوقات التي ترتبط بها ، و بذا تنكشف خواص المرسل ، و نكون نحن قادرين على تقييد المصطلح " تعبيري " بتلك الملامح المؤشرية للمنطوق بوساطة ما يؤسسه المتكلم او الكاتب ، وبما يكشف به عن شخصيته بطريقة اصيلة تعكس خواصه . و بذا  ستكون  التعبيرية ، بهذا المعنى ، جزء من الابداع اللغوي ؛ ما يعني انها ستقع في حقل علم الأسلوب ، و ليس في حقل علم الدلالة ( على القدر الذي نستطيع به تمييز فرعي الدراسة ؛ علم العلامات و علم اللغة ، عن أي فرع آخر للدراسة ) .
          بالامكان ان يجري التصنيف الفرعي للعلامات و الاشارات المؤشرية بطرق متنوعة . ابيركرومبي ( 1967 : 7 ) ، مثلا ، يميز بين تلك التي " تشير الى انتسابها الى مجموعة " ، و تلك التي " تشخص لنا الفرد " ، و تلك التي  " تكشف عن حالات التحول لدى المتكلم " . و يضع لافر ( 1968 ) تصنيفا ثلاثيا باختلافات بسيطة : بايولوجي ، و سايكولوجي ، و اجتماعي . و لقد كان آبركرومبي و لافر كلاهما معنيان اساسا بالكلام ، بخاصة بخاصية الصوت  voice -quality  و بالمظاهر شبه اللغوية . غبر ان مصطلح " مؤشري " بالامكان ان نطبقه على مظاهر المنطوق الأخرى  ايضا ، و على ما هو مكتوب اسوة بما هو منطوق . ذلك ؛ ان ما يلفظه او يدونه شخص ما ، لا يشير فحسب الى انتسابه الى جماعة مناطقية معينة او جماعة اجتما- ثقافية معينة ، و انما يشير ايضا الى جنسه و عمره ، و الى ماهيته ، و الى حالته العاطفية و موقفه ، وما الى ذلك ؛ ما يعني ايضا انه قد يشير الى توظيفه لشكل او مفردة معجمية معينة ، او لتركيب قواعدي معين . ان الكثير مما نوصفه غالبا بانه اسلوب الكاتب المميز ما هو ، بالتأكيد ، الا مؤشري  بهذا المعنى الذي استعملنا به المصطلح .
          ان التصنيف الفرعي الذي نتبناه هنا هو بالاساس التصنيف الذي وضعه آبركرومبي . فقد تسمى بـ " التشخيص الفرداني individual-identifying  " ( او الخواص الفرداني  idiosyncratic ) جميع الملامح الخاصة بالمؤشرات و المؤشري التي تشخص مصدر الاشارة بوصفها فردانية من نوع خاص . ؛ و قد تسمى بـ "  التشخيص المجموعاتي group – identifying  " جميع الملامح الخاصة بالمؤشرات و المؤشري التي لها علاقة بانتساب المتحدث الى جماعة اجتماعية معينة موجودة ضمن مجتمع ما ( بان تكون من عمر معين ، او جنس معين ، او من مواصفات بنيوية او شخصية معينة ، و ما الى ذلك ) .  و هذا الصنف الأخير بالامكان ان نفرعه الى تفريعات ثانوية ، بحسب الضرورة ، الى : مؤشرات " تشخيص مناطقي region -identifying  " ( او مناطقي regional )  ، تبعا للانتساب الجغرافي للفرد ؛ و مؤشرات  " تشخيص مرتبي status  - identifying  " ( او منزلة اجتماعية  status  ) تبعا للوضع  الاجتماعي للمتحدث ؛ و مؤشرات " تشخيص حرفي occupation – identifying  " ( او حرفي  occupational  ) ، و ما الى ذلك . و لقد أجريت منذ زمن بعيد  دراسة هذه الانواع من الملامح من لدن علماء اللغة ؛ اذ غالبا ما كانت تعرف في مجتمع دارسي اللغة بانها تقع في حقل دراسة مصطلحات من قبيل : " النبرة  accent  " و " لهجة  dialect  " و " اللغة الخاصة jargon  " ، بالمعنى ما قبل التنظيري الذي تستعمل به هذه المصطلحات في لغة الحياة اليومية .
           ثمة صنف ثانوي بميزة خاصة  بين اصناف المؤشرات يسترعي انتباهنا الخاص . و هذا هو النوع الثالث من انواع آبركرومبي (" تلك التي تكشف عن حالات التحول عند المتكلم " ) ، التي يعطيها ( ويشاركه في هذا مؤلفون آخرون عديدون ) تسمية " وجداني affective  " . ان ملامح مؤشرية من هذا القبيل غالبا ما يشار اليها على انها اتجاهية  attitudinal  . و قد يكون مستحبا ، من ناحية ثانية ، تبني تعريفا يعبر عن " حالة المتكلم "  اوسع بكثير مما يوحي به مصطلح من قبيل  " وجداني  " او " اتجاهي  " ؛ و للتعبير عن صنف ثانوي من المؤشرات هو الآخر يغطي مساحة واسعة مشابهة   ، سنستعمل مصطلح " امارة  symptom  " . ان اية معلومة تحملها علامة او اشارة تعلم المستلم ان المرسل في حالة خاصة ، سواء أكان هذا في حالة عاطفية ( او خوف ، او غضب ، او هياج او رغبة جنسية  ، الخ ) ، او حالة صحية ( كأن يكون يعاني من التهاب الحنجرة ، الخ .. ) ، او في حالة تسمم ، او ما الى ذلك ، سيجري توصيفه على انه " اماراتي symptomatic    " لتلك الحالة . و بالامكان ان تفسر الحالة مدار البحث في العديد من حالاتها ، و ليس في جميعها  ، على  انها مبعث الأمارة . و يجري استعمال مصطلح " امارة " ، مثلما سنلاحظ ، قريبا من المعنى الذي يستعمل به في الطب (  من معاني مفردة symptom  عرض او امارة – المترجم ) ، فهي مثلما ذكرنا آنفا تستعمل في فن التشخيص المرضي  ؛ بتفسير الأعراض على انها علامات ، و هو المعنى نفسه الذي استعملت به كلمة " علاماتي semiotic  "  عند الاغريق لأول مرة ( انظر موريس 1946 : 285 ) . و يجري توظيف مصطلح " أمارة " ، في الواقع ، على نحو واسع في ألأدب بالمعنى الذي اعطي لها هنا ؛ ما يعني انها ليست عرضة بذات الدرجة الى تقلب المعنى من مؤلف لآخر ، كأن يعطونها معنى " رمز " او " اشارة " .
          و سيلاحظ القارئ ان تعربفنا لمصطلح " أمارة " سيجيز لنا الوجهة التي استعمل بها بوهلر هذا المصطلح المذكورة آنفا ، و التي يعد بها كل منطوق امارة عند المستلم لما موجود في ذهن المرسل . و ان ما يدعو الى الشك ، من ناحية أخرى ، هو ان كان ثمة داع في اعطاء تفسير عمومي من هذا النوع لتعبير " حالة المتكلم " . و مع ذلك ، فثمة من قد يرغب بالقول ان كل منطوق هو اماراتي لما موجود في ذهن المرسل بمعنى مختلف الى حد ما ؛ في انه متعين ببرمجة عصبي – نفسية معينة و تحمل معلومات بالامكان استعمالها في استخلاص طبيعة تلك البرمجة . و قد يكون هذا صحيحا ، على الرغم من ان الحالة الحالية التي يمر بها البحث قد يكون  من السابق لأوانه الوصول الى  استنتاج مفاده ان اية امارة قد يحسبها المستمعون من نوع المنطوق ذاته ، هي في الواقع ، على قدر تعلق ألأمر بانتاج المنطوق المحكي ،  نتاج برمجة عصبي– نفسية مميزة . و حتى لو كان ألأمر كذلك ؛ فان المنطوقات لن تكون اماراتية لحالة المتكلم العصبي – نفسية الا عند المراقبين المدربين ، و ليس عند المستلمين العاديين للاشارات .
           و لا بد من ملاحظ ان " المؤشري ( و بضمنه  " الاماراتي  " ) كان قد جرى تعريفه بطريقة لا تتضارب مع  ما هو " اتفاقي  " او  " ايقوني  " . ان العديد من المارات و العديد من مؤشرات الخواص الفردية  idiosyncratic هي من النوع المستحث حقيقيا او اصطلاحيا ؛ و ما تبقى يفسر على وفق مبدأ النزعة الاتفاقية . و لا بد من التأكيد هنا ايضا على ان اشارات اللغة ، مثلما رأينا ، هي من النوع البالغ التعقيد ؛ ما يعني ان بعض مقومات المنطوق – الاشارة قد تكون مؤشرية و اخرى ليست مؤشرية . و طبقا للتصنيف الثانوي للملامح المؤشرية المقترحة في هذه الدراسة ، سيغطي مصطلح " مؤشري " العديد من الجوانب الاجتماعية للمعنى . و كنا قد اشرنا للتو  انه بوساطة العلاقات البينشخصية المؤسسة ضمن الجماعات الاجتماعية نستطيع تأكيد شخصيتنا المميزة بوصفنا أفرادا .

                                                           ( 3 )
النزعات ألأسمانية و الواقعية و المفاهيمية
Nominalism , Realism and Conceptualism
علينا الآن ان ننظر عن كثب الى الدور الذي تؤديه المفاهيم في العديد من نظريات المعنى التقليدية و الحديثة . و مثلما سنرى ؛ يعد هذا الموضوع عرضة للجدال من الناحيتين الفلسفية و السيكولوجية . و انه من ألأهمية بمكان ان يكون على علماء الدلالة عارفين بوجود مثل هذه المجادلات ، حتى لو لم يكونوا فلاسفة او سايكولوجيين . و المواضيع التي عليهم ان يتناولوها لا بد ان تكون من النوع الصعب في اية نظرية للدلالة تزعم لنفسها قدرتها على تفسير العلاقة بين اللغة و العالم الخارجي . و سندخل في مناقشاتنا قدرا معينا من المصطلحات القياسية ، الى هذا الحد او ذاك ، التي نستطيع ان نستند عليها لاحقا .
           دعونا نسلم انه  يوجد  هناك في العالم الخارجي تشكيلة من الكينونات من مختلف ألأنواع ( أشخاص ، حيوانات ، نباتات ، الخ ) ؛ لدرجة ان نقول ان كل كينونة منها لها شخصية فردية ؛ و بان كل منها مشخصة بـ ، او تمتلك خواصا يمكن ادراكها او بالأحرى فهمها . و عند قولنا كلاما من هذا النوع ، فنحن نتبنى الميتافيزيقيا التي تتحكم في استعمالنا اليومي للغة .
          و بـمصطلح مفهوم نعني ان علينا فهم فكرة ما ، او تفكير ما او تركيب ما بوسيلة يدرك بها الذهن الأشياء او يفهمها . و ثمة تحليل تقليدي واحد للتعليم ، مثلما كنا قد رأينا ، تتوسط به المفاهيم بين الكلمات و الأشياء  .  و ما سنتذكره هو ان " الكلمات تعلم ألأشياء متخذة من المفاهيم وسيلة وسيطة " ، و هو الشعار الذي يلخص كل هذا ؛ ما يعني اننا سمينا الموضوع الذي جرى تعليمه بكلمة ما ، على انه تعليمه   its signification. و دعونا الآن ندخل مصطلح " تعليم " للمفهوم الوسيط، من اجل ان نكون قادرين على القول ان الكلمة تعلم  مباشرة التعليم signification الخاص بها  ، و ان ما لم يجري تعليمه مباشرة هو معلمها significatum  . و يجري التمييز بين هذين المصطلحين ، في عدد من نظريات علم الدلالة الحديثة ، بان  يسمى المفهوم بـ " معنى " الكلمة و يسمى الموضوع بـ " الشيء المعني " ( انظر غاردينر Gardiner 1932  و اولمان 1957 :70 )  .
          جرى غالبا تصنيف المفاهيم بلغة عدد من الثنائيات من قبيل ؛ بسيط و معقد ، او ملموس و مجرد ، أو مفرد  و مشترك  ، أو خاص و عام  . و لا نحتاج هنا للخوض في تفاصيل هذه الخطة ، و انما ما لا بد من ملاحظته ، من ناحية ثانية ، هو ان اختلافات قواعدية تقليدية من هذا القبيل هي من الطينة نفسها التي استقي منها  الاختلاف بين الأسماء الملموسة و ألأسماء المجردة ، و ألاسماء العلم و الاسماء العامة ، التي في جانب منها تعتمد على هذا التقسيم ، بسبب العلاقة المنطقية التي تقرب بين النظرية القواعدية و النظرية المنطقية في التقاليد الغربية . انه الاختلاف بين العموميات و الخصوصيات هو ما يعنينا في هذه القضية ؛ لأن هذا هو المصدر ، اصطلاحيا على ألأقل ، الذي نشأت منه مشكلة العموميات ، التي كانت قد أخضعت لجدال فلسفي مكثف منذ زمن افلاطون و حتى يومنا هذا ، بشكل تعارض بين النزعة الأسمانية و النزعة الواقعية  ، و هو تعارض سيطر على المنطق و الميتافيزيقيا في الحقبة  القروسطية المتأخرة .  و عادة ما يرتبط  هذا التعارض ، بخاصة ،  باسم فيلسوف القرن الرابع عشر الانكليزي وليم ألأوكهامي William of Ockham  .
          و المقصود بمصطلح " عام universal  " هنا هو مفهوم من نوع ذلك الذي يرتبط بكلمات من قبيل : " انسان  man  " او " جميل   beautiful " عندما يستعملان على نحو توقعي  ، لكي يعزوان للشخص الفرد كونه انسانا او جميلا . ان للمشكلة التقليدية الخاصة بالعموميات علاقة بنزعتها الوجودية ، و ليس بحالتها السيكولوجية  فهل كان للعموميات ، أي وجودها الخاص ، وجود خارج ذهن موضوع ما عارف او مدرك ؟ او بمعنى ؛ هل لها وجدود في ما وراء العقلي  extra-mental  ، او وجود موضوعي  objective  ؟ و ما قد يوصف كونه قويما orthodox  ، لغاية ان جرى تحديه من لدن أصحاب النزعة ألأسمانية  ، كان هو ذاك الذي فعلوه . و هو ان مصطلح " مفهوم " بالإمكان ان يستعمل ، بناء على ذلك ، لمعنيين ؛ ليس فقط لتلك التي سنسميها  الآن بـ " المفاهيم العقلية " ( و انه بهذا المعنى كنا قد قدمنا المصطلح سابقا في هذا القسم ) ، و انما أيضا لتلك الكينونات التي سلمنا بكونها ما وراء-عقلية ، و التي جرى فهمها من لدن العقل ضمن معرفته و ادراكه للعالم الخارجي . و سنسمي هذه بـ     " المفاهيم الموضوعية " .  كانت توجد نسختان رئيستان  من الواقعية في العصور القديمة ، النسخة المستقاة من افلاطون التي قد نسميها هنا بـ " المتعالية transcendental  " ، او الواقعية المغالية extreme  ، و النسخة المستقاة من ارسطوطاليس و التي قد نسميها هنا ، على نحو مغاير ، بـ " المتأصلةimmanent  " او بـ " الواقعية المعتدلة " . و طبقا لأفلاطون ؛ ان المفهوم الموضوعي ( او الفكرة ، بالمعنى الافلاطوني للمصطلح ) يوجد خارج الأفراد او بمعزل عنهم ، الذي بالإمكان القول ، بطريقة ما ، انه يتجلى فيه . و كانت النسخة البديلة للواقعية ، من ناحية أخرى ، أكثر اعتدالا نشأت من أرسطو و انتشرت في البنية التركيبية السكولائية  لعلم المنطق ، و نظرية المعرفة epistemology  و علم ما وراء الطبيعة ؛ و كانت هذه النسخة هي التي صب عليها ذوو النزعة الاسمانية انتقاداتهم بالأساس . و كان بعض الدارسين المحدثين ، من أمثال فريج  Frege  و رسل  Russell  قد اتخذوا ، من ناحية ثانية ، موقفا يعد قريبا من افلاطون ؛ فكانت النتيجة ان انتقدوهما ذوو النزعة الاسمانية آخر الأمر .
           كانت وجهة النظر الأرسطية تتبنى رأيا مفاده : ان كل شخصية فردية تتألف من مبدأين مختلفين ، ولكن لا يمكن الفصل بينهما ، و هما المادة matter  و الصورة  form   . و ان المادة ما هي الا العنصر الخام التي يصنع منه الشيء ؛ بمعنى انها كانت المبدأ المفرِّد individuating ، أي ما يجعل الشخصية الفردية فريدة من نوعها و تختلف عن جميع الشخصيات الفريدة ألأخرى . و كانت الصورة form  (  بمعنى مختلف  عما يعنيه مصطلح     " شكل  form  " بالمعنى الذي نستعمله مصطلحا تقنيا في هذه الدراسة )  هي الجوهر المفهوم و المدرك ، او انها  طبيعة ألأشياء ؛ متأصلة فيها ، و ليس لها وجود مستقل ، و كانت عمومية بمعنى ان أفرادا مختلفين بإمكانهم ان يأخذوا الصورة ذاتها. فالمفهوم العام الموضوعي " انسان " ( الذي بالإمكان ان يحلل الى مفاهيم ابسط  ) كان متأصلا كصورة عند جميع ألأفراد الذين بالإمكان ان يعزو المرء لهم ، على نحو صائب ، خاصية الإنسان .
           و لقد رفض أنصار النزعة الاسمانية هذا الرأي الذي يعقد علاقة بين الكلمات و الأشياء . فهم يعتقدون ان العموميات ما هي إلا أسماء ( ومن هنا جاءت تسميتهم بأنصار النزعة الاسمانية nominalists  ) التي تعلم ألأفراد ، و تشير اليهم بعروض تتجلى بصيغة او أخرى . فالأفراد هم وحدهم  الذي كانوا موجودين ، و لم يكن ثمة وجود لعموميات خارجية موضوعية . و من ألأهمية بمكان ان نؤكد في هذه النقطة بان الاسمانيين القروسطيين لم ينكروا مبدأ موضوعية objectivity  معرفتنا عن العالم الخارجي ، و لم ينكروا ايضا امتلاك ألأفراد لخواص معينة . فهم كانوا يقولون ان لا وجود لكينونة مثل الحمرة redness ، بل ثمة وجود فقط لأشياء حمراء ؛ و المقصود بذلك وجود مواضيع فردانية نضفي عليها صفة احمر بوساطة التشابه في اللون . و هكذا سقطت العموميات ضحية على يد ما  عرف عموما انه موسى اوكهام ( و هو مبدأ البخل الوجودي ، او ألآقتصاد ، طبقا للمبدأ القائل  " بوجوب الا تتضاعف الموجودات فتذهب  الى ما وراء الضرورة " ، او على صورة اجدر بالتصديق بوضوح ، و لكنها اقل اعتيادا اذ تقول  " بوجوب الا  تفترض التعددية على نحو يخرج عن الضرورة " . و لقد كانت مفاهيم موضوعية ، و ليست مفاهيم عقلية ، تلك التي ما كان الاسمانيين القروسطيين  قد رفضوه على انه لا ضروري .
          ان الاسمانية ، مثلما كنا قد رأينا ، لك تكن بالضرورة تنطوي على نزعة ذاتوية subjectivism او نزعة شكوكية skepticism  من ناحية امكانيتنا لاكتساب المعرفة عن العالم الخارجي . إذ  ظهر ان أوكهام  اعتقد ان معرفتنا عن الشخصيات الفردية هي مباشرة و حدسية intuitive  ، و انها توجد بتأثير من ألأفراد انفسهم . و ما كان لابد من ان يقوله في هذا الصدد يعد ذا اهمية لا بد ان تؤخذ بنظر الاعتبار  . اذ ان الادراك الحدسي لموضوع ما ينشئ مفهوما عن ذاك الشيء لا بد ان يظهر في الذهن . و ان هذا المفهوم الفرداني  هو العلامة الحقيقية للموضوع ؛ ما يعني ان بالامكان اعتباره معنى الكلمة المكتوبة او المحكية  ، الذي يعلمها ، اصطلاحيا ، في لغات معينة . " ان ادراك بقرة ينجم من معلومة الفكرة ذاتها او من " العلامة الحقيقة " ( ..............terminus conceptus  )  ذاتها الموجودة في ذهن االانسان الانكليزي و في ذهن الانسان الفرنسي على الرغم من ان الأول سيعبر عن هذا المفهوم بالكلمات او بالكتابة بوساطة علامة اصطلاحية واحدة هي  : بقرة cow   ، في حين يعبر عنها الثاني بعلامة اصطلاحية أخرى هي  :  بقرة vache  " ( كوبلستون    Copleston   1953 : 54 ) .و بناء  على تفسير أوكهام هذا ، انه اعتقد اذن ان امر العلاقة المنطقية بين كلمة ما و مفهوم ما هو إلا قضية اصطلاح : غير ان مسألة وجوب وجود مفهوم من هذا النوع لم يكن كذلك ، فقد نجد في جميع اللغات كلمات تعبر عن مفاهيم جرت صياغتها بادراك مباشر للمواضيع الموجودة في العالم .
           علينا الآن ان نورد ذكر مصطلح  " المفاهيمية  conceptualism  " ، لكي نشير به الى اية نظرية في علم الدلالة تعرف معنى كلمة ما  ، او أي تعبير آخر ، على انه المفهوم الذي يرتبط بها منطقيا في ذهن المتكلم او السامع . و في اطار هذا المعنى الواسع للمصطلح ، قد لا توصف الواقعية و الاسمانية التقليديتان فحسب على انهما مفاهيميتان conceptualist  ، و انما  قد توصف كذلك أيضا تشكيلة من نظريات بديلة  ، بضمنها تلك النظرية التي يطبق بها مصطلح " علم الدلالة semantics  "بحس اكثر تقنية او اكثر تحديدا من لدن الفلاسفة : و نخص بالذكر النظرية القائلة بان المفاهيم العمومية لها مصداقية سيكولوجية ، و ليست وجودية ، و أنها تتركب في الذهن ، و لا تدرك من لدنه مباشرة .
          تتعرض النزعة المفاهيمية ، أي كان نوعها  ،  في علم الدلالة  الى نوعين مهمين من اشكال النقد . الأول ؛ هو اننا حتى ان سلمنا بوجود مفاهيم ترتبط بالكلمات ؛ من قبيل ( و نسترجع صدى المقتطف المأخوذ من أولمان المذكور آنفا في 1 ) اني اذا ما سمعت كلمة          " منضدة " ، سيحظر في ذهني مفهوم المنضدة ، و اذا ما فكرت بمنضدة ، فان كلمة " منضدة " سيجري حضورها لغرض الاستعمال بحسب الطلب ؛ فليس ثمة دليل يرينا ان مفاهيم من هذا النوع بإمكانها ان تقوم بأي دور في السلوك الاعتيادي للغة . ان الاستبطان هنا لا يعتمد عليه بسبب رداءة سمعته في هذا المجال ؛ و مع ذلك فليس ثمة وسيلة أخرى لتحديد ما اذا كان ارتباط من نوع ما للمفاهيم يرافق إنتاج المنطوقات  و فهمها ، عدا أن الاستبطان لا يقدم أي دعم واضح لوجهة نظر تعرض الأمر على هذا النحو . و المرء قد يكون قادرا ، بالطبع ، على تشكيل صورة ذهنية معينة عن المنضدة ، اذا ما طولب بذلك ( في سياق للذكر و ليس للاستعمال ) ؛ و قد يفعل المرء ذلك أيضا أحيانا حين تجري عنده عملية إنتاج منطوقات معينة او إدراكها . غير ان هذا لا يثبت لنا اننا نفعل ذلك على نحو اعتيادي ، او نحتاج لفعل ذلك ، مع الكلمات جميعا . و ينبغي ايضا الا نعترض على هذه النقطة قائلين : اذا لم يكن لدينا مفهوما للمنضدة علينا اذن  الا نكون قادرين على تعيين المناضد  ، و بذا علينا الا نكون قادرين على استعمال كلمة " منضدة " على نحو صائب . و قد يكون هذا غير صائب فحسب ، و انما ايضا قد يكون فيه تكرار لا فائدة فيه .  و اعني ؛ انه قد يكون ممكنا القول ان ما عنيناه بوجود مفهوم في الذهن عن المنضدة يعني القدرة على تعيين افراد صنف من الأشياء تنطبق عليها كلمة " منضدة " عندما يراد من المرء ان يفعل ذلك ؛ و هذا كل ما يتضمنه مصطلح " صياغة المفهوم concept – formation  " ، على النحو الذي يوظفه به العديد من السيكولوجيين . غير ان هذا لا يستلزم ، من ناحية ثانية ، انطلاقا من الحقيقة القائلة بوجوب اكتسابنا لمفهوم المنضدة  لكي يكون بإمكاننا القول اننا نعرف معنى   " منضدة " ، و بان هذا المفهوم له دور في إنتاج معظم  المنطوقات التي تحتوي على كلمة       " منضدة " و فهمها  . و بما ان مصطلح " مفهوم " يستعمل من لدن العديد من الكتاب الذي يكتبون في علم الدلالة ، انه ليس واضحا تماما ما الذي يعنونه به ؛ و قد يعد هذا بحد ذاته نقدا وافيا لاستعمالهم لهذا المصطلح . و مع ذلك ؛ فهو آخر ألأمر مصطلح له تاريخ طويل من المناظرات ؛ وان على أي امرئ يعرف معنى كلمة على انها المفهوم الذي يرتبط بهذه الكلمة ، يكون مدينا لقرائه بتوضيح يقدمه لهم يشرح به أي نوع من ألأشياء ينطوي عليه هذا المفهوم .
           ان خط النقد الثاني قد لا يكون موجها ضد " المفاهيمية " فحسب ، و انما ايضا ضد اية نظرية في علم الدلالة تعرف معنى الكلمة بلغة ما تعلمه ، بغض النظر عما اذا كان المعنى يقال عنه كونه تعليما للكلمة او معلما لها . و ما دمنا نقيد انتباهنا بمواضيع من قبيل المنضدة ، قد يكون من المعقول القول ان الكلمات يجري  استعمالها لكي يشار اليها على انها علامات . و نستطيع ان نعطي ، على ألأقل ، تفسيرا واضحا  ، الى حد ما  ، للعلاقة المعقودة بين الكلمة و الموضوع في مثل هذه الحالة . و بمجرد ان نقوم بتوسيع فكرة التعليم لكي تغطي جميع المفردات المعجمية ، سنقوم ، من ناحية ثانية ، بركوب مخاطرة تعريضها للتفاهة تماما . ذلك انه ، لكي نزعم ان كلمة تعني ما تعلمه- ما لم نمضي قدما حينذاك للتمييز بين مختلف الأنواع من التعليم ، فهذا معناه ان ليس ثمة في الكلمة من معنى اكثر مما تعنيه الكلمة . و قد يبدو  من المفضل  ، بناء على هذا ، تقييد فكرة  عملية التعليم  ، او الترميز ، بالصنف الثانوي من المفردات المعجمية او التعبيرات الموجودة في اللغة ، و التي ترمز الى ألأشياء بمعنى ما لـكلمة " يعلم " يمكن تفسيره بوضوح . و سنعود الى هذا المسألة لاحقا . و لا بد ، في الوقت ذاته ، من لفت انتباه القارئ اننا اقتصرنا  في مناقشة التعليم  خلال هذا الفصل على مناقشة التعليم الذي تحمله المفردات المعجمية ؛ ما يعني اننا لم نتطرق ، عن دراية ، الى ألاختلاف الواقع بين الأشكال و المفردات المعجمية و التعبيرات . و سنحاول ان نوضح لاحقا ، اننا بمجرد التطرق الى هذا الاختلاف ، يكون من الممكن تطبيق فكرة الوحدة اللغوية التي ترمز الى  شيء آخر بتناغم أعظم .


( 4 )
علم النحو و علم الدلالة و علم التداول
Syntactics , semantics and pragmatics
           صار ألأمر اعتياديا هذه الأيام ان نميز ثلاثة مجالات للبحث في علم العلامات و هي  : علم النحو  syntactics  ( او syntax ) و علم الدلالة ، و علم التداول . و يرجع هذا التقسيم الثلاثي  آخر ألأمر الى بيرس ، الا انه كان فد جرى استنباطه اولا من لدن موريس ( 1938 : 6 ) الذي جعل منه اكثر عمومية و اكثر انتشارا . ثم تناوله كارناب Carnap  ( 1942 : 6 )  فيما بعد ، وكان حاله حال موريس  ( و بلومفيلد ) ، مشاركا في الموسوعة العالمية للعلم الموحد  International Encyclopedia of Unified Science   ( نيوراث و شركاه  Neurath  et al   1939 ) ، التي كانت تعاني من قصور مادي يقلل من دورها ، ما دفع موريس ( 1946 ) نتيجة لذلك الى اعادة صياغتها  في اطار نظريته السلوكية عن العلامات . اذ أحس موريس آنذاك انه كان ملزما بالاشارة الى ان مصطلحات من قبيل " علم التداول " و " علم الدلالة " و    " علم العلامات " كانت " قد اكتسبت غموضا يهدد المشكلات ، الذي يتعرض لها حقل الدراسة بالتشوش لا بالتنوير ، لكونها تستعمل من لدن بعض الكتاب لوضع تقسيمات ثانوية لعلم العلامات هو بالذات ، و تستعمل من لدن آخرين لتسمية انواع من العلامات باللغات التي يبغي علم العلامات ان يعالجها بها " ( 1946 : 217 ) .
          ثمة خيط رفيع من الاختلاف في الطريقة التي يتجلى بها هذا الاختلاف حول المصطلح حتى بين أؤلئك المؤلفين الذين يستعملونه للإشارة الى وجود ثلاثة تقسيمات ثانوية لعلم العلاماتsemiotics   ( او semiotic   مثلما يسميه موريس و كارناب  ) . و لقد كان موريس قد عرف علم التداول بانه دراسة " علاقة العلامات بالمفسرين  " ، و علم الدلالة بأنه دراسة " العلاقات القائمة بين العلامات و المواضيع التي تنطبق عليها العلامات " ، و علم النحو بانه دراسة  " العلاقات الشكلية formal   للعلامات احدها بالأخرى  " ( 1938 : 6 ) . و نتيجة لذلك ؛ انه اقترح تحليلا اكثر وضوحا  كان مصمما لـ " الحفاظ على ملامح التصنيف الذي يسود ، بينما يحرر هذا التصنيف من تقييدات و التباسات معينة " ، و من اجل جعل المصطلحات الثلاثة " متاحة للتفسير ضمن علم علامات سلوكي الاتجاه " ( 1946 : 218 – 19   (  و بذا جرت التعريفات المنقحة على النحو التالي  : " ان علم التداول هو ذاك الجانب من علم العلامات الذي  يتعاطى البحث في اصل العلامات و استعمالاتها و تاثيراتها ضمن السلوك الذي تظهر به ؛ و علم الدلالة يتعاطى البحث في التعليم الذي تنجزه العلامات بكل الصيغ التي تمر بها عملية التعليم ، اما علم النحو فيتعاطى البحث في حالات الضم combinations التي تمر بها العلامات بغض النظر عن تعاليمها الخاصة او عن علاقتها بالسلوك االذي تظهر به  "   .
          و يعد التمييز ، الذي وضعه كارناب بين حقول علم العلامات الثلاثة ، قريبا من تلك الصيغة التي  وضعها  موريس ، سوى انه يتقيد بدراسة اللغات الطبيعية و الحسابات المنطقية : إذ انه " اذا ما وضعنا في بحثنا  اشارة واضحة الى المتكلم ، او الى مستعمل اللغة ، ان توخينا تعميما اشمل ، نكون بذا قد وضعنا ما يشير الى انه ينتمي الى حقل علم التداول ... و اذا ما تجردنا من مستعمل اللغة ، و عمدنا الى تحليل التعبيرات او ما يشير االيها  حسب  ، نكون عندئذ في رحاب علم النحو ( المنطقي ) " ( 1942 : 9 ) . و سيلاحظ القارئ ان استعمال مصطلح            " مستعمل user  "  بديلا لمصطلح " متكلم " الذي هو اشمل بكثير ، و مع ذلك فلم يتضح ما اذا كانت العمومية المتزايدة لهذا المصطلح متأتية من تضمين كتّاب اللغات المكتوبة مثلما هو من متكلمي اللغات المحكية ( لدرجة ان " المرسل  " و " المنتج " قد يبقيان عموميين على نحو واف ) ، ام انه كان المقصود به تغطية المستمعين و القراء أيضا بوصفهم مستعملين للغة . ان ما يبدو واضحا حقا هو انه  ، في علم التداول  ، تظهر وجهة نظر منتج العلامة اكثر ما تظهر به حقيقة وجهة نظر المستلم ( حتى في حالة انه يشير الى " الموقف كاملا – مشتملا المتكلم و السامع و الوسط " ( 1958 : 79 ) ) ، في حين يعرف موريس ،علم التداول ، في صيغة سابقة له ، بلغة ما تحدثه العلامات من تأثيرات على مفسيرها (  مع انه نتيجة لذلك يضمن دراسته اصل العلامات و استعمالاتها ، فضلا عن دراسته لتاثيراتها ، في علم التداول ) . و ثمة صياغات للاختلاف بين مجالات علم العلامات الثلاثة مما يعد اكثر انتشارا ، ولكنها تعد ايضا مما هو اقل دقة . و بالإمكان ان نذكر نموذجا منها تلك الصيغة المنشورة في مقدمة مجموعة من المقالات كتبها عدد كبير من المؤلفين ،التي جعلت من هذا الاختلاف مبدأ مهما في تنظيم خطة هذا الكتاب اذ تقول : " ... يدرس علم النحو كيفية ارتباط العلامات بعضها ببعض  . و يدرس علم الدلالة الكيفية التي ترتبط بها العلامات بالأشياء . و يدرس علم التداول الكيفية التي ترتبط بها العلامات بالناس " ( سمث Smith  1966 : 4-5 ) . و تعرف علم العلامات ، في مكان تال من الكتاب ، بلغة ما تحدثه الإشارات من التأثيرات ( او العلامات ) في الناس  .
          و يتوازي ، او يرتبط ، الفرق بين علم الدلالة ( او علم الدلالة النظري pure   ) و علم التداول ، عند كارناب ، بالفرق بين اللغات و الحسابات المنطقية ( التي يسميها كارناب بمنظومات اللغة المركبة  constructed language – systems  ) : و بذا " يعد كل من علم الدلالة و علم التداول شكلين مختلفين أساسا "   لـ  " لتحليل معاني التعبيرات " ، فاحدهما و هو علم التداول له علاقة بالبحث التجربي empirical  باللغات الطبيعية المنتجة تاريخيا " ، اما الثاني وهو علم الدلالة النظري فله علاقة بـ " دراسة منظومات اللغة المركبة " . اما علم الدلالة الوصفي ( و اعني بذلك البحث في معنى التعبيرات في " اللغات الطبيعية المعطاة تاريخيا "  ، يضيف قائلا " انها قد تعد جزء من علم التداول " (1956 : 233 )  . و يبدو ان السبب الذي جعل كارناب يدمج علم الدلالة في حقل علم التداول ، هو لاعتقاده ان الفروقات التي تنشأ من استعمال بعض التعبيرات ليست حتمية في السلوك اللغوي فحسب ، بل ايضا يجب ان يؤخذ لها حساب في الوصف . و على الرغم من الفرق الذي وضعه بين علم الدلالة النظري و علم الدلالة الوصفي  " بوصفهما شكلين مختلفين اساسا  للتحليل " ، فهو  اوضح ، من ناحية ثانية  ، في واحد من اعماله المتأخرة ، بانه فكر في علم الدلالة النظري على انه نموذج يخدم في دراسة علم الدلالة الوصفي ؛ و لقد تبنى بار -  هايليل Bar-Hillel  (1954 أ ) وجهة النظر هذه في دفاعه عن تطبيق عمل كارناب و علماء دلالة آخرين على تحليل اللغات الطبيعية .
          أشار موريس ، في مساهمة له في كتاب مكرس لفلسفة كارناب ( شيلب Schillp 1963 ) ، الى انه على الرغم من ان كارناب هدف الى " جعل علم التداول فرعا من فروع الدراسة التجربية ، و ليس لمعرفة ان كان ثمة امكانية يتساوق بها علم تداول نظري مع علم دلالة نظري و علم نحو نظري " ( ص 88 ) ، فليس ثمة داع لا يتيح فرصة ادخال مصطلحات نظرية و  وصفية في النقاش الدائر عن العلاقات التي تنعقد بين العلامات و مستخدميها . ان بامكان مصطلح " منطقي   logic  " ، مثلا ، ان يمتد ( مثلما اقترح بيرس  ) ليغطي كامل حقل دراسة علم العلامات النظري . و في رده سلم كارناب بهذه النقاط ( شلب 1963  : 861 ) ؛ و كان آنذاك قد نشر بحثه الموسوم " في بعض المفاهيم عن علم التداول On some concepts of pragmatics  " ( 1956 : 248-50 ) الذي تبنى فيه وجهة النظر ذاتها . و لقد اتفق موريس و كارناب و بار-هاليل جميعا ، من ناحية ثانية ، على انه مهما كان الخط الفاصل الذي قد يوضع بين  علم الدلالة النظري و علم التداول النظري ، من الضروري ان يشتمل تحليل المعنى في اللغات الطبيعية على اعتبارات تداولية  ، بخاصة حين يستند الفرق بين التعبيرات التحليلية و التركيبية على قرار من قبيل : اية معان تعد مقبولة عند مستعملي اللغة التي يجري وصفها .  ان  " الخاصية التداولية ألأساس " في اللغة ألاعتيادية يجري التشديد عليها بقوة خاصة من لدن بار – هايليل في واحد من بحوثه المنشورة حديثا ( 1970 : 206 – 21 ) .
           و من مراجعة الملخص الذي اعطيناه للتو عن تطور الفرق بين علم الدلالة و علم النحو و علم التداول الموضوع من لدن موريس و كارناب و بار – هايليل ، سيكون واضحا ان امكانية تطبيقه على وصف اللغات ، أو لنقل  ، مشكوك فيها على ألأقل ؛ مقارنة بعملية وصف تركيب الحسابات المنطقية ، و انه حتى وقت قريب كان عدد قليل من علماء  اللغة قد وضعوا حدا فاصلا بين هذه المصطلحات . فاذا كان علماء اللغة قد ضموا ضمن حقل علم العلامات ، مثلما اقترح موريس ( 1946 ) و آخرون ، انه لمن الواضح ان كامل الحقل و تفريعاته على حد سواء قد يحتاجان الى تحديد و  يجري توصيفهما بعناية و دقة اعظم  مما كان يجري تداوله تحت هذه المصطلحات حتى الآن . و يعد  الفرق بين علم التداول و علم الدلالة في علاقته بتحليل المعنى في اللغات الطبيعية ، مثلما توضح في الملخص المعطى آنفا ، فرقا مثيرا للجدل جرى تشخيصه تشخيصا عاما . و سنأتي الى هذه المواضيع لاحقا ، بخاصة عند نقاشنا للسياق  context  .
           دعونا ، في هذه المرحلة ، نعير انتباهنا عوضا عن ذلك للفرق بين علم النحو و علم الدلالة على النحو الذي وضع به هذا الفرق في ما اقتطفناه من موريس و كارناب . ان المسألة ألأولى التي علينا ملاحظتها هي غموض التعريف الموضوع عن علم النحو . فتعريف كارناب لا يقيد علم النحو على نحو واضح بالعلاقات التوافقية بين الكلمات ( على الرغم من انه واضح من صياغته التالية لمنظومة لعلم الدلالة النظري بان هذا هو ما يدور في باله )  ؛ و ان واحدا من التعريفات اهتم بأمر ماهية شروط الصياغة النحوية الجيدة . و لقد ميز علماء اللغة و الفلاسفة ، تقليديا ، بين مبدأين للصياغة الجيدة لتركيب الجمل و العبارات ؛ احدهما بلغة ما يظن انه صائب قواعديا   grammatical  ( مقابل اللاقواعدي ungrammatical ) . فاذا كان علم الدلالة هو حقل دراسة المعنى , ثمة إذن مظهر توافقي مفترض وجوده مسبقا في علم الدلالة ؛ و يصح هذا على علم النحو ، غير ان هذا ليس مسموحا به في تعريف علم النحو الذي اعطانا اياه كارناب و موريس .  و خطوة ابعد في نقد تعريف علم النحو هو انه لا يميز بين الأشكال و المفردات المعجمية و التعبيرات ، لدرجة انه غير واثق من الكيفية او الموضع الذي يجب الفصل فيه بين  وصف اللغة ، او الصرف morphology  او الآشتقاق من جانب و النحو من جانب آخر .
           و الى أي حد يبلغه تعريف علم الدلالة ، فانه يستند بقوة على فكرة التعليم ، التي كنا قد عرضناها للنقد في القسم السابق . فلن ينفع تعريف المعنى على انه العلاقة بين الكلمات و ألأشياء ، مثلما رأينا ، و لا بد من تسويغ  التسليم بوجود كينونات نظرية ، من قبيل مسلمات كارناب و نزعات موريس التي علينا الاستجابة لها ، لا باستعراض صحتها الوجودية او المادية ، بل باستعراض فائدتها في تحقيق الغرض من وصف الكيفية التي تستعمل بها اللغة في الحياة اليومية . و لوضع تشكيلة من الصيغ لمجرى عملية التعليم   ( مثلما يفعل موريس ) ، هو في أفضل الأحوال طريقة ليست مرضية لإدراك الحقيقة القائلة ان اغلب التعبيرات  في اللغة  ليست على الإطلاق موجودة لمجرد استعمالها بوصفها علامات ( ما عدا ، ربما ، عند استعمالها انعكاسيا ). و لا يمثل التعليم الا واحدة فقط من الوظائف التي يؤديها علم العلامات .
          نأتي اخيرا الى مصطلح " علم العلامات نفسه . ان من اكثر الطرق فائدة في تعريف هذا المصطلح هي تعريفه لا بوساطة نظرية العلامات ، بل بوساطة المنظومات الاشارية  signaling – systems   ؛ و اعني بذلك منظومات بث المعلومات عبر قناة ما . و من بين المنظومات الاشارية ( و اعني المنظومات العلاماتية ) ، نستطيع ان نميز تلك التي تعد حقيقية natural من تلك التي تعد اصطناعية artificial  ؛ و عندما نقول حقيقية ، لا نقولها بمعنى ان الاشارات هي ايقونية و ليست رمزية ( بالمعنى الذي قصده بيرس  )؛ و لا ايضا بمعنى انها غريزية ، جزئيا او كليا ( و ليست مكتسبة بالتعلم ) ؛ و انما نعني بحقيقة انها " معطاة تاريخيا "  ( مثلما قد يقول كارناب )و لم تكن قد ركبت عن قصد . و يظل السؤال مفتوحا حول ما اذا كان ممكنا او مفيدا ان ندمج علم اللغة ضمن نظرية لعلم العلامات مقبولة من الجميع ، و بالامكان تطبيقها على جميع المنظومات الاشارية ، سواء اكانت بشرية او لا بشرية . و ما حاولت ان افعله في هذه الصفحات و ما قبلها هو تاشير اوجه الشبه و الاختلاف بين المنظومات اللغوية و المنظومات اللالغوية عندما تنشأ هذه و تؤخذ من وجهة نظر علاماتية . و من هنا و صاعدا سنبدي اهتماما حصريا باللغة ، قل اوكثر ،  و سنبني على المفاهيم العلاماتية التي قدمناها آنفا على القدر الذي تكون به مفيدة لهذا الغرض دون التزام منا باحتمال دمج علم الدلالة اللغوية في اطار نظرية عامة حول علم العلامات . و لقد ذكرنا سابقا بانه ، حتى الى  وقت قريب ،  صار التقسيم الثلاثي بين علم نحو وعلم دلالة و علم تداول ، الذي تتبعنا تطوره في اعمال موريس و كارناب و بار – هياليل ، واحدا من التقسيمات التي لم يستفد منها سوى عدد قليل جدا من علماء اللغة . و لابد لنا ، ربما  ، ان نضيف هنا في هذه النقطة ، انه على الرغم من العدد المتزايد من علماء اللغة الذين ابتدئوا الآن باستعمال مصطلح " علم التداول " مقابل مصطلح " علم الدلالة ، فان اغلبهم يفعلون ذلك دون ان يربطوا أنفسهم بوجهة النظر القائلة ان علم اللغة هو ، او يجب ان يكون ، فرعا من فروع علم العلامات. و يصح هذا ايضا على غالبية علماء المنطق و الفلاسفة الذين يضعون حدا فاصلا بين علم الدلالة و علم التداول . و ان المرء بامكانه ان يجادل ، بالتأكيد ، انه حتى الآن تعد اصول التقسيم الثلاثي في تصورات بيرس عن علم اجمالي للعلامات ذات صلة ، بهذا القدر او ذاك ، بالطريقة التي يرسم بها هذا التقسيم حاليا من لدن علماء اللغة او الفلاسفة . و حتى انه ذو صلة اضعف ( و لم نقل عن هذا ألأمر شيئا لحد الآن  ) ، في عمل بيرس  ، بين علم التداول بوصفه قسما فرعيا من علم العلامات  و الحركة الفلسفية المعروفة بـ " المذهب العملي pragmatics  " ، التي على الرغم من انها مستقلة تاريخيا عن الوضعية  positivism   و السلوكية  behaviorism  ، الا انها تشترك معهما بالكثير .  و انها لحقيقة تثير الفضول ان نجد ان العديد من علماء المنطق و الفلاسفة الذين يلجئون  حاليا الى التقسيم الثلاثي لعلم النحو و علم الدلالة و علم التداول ، يفعلون ذلك بدعم من عقائد ميتافيزيقية تقليدية بالكامل من طراز اؤلئك الوضعيين أمثال كارناب ، و بتعميم اشمل  ، جميع اؤلئك الذين ساهموا في " موسوعة العلم الموحد  Encyclopedia of Unified Science " ممن كانوا معنيين بهذا الفصل بين حقول المعرفة هذه . الا ان ارتباط هذا التقسيم بحركة توحيد العلم لم تكن ربما اكثر من مصادفة تاريخية قصيرة الأجل ؛ و ثمة القليل حقا مما شارك به موريس و كارناب و بلومفيلد ، في هذا المجال ، بمعزل عن مجموعة من المواقف العامة التي اتخذوها تجاه العلم .
                       
    

                               A.Kh. Shalan                                   J. Lyons                                                         
                                                       
1 - التعليم   Signification
يجري وصف معنى التعبيرات اللغوية عادة بلغة تنبثق من فكرة التعليم  signification؛ و هذا يعني أن نأخذ الكلمات و التعبيرات ألأخرى على أنها علامات  signs  ، التي تعني بطريقة ما، انها  تعلِّم signify ، أو تمثل أشياء أخرى . أما السؤال عن ماهية هذه ألأشياء ألأخرى فهو، مثلما سنرى ، موضوع خاضع للجدال . و انه من المناسب أن نتبنى مصطلحا تقنيا حياديا لأي شئ تمثله العلامة ؛ و سنستعمل هنا المصطلح اللاتيني "مـعلم  significatum"، مثلما فعل عدد من المؤلفين لهذا الغرض.

           و قد وضع العديد من الكتاب، في مناقشتهم لفكرة التعليم، حدا فاصلا بين ما يسمى العلامات و الرموز  symbols ، أو بين الإشارات  signals  و الأمارات  symptom، او بين الرموز و الأمارات. و لكننا للأسف لا نجد ، من ناحية ثانية، تساوقا في الطريقة التي وضع بها مؤلفون مختلفون تعريفاتهم لهذه المصطلحات . نجد عند أوغدن و رتشارد (Ogden & Richard 1923: 24)، مثلا، إنهما يميزان الرموز على أنها " تلك العلامات التي يستعملها الناس للتواصل بين بعضهم البعض"، في حين نجد بيرس Peirce ( 1940 : 104 ) ، الذي يتعامل مع الرموز على أنها صنف فرعي من العلامات، يعرفها، مثلما سنرى، على أساس الطبيعة المتعارف عليها للعلاقة القائمة بين العلامة و التعليم . و على منواله يفعل ميلر  Miller ( 1951 : 5 ) . أما موريس  Morris ( 1946 : 23-7 )  ، الذي يقارب الموضوع على النحو الذي عالجه به بيرس تقريبا في جوانب معينة ، فيقول ان "الرمز هو علامة ... تقوم بدورها بديلا لعلامة أخرى معينة و تكون مترادفة synonymous  معها" و بان "العلامات التي ليست رموزا هي  إشارات signals " و يصف بوهلر( Buhler (1934الألفاظ على أنها أمارات  symptoms لما موجود في ذهن المتحدث ، فهو رمز لما قصد بها و جرى تعليمه ، و هو إشارة للسامع ( انظر اولمان Ullman 1957 : 68  )، في حين يوظف تشيري Cherry ( 1957 : ) كلمة "علامة" لتمثل  "أية حادثة فيزيائية تستعمل في عملية التواصل  communication" و يخصص "الرمز"  ليمثل "رموزا دينية و ثقافية لا يمكن تفسيرها الا من خلال سياقات تاريخية محددة"، مثل "التاج" و "الصليب" او "العم سام".
          سيكون واضحا لنا من خلال هذه التعريفات المتنوعة لـ "العلامة" و "الإشارة" و "الرمز" و "الأمارة" بأنه لا وجود لتفسير قياسي مفرد لأية واحدة منها في الأدب. و لقد جرى للتو  إدخال مصطلح "إشارة" ليشير إلى أي شئ يجري إرساله عبر قناة ما من قنوات التواصل، التي يستطيع بها المستلم أن يفسره  بتشفير   encoding رسالة ما، و سنواصل  أيضا استعماله هنا بالمعنى ذاته. و مثلما رأينا، إن ألفاظ اللغة (المقصود هنا ما تنتجه أفعال اللفظ) هي بالأساس إشارات بالإمكان تصنيفها بوصفها نماذج تنتمي للنوع ذاته. و بقبولنا في الوقت الحاضر بالرأي القائل بان عمليات التواصل تجري عموما بوساطة العلامات ، بإمكاننا القول بان الرسائل ما هي إلا علامات ، قد تتشكل ، أو لا تتشكل، من علامات ابسط . و بذا ، فان الإشارات هي التي تشفر العلامات.
          يوصف التعليم عموما بأنه ثلاثي العلاقة، و الذي يجري تحليله ربما بخطوة ابعد في ثلاثة أنواع من العلاقات الثنائية؛ اثنتان أساسيتان، و واحدة اشتقاقية. ان هذا الصنف من التحليل يجري توضيحه على نحو ملائم ، على النحو الذي جرى عليه عند أوغدن و ريتشارد    (1923)، و بعد ذلك عند آخرين عديدين من الذين يكتبون في علم الدلالة ، أو في وسائل الاتصال، بأن قاموا بوضع هذه العلاقات في مخطط يمثلها على شكل مثلث . ففي الشكل في ادناه، إستعملنا الحروف في تسمية زوايا هذا المثلث:
ب





أ ............................................. ت

مـثـلث الـتـعـلـيـم
إن العديد من المصطلحات المتنوعة جرى توظيفها في الأدب: و سنوظف هنا، في الوقت الحاضر على الأقل، مصطلح "علامة" ليمثل (أ)، و مصطلح "مفهوم concept  " ليمثل (ب) ، و مصطلح  "مَعلـَم  significatum" ليمثل (ت) . و يجري الأمر هكذا على وفق تحليل تقليدي واحد على ألأقل لـمفهوم  "التعليم  signification "، و هذا التحليل يجري التعبير عنه، مثلا، في المبدأ الأساسي السكولائي  scholastic : " vox significant [rein ] mediantibus conceptibus  "  (راجع أولمان  Ullmann 1957). بالإمكان ان نترجم هذا كالآتي: "إن الكلمة تعلم – الشئ – عبر وسيط هو المفاهيم " . ان الكلمة اللاتينية " vox"  هي المصطلح التقني للمغزى الصوتي  phonic sound، و كانت توظف عموما لتمثل كلمات مأخوذة من زاوية شكلها حسب (و بلغة اكثر تخصيصا تأخذ في صيغتها المحكية)، و لكنها كانت تستعمل بالأحرى دون تساوق لتشير الى صيغ الكلمات، و أحيانا لتشير أما إلى المفردات المعجمية  lexemes ، أو إلى  التعبيرات  expressions. ان الحد الفاصل بين التفسيرات المختلفة لـمفردة "كلمة"، مثلما تبين لنا،  نادرا ما كان يتوضح، ما يؤدي  إلى إفساد العديد من التحليلات الحديثة القياسية لمفهوم التعليم ، متمثلا في إخفاقها في أخذ هذا الحد الفاصل بالحسبان: لذا سنفسر كلمة " vox " في سياقنا الحالي على إنها تشير إلى المفردات المعجمية ، و سنهمل في الوقت الحاضر (مثلما يفعل العمل الذي نقوم بتلخيصه) الفرق بين المفردات المعجمية و التعبيرات. و لا بد لنا أيضا ان نشير الى وجود بعض التناقض في تفسير "المعلم significatum " عند أولئك المؤلفين الذي يستعملون هذا المصطلح . فقد يقول موريس (1946 )، مثلا ، ان (ب) و ليس (ت) هي المعلم عن (أ)، و ان (ت) هي  دلالاتها  denotatum. و لن ندخل نحن في تفصيلات هذه الاختلافات، أو في التصور المختلف، إلى حد ما، لفكرة التعليم التي بني أولئك المؤلفون تفسيراتهم عليها. و لن نعالج أيضا التوسع الحاصل في التحليل الثلاثي لمفهوم التعليم الذي يحيلنا، بوصفه عنصرا مستقلا،  الى  الشخص الذي استعمل العلامة، اوالى السياق الذي ظهرت به.

           و حقيقة ان العلاقة بين المفردة المعجمية (أ)  و المعلم (ت) الخاص بها هي علاقة غير مباشرة تجري عبر وسيط  هو المفهوم (ب)، مؤشر عليها في المخطط ، بأن ربطت (أ) و (ت) بخط منقط ، و على خلاف (أ) و (ب)، أو (ب) و (ت) اللذين يمثلان حضورا متواصلا بين علاقتين أكثر أهمية. إن هذه الأداة التخطيطية مأخوذة من أوغدن و رتشاردز. و قبل أن نمضي في النظر فيها بتفصيلات أوسع، لا بد لنا ان نلاحظ، استنادا على تفسيرات تقليدية معينة، إن علاقة (ا) و (ب)، و علاقة  (ب) و (ت) تمثلان التعليم  على أساس أن: المفردة المعجمية تعلم المفهوم ، و المفهوم بدوره يعلم الشئ. و لقد كنا ذكرنا للتو بان أوغدن و ريتشاردز كانا قد ميزا تشكيلة من معاني "المعنى". و كانا مشغولين في حل مشكلات سوء الفهم و سوء التفسير؛ و بذا اعتقدا أن قدرا كبيرا منهما راجع إلى عامل للاعتقاد بوجود حلقة وصل كامنة لا ينفرط عقدها بين العلامات و ما تمثله هذه ألعلامات. و زعما ايضا انه قد يجري تحسين التواصل و تسهيل وضوح الفكرة، إذا ما  وضحت العلاقة بين الكلمات و مواضيعها على انها علاقة اشتقاقية صرف، بمعنى أنها نَسَبية، و ليست علاقة سببية، تنتج من ارتباطهما في ذهن المتحدث و السامع (او الكاتب و القارئ) عبر عملية التواصل . (المحاولات العامة المزعومة في مجال علم الدلالة، التي شرع بها  كورزبسكي  Korzybski ( 1933 ) ، و طورها كتاب مثل تشايس  Chase 1938 )  و هاياكاوا  Hayakawa  1949))، التي تحركها رغبة مشابهة في جعل الناس أكثر وعيا بالمخاطر المزعومة في موضوع التعامل مع الكلمات بوصفها شيئا أكبر مما هو متعارف عليه، او بالأحرى بوصفها رموزا للأشياء. و هو ما قد نسميه على نحو أجدى انه علم دلالة علاجي  therapeutic semantics.  إن علاقة ا / ب و علاقة ب / ت، من ناحية ثانية، كان يعتقد أنهما علاقتان سببيتان بحق؛ ما يعني أن التفسير الذي أعطياه إياها أوغدن و رتشاردز بالإمكان توصيفه بمعنى عام على انه سلوكي behaviouristic . إذ يوجد موضوع في العالم الخارجي هو (ت) يستدعي فكرة في ذهن المتحدث هي (ب)، ثم تقوم هذه الفكرة باستنباط إشارة في ذهنه هي (أ). و لم يضع أوغدن و رتشاردز حدا فاصلا من النوع الذي وضعناه بين العلامة و الإشارة؛ فهما بناء على هذا يقولان عن العلامة كونها أرسلت إلى المستمع مثلما هي دون أي تطور إضافي في العملية ... و مع ذلك بمقدورنا نحن، من ناحية ثانية، أن نحشر بسهولة مرحلتين هما  تحويل الشفرة  encoding  و فك الشفرة  decoding  في عملية التواصل دون أن نشوش خط ألاتصال. إن العلامة تستدعي فكرة في ذهن المستمع ، فتقوم الفكرة بتوجيه انتباهه إلى (ت). إن الأمر الجدير بالملاحظة هنا هو ان تكوين ألأفكار في ذهن المتحدث ما يزال يظن انه يتقرر بعوامل سببية، أو ما يسمى بالمنبهات  stimuli  الموجودة في المحيط الخارجي. انه هذا السبب بالذات هو الذي جعلني أقول عن نظرية أوغدن و رتشاردز انها سلوكية بالمعنى العام للمصطلح ؛ ذلك لأنهما، في الواقع ، يستعملان تعبيرات ذهنية من قبيل: "فكرة" و هي ليست مناسبة، و بذا يجدها أي عالم سلوكي منفرة. ليس ثمة سبب يدعونا الى العزوف عن اعتبار الأفكار و المفاهيم ابنية نظرية تدخل ضمن إطار نظرية آلية للمعرفة و التواصل. و سنقوم بناء على هذا بمناقشة النظريات السلوكية الخاصة بالمعنى بوضوح أكبر. 

          و يعد المصطلح المستخدم من لدن أوغدن و رتشاردز للتعبير عن (ت) مرجعيا   referent ؛ و يستخدم هذا المصطلح في الوقت الحاضر على نحو واسع من لدن علماء الدلالة. و ما يستحق الملاحظة، من ناحية ثانية، ان علاقة مرجعية المعنى  reference، عند أغدن و رتشاردز تتحقق بين (ب) و (ت)، و ليس بين (أ) و (ت). و مثلما سنرى لاحقا انه لمألوف إلى حد بعيد أن نقول أن الكلمات أو التعبيرات ، و ليست المفاهيم، هي التي تشير إلى (أو تمثل) الأشياء .
           لقد جرت محاولات كثيرة لإقصاء أما (ب) او (ت)، مع الإبقاء على الرأي القائل بان معنى الكلمة يكمن في ما تعلمه. أولمن Ullmann ( 1957 )  يقول أن (ت) ليست في محل اهتمام مباشر من لدن عالم الدلالة، و بان تلك الخصائص المنسوبة للأشياء ذات العلاقة في تحديد معنى الكلمات هي مستقاة من تجريدنا للأشياء ممثلة بـ (ب). ثم تبع ذلك تحليل سوسير Saussure ( 1916 ) (بلغة تقول ان العلامة هي ليست [أ]، و إنما كينونة تتكون من ([أ + ب])، فهو لا يصف [ب] على أنها كينونة ذهنية، بل يعد [أ] أيضا كذلك ، قائلا إنهما يرتبطان في الذهن  دينامكيا و تبادليا: "إذا ما سمعت اسم [المنضدة]، سأفكر في المنضدة؛ و إذا ما فكرت بالمنضدة فاني سألفظ اسم المنضدة إذا تطلبت الحاجة" (1957 ). يعد المعنى بناء على هذا علاقة تبادلية بين [أ] و [ب]، التي "تمكنهما من أن تستدعي أحدهما الأخرى" . . و لقد راح باحثون آخرون، كانوا في شك من وضع تفسير المعنى في قالب ذهني من هذا النوع ، يتساءلون عن حاجة [ب]، أفكار أو مفاهيم ، للتوسط بين الكلمات و الأشياء. فعندهم ان معنى الكلمة ما هو إلا الموضوع، أو صنف المواضيع، الذي تمثله الكلمة. و نحن لن تكون لنا وقفة لمناقشة أي من هذين الرأيين في هذه النقطة، طالما كانا خاضعين لحملات نقد أكثر شمولا تتناول تعريف المعنى بلغة التعليم  signification  سنمر عليها لاحقا.
          ثمة اختلاف جدير بالملاحظة يدور حول التحليل الثلاثي للتعليم حتى بين أؤلئك الذين يقبلون فكرة وجود المقومات الثلاثة (أ) و (ب) و (ت)، و هو مما لا بد من أخذه بالحسبان . فهل ينبغي ان يعرف المقوم (أ) على انه ذو وجود فيزياوي ام عقلي؟ و ما هو الموقف السيكولوجي او الوجودي للمقوم (ب)؟ و هل يعد المقوم (ت) شيء ما يشار اليه في موقف معين؟ ام انه جملة ألأشياء التي قد يشار اليها بنطق العلامة  (او باشارة تشفر العلامة)؟ أم، مع انه احتمال ثالث، انه تمثلٌ  representation نموذجي او مثالي معين من هذا النوع ؟ لا حاجة بنا للجري وراء اجابة عن هذه ألأسئلة ألآن، و لكنا سنضعها في بالنا، لأنها مهمة و سنتناولها لاحقا، و ان على نحو مختلف.
2 – الرموز و الايقونات و المؤشرات و الأمارات
                       Symbols, icons, indices and symptoms
ان الكثير من ألأعمال المكتوبة في مجال نظرية العلامات كانت قد تأثرت تأثرا شديدا بكتابات سي. اس. بيرس  C. S. Peirce، و سنحاول هنا النظر في بعض المصطلحات التي وظفها للتعبير عن مختلف الانواع من العلامات. و لكن بيرس،  لسوء حظنا، لا يعد الوحيد من بين الكتاب الأكثر حذقا و اصالة في هذا الموضوع فحسب ، و انما هو ايضا واحدا من الكتاب ألأكثر صعوبة ، بحيث لا نجد موضعا في مجموع  أعماله بامكاننا ان نلجأ اليه من اجل الخروج بتفسير متماسك يعرفنا بنظريته. و بما اننا لسنا معنيين بتفصيلات نظريته ، ما عدا تلك الاختلافات المميزة الأكثر عمومية التي يضعها ، فهي ذات نتائج محدودة. ذلك  لأن الكثير من التأثير  الذي أحدثه بيرس ، مهما كان نوعه ، هو من النوع غير المباشر . ان المصطلح الذي يشير به بيرس الى نظرية العلامات هو مصطلح "علم العلامات semiotics " . و هذا هو المصطلح نفسه الذي يستخدمه لوك  Locke  في مؤلفه "مقالة في الفهم البشري Essay on Human Understanding  ( 1690). و هو ياتي من الكلمة ألاغريقية التي تعني "يعلـِّم  to signify"، و التي كانت قد تولدت في حقل الطب ألاغريقي في حقل التشخيص بوساطة الأمارات symptoms   الجسدية، و أستعملت من لدن الفلاسفة الرواقيين ليمزجوا بها بين علم المنطق logic  و علم المعرفة  epistemology. و يستعمل اغلب المؤلفين هذا ألايام ، من ناحية ثانية، عبارة "علم العلامات semiotics" إسما noun  و يستعملون كلمة "علاماتي semiotic" صفة مماثلة، و هذا هو ألاستعمال الذي سنتبناه هنا. و لحاجتنا الحاضرة سناخذ علم التلامات على انه نظرية العلامات، او التعليم؛ و سنقول فيما بعد بان "علم العلامات" من ألافضل ان تفهم، مثلما صارت تستعمل من لدن الناس ذوي الشأن، بوصفها تشير الى التحليل الخاص بمنظومات التأشير؛ و سيتذكر القارئ أيضا بانها جرى توظيفها بهذا المعنى فيما سبق من حديث لنا. أما وجه الاختلاف بين علم  و علم الدلالة، فسنتناول هذه المسألة لاحقا. و ثمة مصطلح بديل (قد يكون مكافئا بهذا القدر او ذاك) لـ "علم العلامات  semiotics" و هو semiology  الذي ادخله سوسير Saussure  ( 1916 ) ليعبر به عن علم اكثر شمولية (يعد بذاته فرعا من فروع علم النفس الاجتماعي)، و الذي سيكون علم اللغة linguistics   جزء منه. وربما  يكون  المصطلح "semiology " الاكثر استعمالا عند الدارسين  الذين عرفوا بتبنيهم لوجهة نظر سوسير.
          و لقد ميز بيرس عددا من أصناف العلامات يصل الى عشرة ، و بتفريعات ثانوية .  غير ان هذه ألأصناف كانت تستند على معايير متداخلة . و سينصب اهتمامنا هنا على واحد من أبعاد هذه التصنيفات التي تستند على التفريق بين ثلاث علامات هي: الرموز و الأيقونات و الأمارات.

(1) الرمز symbol  . . . يستند تعريف بيرس للرمز على احدى نزعتين هما: الاصطلاحية conventionality  او الاتفاقية   arbitrariness للعلاقة بين العلامة و الشيء الذي تعلمه . ان اهمية النزعة الاتفاقية بوصفها واحدة من ملامح تصميم اللغة و كنا قد ذكرناها آنفا . و ان واحدا من المناظرات  الفلسفية التي ادت الى ظهور علم القواعد التقليدي و قررت تطوره اللاحق كانت قد اولت اهتمامها بالمسألة التالية : هل ان العلاقة بين شكل form  الكلمة و معناها هي علاقة حقيقية natural  ام اصطلاحية؟ و يحاول بعض علماء اللغة هذه ألأيام ان يضعوا المسألة في هذا ألاطار.
           لقد اوجد سوسير ما اسماه بـ "اتفاقية العلامة اللغوية" (و نعني بذلك اصطلاحية العلاقة بين الشكل و المعنى) بوصفها واحدة من المبادئ الأكثر اساسية في جماع نظريته؛ و لقد تبعه اغلب علماء اللغة في ذلك (حتى لو كانوا غير موافقين على فكرة سوسير عن العلامة اللغوية). و انهم اتفقوا على انه، مهما كانت الحالة التي وجد الانسان نفسه في مراحل  تطوره الارتقائي ، كانت العلاقة عنده، في جميع اللغات المعروفة ،  بين الكلمة و الشيء الذي تمثله مبنية على نزعة اتفاقية، عدا استثناءات نادرة نسبيا . و ما نعنيه بالمصطلح " اتفاقي  "في هذا السياق قد يتوضح، مثلما هو الحال دائما، من طريق مثال معين  نسوقه. ففي الانكليزية ثمة كلمة "شجرة  tree"، و في الألمانية توجد كلمة "Baum  "، و في الفرنسية توجد كلمة "arbre  "؛ و سنفترض ان لكل من هذه الكلمات التعليم ذاته: و نعني انها قد تستعمل للاشارة الى  الصنف ذاته من الأشياء. و ان هذه الكلمات تختلف اختلافا تاما في شكلها؛ ما يعني انه ما من واحدة منها، من الناحية الحقيقية  اكثر ملائمة من الأخريتين لتعليم الأشجار.
          و لجعل هذه النقطة بالاحرى اكثر دقة، ليس ثمة واحدة من أشكال "الشجرة" tree (اعني  tree  او  trees او  Baum  (اعني  Baum  او Baume   الى آخره)، او   arbre (اعني arbre  او  arbre )، سواء اكان مكتوبا او محكيا ، مما يعد ممثلا للأشجار او لخواصها المميزة . و عند المقارنة ، تعد كل كلمة "وقواق  cuckoo" في الانكليزية، و كلمة
" Kucku" في الألمانية ، و كلمة " coucou  " في الفرنسية، في شكلها المحكي ممثلا حقيقيا للصرخة المميزة لنوع من الطيور التي تعلمها هذه الكلمات (اولمان  Allmann 1957 : 88 )، و هو ما يسمى تقليديا  بـ "التسمية بمالحاكاة الصوتية  onomatopoeia"، و بما يتوضح هنا، على انه استثناء مميز شامل لعمومية للمبدأ السوسيري الخاص بالنزوع الاتفاقي الى تفسير العلامة اللغوية ؛ غير ان  الأشكال الدالة على التسمية بمحاكاة ألأصوات لا تشكل  الا أقلية بين اشكال الكلمات في اية منظومة لغوية . فضلا عن وجود بعض النزعات الاتفاقية و الاصطلاحية في اشكال الكلمات المسماة على اساس المحاكاة الصوتية، طالما كانت قد وضعت لكي تتساوق مع المنظومات الصوتية في لغات معينة، و ليس لكونها محاكيا مباشرا لما تمثله (او على نحو اكثر دقة المفردات المعجمية التي تشفر لها) هذه الكلمات.
          و كنا قد فسرنا مبدأ النزعة الاتفاقية بالطريقة التي تفسر بها عادة من لدن علماء اللغة. و ما لا بد من ملاحظته ، من ناحية ثانية ، هو ان التحليل السوسيري للعلامة اللغوية ، هو ان ما يعلم (  signifie المدلول) لا بد ان يتعين بـ (ب) و ليس بـ (ت) في مثلت التعليم المذكور  آنفا. و مثلما فعل بعض علماء اللغة، قد يقول المرء، بناء على هذا، بوجوب تطبيق  مبدأ النزعة الاتفاقية، ضمن اطار عمل سوسيري لوصلة تربط (ا)  بـ  (ب)، و ليس لعلاقة تربط  بين (أ) و (ت) (و هي العلاقة التي قال عنها أوغدن و ريتشاردز  كونها غير مباشرة و ليست مبنية على علة حقيقية). و لقد كانت هذه المسألة قد نوقشت على سعة في المجلات اللغوية، و هو ما حصل لمواضيع عديدة أخرى لها علاقة بنظرية سوسير الخاصة بالتعليم (راجع اولمان 1962 : 81). و لن نمضي قدما هنا لعرض التحليل السوسيري للتعليم و للمناقشات التي نشأت نتيجة له. و كل ما نحتاج الى  قوله هنا ، في هذا السياق، هو ان تقييم فكرة النزعة الاتفاقية هي من التعقيد بحيث يصعب تفسيرها من النظرة الأولى.  بخاصة حين اصبح واضحا ان مفردتي "اتفاقي arbitrary" و "اصطلاحي  conventional" ليستا متكافئتين.
          و بتسليمنا انه ما من وجود لسبب جوهري (او سبب طبيعي، اذا ما استعملنا الصياغات التقليدية) يوضح لنا وجوب ارتباط المفردة الانكليزية " tree " باشكال الشجرة او الأشجار (بدلا من ارتباطها ، لنقل ، بـ "شبح" او "اشباح")، و ان عددا من المسائل الأكثر اهمية بالامكان ان تثار من خلال علاقتها بمبدأ النزعة الاتفاقية، و لا بد ان نجد في هذا الجانب الكثير من الاختلاف الجدير بالاهتمام  بين الدارسين. فهل لا بد من وجود مفردة معجمية من نوع " tree " في الانكليزية، بغض النظر عن ألأشكال التي ترتبط بها؟
          و في الواقع، ما الذي نعنيه بقولنا ان اللغة لا بد ان يكون (او لا يكون) فيها مفردة معجمية مكافئة دلاليا لكلمة "tree  " الانكليزية؟ و سنرى لاحقا ان واحدة من القضايا التي اصر سوسير و علماء دلالة بنيويون اخرون عليها هي ان كل لغة لا تمتلك خزينها الخاص بها من الأشكال فحسب،  و انما تمتلك ايضا منظومتها الخاصة من المعاني و المفاهيم.
         
(2) الأيقونة  Icon  . . . يستعمل بيرس مصطلح "ايقونة" لتعبير عن العلامات التي لا تفسر على وفق مبدأ النزعة الاتفاقية . و هو بذا يفرق بين الأيقونات و الرموز ، في مقطع واحد ، و مثلما يلي : " ما ألايقونة الا علامة قد تمتلك الخاصية التي تترجمها بوصفها ذات مغزى ، حتى لو لم يكن ثمة وجود لموضوعها ؛ و مثالها أثر بالقلم الرصاص يمثل خطا هندسيا ... . أما الرمز فهو علامة قد تفقد الخاصية التي تترجمها علامة في حالة غياب المفسر لها . و يصح هذا على حال أي منطوق لا يعلم ما يقوم بتعليمه الا بفضل كونه مفهوما لأنه حظي بذاك التعليم . "   ( 1940 : 104  ) . و سنلاحظ ان تعريف بيرس يستفيد من مصطلح " مفسر  interpretant "   . و يعد هذا ، بموجب نظرية بيرس ، تأثيرا ذهنيا تنتجه العلامة : ما يعني اننا قد نظنه مفهوما يرتبط بالعلامة في مثلث التعليم المذكور آنفا . و يجري تأسيس النزعة الاصطلاحية او الاتفاقية التي تخص الرموز في معرفة مستخدم الاصطلاح او وعيه ، و بتضاد مع ما قد نسميه واقعية العلامات الأيقونية  naturalism of iconic signs  . و مثلما رأينا ،  بالاضافة الى التسمية بمحاكاة الأصوات ، ثمة العديد من الملامح الأيقونية في اللغة ، مما يربطها بالمنظومات التأشيرية غير اللفظية .
           و يبقى التفريق بين  الأيقونات و الرموز ، مثلما يوصفهما بيرس ، بعيدا عن الوضوح . و يقال ان الايقونية  iconicity  تعتمد على شبه ما حقيقي ، هندسي او وظيفي ، موجود بين العلامة و موضوعها . و مع ذلك ، تبقى فكرة التفكير  بالشبه مستقلا عن ادراكنا للملامح ذات الصلة بالموضوع ، من طريق معرفة أي موضوعين هما المتشابهين ، على ألأقل مصدرا للشك . ذلك ان ادراكنا للشبه بين العلامة و موضوعها ( و نحن نتحدث هنا بلغة بيرس الاصطلاحية ) غالبا ما يكون مبنيا على معرفتنا لاصطلاحات ثقافية معينة نستعملها في التفسير . و يترتب على هذا واقع ان " الأيقونة لا يمكن ان نساويها بـما هو " حقيقي   natural  "  . و بعلمنا بامكانية رسم فرق ، من جانب ، بين  ما هو حقيقي ( و اعني بما لا نعلمه ) و ما هو ثقافي ، و بين ما هو اتفاقي  و ما هو ليس اتفاقيا ، من جانب آخر ، سيتضح لنا ان ألأيقونات ما هي الا صنف فرعي من العلامات غير الاتفاقية  non-arbitrary   التي يكون فيها الشبه اما حقيقي او ثقافي . فضلا عن انه الى الحد الذي قد يكون فيه الشبه بانواع عديدة مختلفة ، في اللغة مثلما هو في منظومات علاماتية اخرى ، تعد العلاماتية في افضل احوالها خاصية معقدة و و متغايرة الخواص ( انظر ايكو Eco  1972  ) . ان العديد من اشكال التسمية بمحاكاة الأصوات في اللغة المحكية ، و في الكتابات و الحروف الهيروغليفية للمنظومات المسماة بالكتابات الفردية ، ماهي الا نوع من أيقونية ركيكة ، بمعنى اننا ، بمعرفتنا بمعناها ، نستطيع ان نرى  وجود شبه ما بين شكلها و معناها ، الا اننا لا نستطيع استنتاج معناها و هي مفردة بمجرد معرفة شكلها . و مما تجدر الاشارة اليه ايضا هو ان مصطلح  " الوحدة الكتابية الرامزة للفكرة  ideogram  " يعد هنا مضللا من ناحية المنظومات الكتابية من النوع الذي كانت تستعمل به من لدن المصريين و المايا ، و ما تزال تستعمل من لدن الصينيين ؛ بمعنى ان هذه الوحدات الكتابية المزعومة الرامزة للفكرة تمثل ، او تجري على وفاق مع ، اشكال  المفردات المعجمية او اشكال اللغة المحكية ؛ و ما يعني ايضا انها لا تمثل مباشرة معنى الأشياء . فضلا عن ان جميع المنظومات التي من هذا النوع كانت قد غدت اكثر مرونة و اشد تاثيرا من الناحية العلاماتية ، كلما اصبحت الوحدات الكتابية الرامزة للفكرة اقل  ايقونية باطراد ( انظر غيلب  Gelb  1963 ) . و قد وجد  ، عموما ،  ان الأيقونية الموجودة في اللغة  هي من النوع الركيك ؛ ما يعني اننا فعلا حين نستفيد من اشارات أيقونية اقوى تاثيرا ، في الايماءات شبه اللغوية التي ترافق الكلام مثلا ، او في المحاكاة ، فهذه لا تخضع للتفسير عموما الا بوساطة الاسهاب في موقف ما و بقدرة المستلم على تمييز مقاصدنا .
           كنا حتى الآن قد فسرنا الأيقونية على أساس الشبه ( في انواع متنوعة ) بين الشكل و المعنى . و قد يوصف هذا على انه أيقونية أولية ؛ ما يعني بوضوح ان هذه النوع من الايقونية يعتمد على وجود الوسيط . ففي سبيل المثال ، يعد شكل المفردة ألانكليزية cuckoo    أيقونيا ف الوسط الصوتي ، و لكن ليس في الوسط الكتابي . و تعد فكرة الشبه ، او العلاقة ، بين معان مختلفة ترتبط بشكل ما ( او بمجموعة من ألأشكال ) ، ذات مغزى اعظم كثيرا في تحليل مفردات اللغة الحقيقية natural language   ؛ ما يجعلنا نناقش لاحقا  كل هذا في تفصيلات اوسع . و قد نشير هنا الى نوع اكثر تعقيدا من الأيقونية التي نفكر بها بين الشكل و المعنى ، تنتقل من وجهة نظر تاريخية ، بما قد نسميه امتدادا في المعنى من فحوى اساس الى فحوى مجازي او فحوى منزاح . و لنفترض ، مثلا ، وجود كلمة ، في الانكليزية ،  تعبر عن تسمية اكتسبتها بمحاكاة الأصوات ، التي  تشبه ، عند لفظها ، صرخة البوم ( على النحو ذاته الذي يشبه به لفظ  الشكل السردي لكلمة " وقواق  cuckoo  " صوت الوقواق ) . فاذا كانت الكلمة تعني  " بوم " ، سيعد هذا في هذه الحالة نوعا من ألأيقونية . ( في الحقيقة ، قد تشير الكلمة ، حالها حال " وقواق " الى مصدر الصوت ، و ليس الى الصوت بالذات ؛ الا ان الأصوات المميزة التي تصدرها الطيور و الحيوانات تعد جزء من خاصيتها مثلما هو شكلها . فهي اصواتها المميزة التي سيجري تمثيلها أيقونيا في الوسط الصوتي ، في حين تمثل اشكالها المميزة في الوسط الكتابي ، مثلما يحصل ، مثلا ، مع الحروف الهيروغليفية ) . 
          و دعونا نفترض ، من ناحية ثانية  ، ان الكلمة ما عادت تعني " بوم " ( على الرغم من انها عنت ذلك بالأساس ) ، و انما عنت "  حكيم  wise    " او " حكمة wisdom  " . ان هذا قد يكون مثالا لما قد نسميه بالأيقونية الثانوية ، التي تستند ، على قدر تعلق ألأمر باشكال الكلمة ، على انعقاد العلاقة المنطقية الأيقونية ألاولية بالخاصية الصوتية للطير ، و تستند ايضا ، بقدر تعلق ألأمر بمعنى الكلمة ، على بالعلاقة المقبولة عموما بين البومات و الحكمة . و لقد اخذت هاتان العلاقتان كلاهما بنظر الاعتبار فيما سبق بكونهما حقيقيتان و ليستا اصطلاحيتان ؛ و بذا جرى توظيف مجازات الكلام ( الاستعارة و الكناية و الصورة البلاغية  و ما شابه ) من لدن الرواقيين و من تبعهم لكي يفسروا به الامتداد الحقيقي المزعوم للمعنى من اصيل او اساس الى معنى ثانوي ذي علاقة بالأول . و في زمن متأخر جدا استعملت  مجازات الكلام هذه لتشفير تحولات تاريخية موثقة في المعنى ( بريل  Breal  1897 و ستيرن  Stern  1931 ) . و كانت الأيقونية الثانوية غالبا ما تنثار ، و ان ليس بلغة هذه المصطلحات ، على انها واحد من العوامل الفاعلة في اصل اللغة و في تطورها . 
           ان ما كنا قد سميناه بالنزعة الثانوية للتسمية بمحاكاة الأصوات يعد حالة خاصة من حالات الأيقونية الثانوية . و لقد سيقت أمثلة من لدن اولمان ، الذي صنفها على هذا النحو ، من قبيل : يرتجف dither  و يرتعش  dodder  و يهتز quiver  و ينسل  slink  ، و التي لها علاقة بحركات من انواع شتى  ، و يكتئب  gloom  و نكد grumpy  و مغث mawkish و   بضياع    slatternly  التي هي اشكال لأنواع من المفردات المعجمية التي تشير الى " صفة فيزياوية او أخلاقية معينة  عادة ما لا تكون مستحبة " ( أولمان 1962 : 84  ) . ان هذه الأمثلة جميعا هي من نوع التسمية بمحاكاة الأصوات ، التي تحس أصوات اشكالها المحكية و كأنها مناسبة لمعنى المفردات المعجمية التي هي الأشكال  ، على الرغم من ان الكلمات لا تشير حقا الى الأصوات او مصدر ألأصوات ، التي توضح ظاهرة معروفة بـ " الترميز الصوتي sound-symbolism  " ( او تسمى phonaesthesia   ) . و كانت هذه الأخيرة فد جرى البحث فيها في ادبيات علم الصوت  و علم الدلالة  و علم ألأسلوب ( انظر أولمان 1962 : 84  ) . و على الرغم من الشكوك التي تحوم حول موضع ،  في بعض اللغات ، ترتبط اصوات معينة او مجاميع من ألأصوات ببعض مظاهر المعنى ( و يظهر ألاستعمال ألأكبر لمثل هذه الارتباطات احيانا في الشعر ) ، فان معرفة الدرجة التي تشترك بها اللغات المختلفة في ظاهرة الترميز الصوتي هو امر مشكوك فيه. و تبدو ظاهرة الترميز الصوتي ، بالقدر الذي توجد به ، و كأنها مقتصرة على قدر قليل من المفردات الموجودة في اللغات عموما .
           ان القضية الأساس التي انبعثت من نقاشنا حول العلاقة بين ما هو ايقوني و ما هو اصطلاحي ، هي انهما لا يتعارضان بحدة ، و هذا امر توحي به  ، ليست تصنيفات بيرس لوحدها ، وانما تصنيفات اخرى أيضا . ان العلاقة التي يمكن تمييزها ثقافيا بين البومات و الحكمة ، مثلا ، قد تكون ، او قد لا تكون ، مبنية على أي شيء في الطبيعة . ان العلاقة الموجودة في الثقافة التي نعيش فيها ، من ناحية ثانية ، مدعومة بما هي عليه من النزعة ألاصطلاحية ، هي بالتأكيد ليست علاقة مبنية على النزعة الاتفاقية .  و مهما بلغ ألأمر في هذه المسالة ، مثلما هو الحال في العديد من غيرها ، قد يكون من المستحيل ، في محاولة أخيرة ، رسم حد فاصل بين ما هو متعين بايولوجيا او متعين ثقافيا في علاقة قائمة بين  الطبيعة و ذاتها nature and nature  .
          و يجري الآن تأسيس مصطلح " ايقوني "  في ألأدب على نحو فاعل ، على الرغم من انه ليس اكثر من تسمية لمجموعة متفرقة من العلاقات اللااتفاقية non-arbitrary  بين الشكل و المعنى ، فانه مصطلح تقني مفيد جدا . و من الأهمية بمكان ، من ناحية اخرى ،الا نفسره على انه مرادف لما هو " حقيقي  natural  " . ان ما هو " ايقوني " ، وحاله ليس كحال ما هو        " رمزي " ، له ميزة كونه خاليا من اي معنى لاتقني non-technical  يقع خارج علم العلامات . و على الرغم منه على أي امرئ ، يريد ان يقرأ أدبيات علم العلامات و علم الدلالة ، ان يكون عارفا بالاستعمال التقني من المصطلحين " رمز " و " رمزي "  المتحققين على يد بيرس و من تبعه ، ليس ثمة من سبب قوي يجعل من استعمالهما ابديا . و قد يكون من ألأفضل استعمال مصطلح " رمزي  " للتعبير عن علاقات تنعقد بين البومات و الحكمة ، بان نقول ، مثلا ، ان البومة هي رمز لـ ، او ترمز الى ، الحكمة . و بمعزل عن أي شيء آخر ، يعد هذا اقرب الى الاستعمال اللاتقني للغة الحياة اليومية .
          ان افضل مصطلح تقني لأية علاقة لااتفاقية تنعقد بين شكل و معنى ، او بين معنى و معنى ، ممكن ان نراها مبنية على اساس مبدأ عام ، لا بد ان يكون هذا المصطلح قد جرى حثه من لدن مصطلح سوسيري يجري استعماله  على سعة من لدن علماء اللغة ( أولمان 1973 : 352 ) . و اذا كانت العلاقة من نوع علاقات الشكل بالمعنى و كان المبدأ العام الذي تقوم عليه هو شبه من نوع ما ، قد يوصف الشكل في هذه الحالة كونه أيقونيا . ان ايقونية مفهومة على هذا النحو ستكون مبنية على حث  اكثر تحديدا ؛ ما يعني انه اما ان تكون أولية او ثانويا ، غير انها ستكون معتمدا على خواص الوسط الذي يتجلى به الشكل . و ثمة اهمية محدودة في تطبيق مصطلح " الأيقونية " على علاقات معنى بمعنى ، من قبيل العلاقة التي تخص الاستعارة metaphor  ( على الرغم من ، مثلما رأينا ، ان الاستعارة قد تكون عاملا و مكونا اساس في الأيقونية الثانوية .
           ( 3 ) المؤشر Index  . يعد هذا الصنف الثالث من الاصناف ، التي وضعها بيرس للعلامات ، اكثر تغايرا في خواصه من الصنفين الآخرين . و ان التعريف الظاهر الذي يعطيه لمصطلح " مؤشر " يجري كالآتي : " ان المؤشر علامة قد تفقد ، على الفور ، الخاصية التي تجعل منها علامة اذا ما أزيح موضوعها ، غير انها قد لا تفقد هذه الخاصية اذا لم يكن ثمة مفسر لها . " ( 1940 : 104 ) و سنلاحظ ان هذا التعريف جرت صياغته على هذا النحو لغرض ايجاد رموز و ايقونات و مؤشرات ، و اصنافا ليست متداخلة ، نظريا على ألأقل . و يمضي بيرس الى حد القول : ان قطعة من شكل به ثقب رصاصة من الممكن ان يتحول ، بشيء من التوضيح ، الى مؤشر ؛ ما يعني " انه  دون وجود اطلاقة ما كان للثقب ان يوجد ؛ و مع ذلك فثمة يوجد ثقب ، بغض النظر عما اذا انوجد من يعزوه الى اطلاقة او لا  . " و من حقنا هنا ان نوضح ، من ناحية اخرى ، كيف ان تطبيق تعريفه على الأمثلة  ألأخرى ، التي يسوقها لا يتسم بالوضوح  ؛ ذلك لأن المشية المتسارعة rolling gait  لرجل قد تكون " تأشيرا محتملا لكونه بحارا " ؛ او ان " المزول او الساعة تشير الى الوقت في اثناء النهار " ؛ او ان " طرقة على الباب تعد مؤشرا " - و عموما ان أي شيء " يركز انتباهنا " او " يجفلنا " يعد مؤشرا (  1940 :108 )  . و كذلك تفعل ضمائر اسماء الاشارة ؛ لأنها " تدعو السامع الى استخدام قدراته على الملاحظة ، و بذا تؤسس لعلاقة حقيقية بين ذهنه و الموضوع " ( 1940 : 110 ) .
          و لا يبدو على أي من اتباع بيرس انه كان قد استعمل المصطلحات " مؤشر " و          " مؤشري indexical  " و " يؤشر  indicate  " بمعنى عام مثلما فعل بيرس نفسه  . موريس Morris  ( 1946 )  ، مثلا ، يوظف المصطلح " مشخص  identifier  " للعلامات  " معلما الموضع في المكان و الزمان " ، الذي  " يوجه السلوك نحو منطقة معينة في البيئة " ، و مصطلح " indicators  " ( التي تعطي مفردته indicator  ايضا معنى  " مؤشر " في الانكليزية –المترجم ) للاشارات غير اللغوية ، و مثالها الايماءة المستعملة في التاشير ، التي تؤدي وظيفة المشخصات . فمصطلحه " مؤشر indicator  " اذن يعد اضيق من " مؤشر  index    "  بيرس مع انه له علاقة به . و بقدر تعلق ألأمر بـ " مؤشر  " و " مؤشري  " يبدوان الآن و كأنهما معنيان متمايزان تماما دارجان في ألأدبيات . اذ يوظف ايبركرومبي  Abercrombeie  ( 1967 ) مصطلح " مؤشرات  indices  " للاشارة الى " الاشارات التي تكشف عن الخواص الشخصية التي يتمتع بها كاتب او متحدث معين " ؛ و قد يغطي هذا التعريف بوضوح المثال الذي ساقه بيرس عن مشية البحار المتسارعة ، و يغطي بعض العلامات او الاشارات  التي تستجلب انتباهنا او تجفلنا ، و ان ليس جميعها مجرد افتراض . و يستعمل فلاسفة معينين ، من جانب آخر ، مصطلح " مؤشري  " لجمل ( مثالها : انا جائع ) التي يعتمد معناها على السياق بمعنى ان القيمة الحقيقية للافتراضات التي يجري التعبير عنها في الجمل الخبرية الناتجة من النطق بها قد تختلف في منطوقها  من حالة الى أخرى ( انظر بار و هايليل  Bar and Hillel 1954 ب ) . و يبدو على الاستعمال الفلسفي لمصطلح " مؤشري  انه قد استقي من حقيقة ان بيرس كان قد طبقه على اسماء الاشارة الضمائر و كلمات اخرى من النوع الذي يسترعي انتباه المستمع من ملامح الحالة الراهنة .  و ان تعاريف " مؤشر " و " مؤشري  " و " يؤشر " التي سنتبناها ستكون قريبة من تلك التي استعملها آبركرومبي  . و سناخذ الامر على انه ضروري في تطبيق مصطلح " مؤشري " ، في موضوع  وجود علاقة معروفة او مفترضة بين العلامة ( أ ) و تعليمها ( ت )  ، على نحو و كأن ظهور ( أ ) بالامكان اخذه على انه ينطوي على  حضور لـ ( ت ) او لوجوده . و هذا لا يعد تحديدا كافيا طبقا للأغراض التي نسعى اليها ؛ ما يعني انه مطلوب منه ان يمسك بالروحية التي يتمتع بها تعريف بيرس ( و دون ادخال شرط وجوب ان يكون ( أ ) و ( ب ) متماسين ، او ان العلاقة بينهما لا بد ان تكون مستقلة عن وجود مفسر لها ) . فنحن حين نقول ان الدخان يعني النار ، او ان الكلام المتثاقل هو علامة السكر ، فنحن نضمن بذلك ، بلغة التعريفات العامة التي اعطيناها للتو ، بان الدخان و الكلام المتثاقل هما مؤشران ؛ ما يعني انهما متضمنان حضور النار او السكر ( و ذلك بالاشارة اليهما اذا صح التعبير ) .  و مع ذلك ؛ فثمة شرط مما يعد اكثر خصوصية يلبى هو ايضا في هذين المثالين ؛ و هو الشرط الذي سنجعل منه شرطا تعريفيا للمؤشرات . فالدخان لا يتضمن مجرد الفول ان الدخان دليل وجود النار ؛ و انما يشير الى  النار بوصفها مصدرا للدخان . و الكلام المتثاقل لا يتضمن مجرد القول ان احدا ما سكران ، و انما يشير الى  حالة السكر التي يمر بها المتكلم و سنأخذه هذا على انه ملمح اساسي لكل المؤشرات التي لا بد لها ان تنقل ، على هذا النحو ، معلومات عن مصادرها .
          يوجد مصطلح بديل لمصطلح " مؤشري  " معروف تماما في الآداب اللغوية و السايكولوجية و الاثنولوجية ، ذاك هو مصطلح " تعبيري expressive  " ؛ و لقد استعملنا هذا المصطلح الأخير على هذا النحو في التمييز بين مختلف انواع المعاني . ان في استعمال مصطلح " تعبيري " ، من ناحية ثانية  ، ضرر و هو انه يستعمل ايضا و بانتظام بمعان اخرى في علم الأسلوب  stylistics   ، بان نتحدث ، مثلا ،  عن عبارة كونها اكثر تعبيرية من اخرى  ، اذا ما كانت اثر حيوية او ربما اقوى وقعا ، و بغض النظر عما اذا كانت تكشف شيئا ما عن الحالة الذهنية للمؤلف او عن شخصيته .  و ليلاحظ القارئ ؛ ان مصطلح " تعبيري ، اذا ما استعملناه بالمعنى ذاته الذي يحمله " مؤشري " ، هو المصطلح الرئيس في نظرية بوهلر Buhler         ( 1934 ) و في عمل جاكوبسن و علماء لغة آخرين ينتمون الى مدرسة براغ الذين تأثروا كثيرا بعمل بوهلر . و مع ذلك  ، فما دمنا قد قدمنا مصطلحا اكثر ملائمة و عمومية يعبر عن المعلومات الموجودة في المنطوقات التي ترتبط بها ، و بذا تنكشف خواص المرسل ، و نكون نحن قادرين على تقييد المصطلح " تعبيري " بتلك الملامح المؤشرية للمنطوق بوساطة ما يؤسسه المتكلم او الكاتب ، وبما يكشف به عن شخصيته بطريقة اصيلة تعكس خواصه . و بذا  ستكون  التعبيرية ، بهذا المعنى ، جزء من الابداع اللغوي ؛ ما يعني انها ستقع في حقل علم الأسلوب ، و ليس في حقل علم الدلالة ( على القدر الذي نستطيع به تمييز فرعي الدراسة ؛ علم العلامات و علم اللغة ، عن أي فرع آخر للدراسة ) .
          بالامكان ان يجري التصنيف الفرعي للعلامات و الاشارات المؤشرية بطرق متنوعة . ابيركرومبي ( 1967 : 7 ) ، مثلا ، يميز بين تلك التي " تشير الى انتسابها الى مجموعة " ، و تلك التي " تشخص لنا الفرد " ، و تلك التي  " تكشف عن حالات التحول لدى المتكلم " . و يضع لافر ( 1968 ) تصنيفا ثلاثيا باختلافات بسيطة : بايولوجي ، و سايكولوجي ، و اجتماعي . و لقد كان آبركرومبي و لافر كلاهما معنيان اساسا بالكلام ، بخاصة بخاصية الصوت  voice -quality  و بالمظاهر شبه اللغوية . غبر ان مصطلح " مؤشري " بالامكان ان نطبقه على مظاهر المنطوق الأخرى  ايضا ، و على ما هو مكتوب اسوة بما هو منطوق . ذلك ؛ ان ما يلفظه او يدونه شخص ما ، لا يشير فحسب الى انتسابه الى جماعة مناطقية معينة او جماعة اجتما- ثقافية معينة ، و انما يشير ايضا الى جنسه و عمره ، و الى ماهيته ، و الى حالته العاطفية و موقفه ، وما الى ذلك ؛ ما يعني ايضا انه قد يشير الى توظيفه لشكل او مفردة معجمية معينة ، او لتركيب قواعدي معين . ان الكثير مما نوصفه غالبا بانه اسلوب الكاتب المميز ما هو ، بالتأكيد ، الا مؤشري  بهذا المعنى الذي استعملنا به المصطلح .
          ان التصنيف الفرعي الذي نتبناه هنا هو بالاساس التصنيف الذي وضعه آبركرومبي . فقد تسمى بـ " التشخيص الفرداني individual-identifying  " ( او الخواص الفرداني  idiosyncratic ) جميع الملامح الخاصة بالمؤشرات و المؤشري التي تشخص مصدر الاشارة بوصفها فردانية من نوع خاص . ؛ و قد تسمى بـ "  التشخيص المجموعاتي group – identifying  " جميع الملامح الخاصة بالمؤشرات و المؤشري التي لها علاقة بانتساب المتحدث الى جماعة اجتماعية معينة موجودة ضمن مجتمع ما ( بان تكون من عمر معين ، او جنس معين ، او من مواصفات بنيوية او شخصية معينة ، و ما الى ذلك ) .  و هذا الصنف الأخير بالامكان ان نفرعه الى تفريعات ثانوية ، بحسب الضرورة ، الى : مؤشرات " تشخيص مناطقي region -identifying  " ( او مناطقي regional )  ، تبعا للانتساب الجغرافي للفرد ؛ و مؤشرات  " تشخيص مرتبي status  - identifying  " ( او منزلة اجتماعية  status  ) تبعا للوضع  الاجتماعي للمتحدث ؛ و مؤشرات " تشخيص حرفي occupation – identifying  " ( او حرفي  occupational  ) ، و ما الى ذلك . و لقد أجريت منذ زمن بعيد  دراسة هذه الانواع من الملامح من لدن علماء اللغة ؛ اذ غالبا ما كانت تعرف في مجتمع دارسي اللغة بانها تقع في حقل دراسة مصطلحات من قبيل : " النبرة  accent  " و " لهجة  dialect  " و " اللغة الخاصة jargon  " ، بالمعنى ما قبل التنظيري الذي تستعمل به هذه المصطلحات في لغة الحياة اليومية .
           ثمة صنف ثانوي بميزة خاصة  بين اصناف المؤشرات يسترعي انتباهنا الخاص . و هذا هو النوع الثالث من انواع آبركرومبي (" تلك التي تكشف عن حالات التحول عند المتكلم " ) ، التي يعطيها ( ويشاركه في هذا مؤلفون آخرون عديدون ) تسمية " وجداني affective  " . ان ملامح مؤشرية من هذا القبيل غالبا ما يشار اليها على انها اتجاهية  attitudinal  . و قد يكون مستحبا ، من ناحية ثانية ، تبني تعريفا يعبر عن " حالة المتكلم "  اوسع بكثير مما يوحي به مصطلح من قبيل  " وجداني  " او " اتجاهي  " ؛ و للتعبير عن صنف ثانوي من المؤشرات هو الآخر يغطي مساحة واسعة مشابهة   ، سنستعمل مصطلح " امارة  symptom  " . ان اية معلومة تحملها علامة او اشارة تعلم المستلم ان المرسل في حالة خاصة ، سواء أكان هذا في حالة عاطفية ( او خوف ، او غضب ، او هياج او رغبة جنسية  ، الخ ) ، او حالة صحية ( كأن يكون يعاني من التهاب الحنجرة ، الخ .. ) ، او في حالة تسمم ، او ما الى ذلك ، سيجري توصيفه على انه " اماراتي symptomatic    " لتلك الحالة . و بالامكان ان تفسر الحالة مدار البحث في العديد من حالاتها ، و ليس في جميعها  ، على  انها مبعث الأمارة . و يجري استعمال مصطلح " امارة " ، مثلما سنلاحظ ، قريبا من المعنى الذي يستعمل به في الطب (  من معاني مفردة symptom  عرض او امارة – المترجم ) ، فهي مثلما ذكرنا آنفا تستعمل في فن التشخيص المرضي  ؛ بتفسير الأعراض على انها علامات ، و هو المعنى نفسه الذي استعملت به كلمة " علاماتي semiotic  "  عند الاغريق لأول مرة ( انظر موريس 1946 : 285 ) . و يجري توظيف مصطلح " أمارة " ، في الواقع ، على نحو واسع في ألأدب بالمعنى الذي اعطي لها هنا ؛ ما يعني انها ليست عرضة بذات الدرجة الى تقلب المعنى من مؤلف لآخر ، كأن يعطونها معنى " رمز " او " اشارة " .
          و سيلاحظ القارئ ان تعربفنا لمصطلح " أمارة " سيجيز لنا الوجهة التي استعمل بها بوهلر هذا المصطلح المذكورة آنفا ، و التي يعد بها كل منطوق امارة عند المستلم لما موجود في ذهن المرسل . و ان ما يدعو الى الشك ، من ناحية أخرى ، هو ان كان ثمة داع في اعطاء تفسير عمومي من هذا النوع لتعبير " حالة المتكلم " . و مع ذلك ، فثمة من قد يرغب بالقول ان كل منطوق هو اماراتي لما موجود في ذهن المرسل بمعنى مختلف الى حد ما ؛ في انه متعين ببرمجة عصبي – نفسية معينة و تحمل معلومات بالامكان استعمالها في استخلاص طبيعة تلك البرمجة . و قد يكون هذا صحيحا ، على الرغم من ان الحالة الحالية التي يمر بها البحث قد يكون  من السابق لأوانه الوصول الى  استنتاج مفاده ان اية امارة قد يحسبها المستمعون من نوع المنطوق ذاته ، هي في الواقع ، على قدر تعلق ألأمر بانتاج المنطوق المحكي ،  نتاج برمجة عصبي– نفسية مميزة . و حتى لو كان ألأمر كذلك ؛ فان المنطوقات لن تكون اماراتية لحالة المتكلم العصبي – نفسية الا عند المراقبين المدربين ، و ليس عند المستلمين العاديين للاشارات .
           و لا بد من ملاحظ ان " المؤشري ( و بضمنه  " الاماراتي  " ) كان قد جرى تعريفه بطريقة لا تتضارب مع  ما هو " اتفاقي  " او  " ايقوني  " . ان العديد من المارات و العديد من مؤشرات الخواص الفردية  idiosyncratic هي من النوع المستحث حقيقيا او اصطلاحيا ؛ و ما تبقى يفسر على وفق مبدأ النزعة الاتفاقية . و لا بد من التأكيد هنا ايضا على ان اشارات اللغة ، مثلما رأينا ، هي من النوع البالغ التعقيد ؛ ما يعني ان بعض مقومات المنطوق – الاشارة قد تكون مؤشرية و اخرى ليست مؤشرية . و طبقا للتصنيف الثانوي للملامح المؤشرية المقترحة في هذه الدراسة ، سيغطي مصطلح " مؤشري " العديد من الجوانب الاجتماعية للمعنى . و كنا قد اشرنا للتو  انه بوساطة العلاقات البينشخصية المؤسسة ضمن الجماعات الاجتماعية نستطيع تأكيد شخصيتنا المميزة بوصفنا أفرادا .

                                                           ( 3 )
النزعات ألأسمانية و الواقعية و المفاهيمية
Nominalism , Realism and Conceptualism
علينا الآن ان ننظر عن كثب الى الدور الذي تؤديه المفاهيم في العديد من نظريات المعنى التقليدية و الحديثة . و مثلما سنرى ؛ يعد هذا الموضوع عرضة للجدال من الناحيتين الفلسفية و السيكولوجية . و انه من ألأهمية بمكان ان يكون على علماء الدلالة عارفين بوجود مثل هذه المجادلات ، حتى لو لم يكونوا فلاسفة او سايكولوجيين . و المواضيع التي عليهم ان يتناولوها لا بد ان تكون من النوع الصعب في اية نظرية للدلالة تزعم لنفسها قدرتها على تفسير العلاقة بين اللغة و العالم الخارجي . و سندخل في مناقشاتنا قدرا معينا من المصطلحات القياسية ، الى هذا الحد او ذاك ، التي نستطيع ان نستند عليها لاحقا .
           دعونا نسلم انه  يوجد  هناك في العالم الخارجي تشكيلة من الكينونات من مختلف ألأنواع ( أشخاص ، حيوانات ، نباتات ، الخ ) ؛ لدرجة ان نقول ان كل كينونة منها لها شخصية فردية ؛ و بان كل منها مشخصة بـ ، او تمتلك خواصا يمكن ادراكها او بالأحرى فهمها . و عند قولنا كلاما من هذا النوع ، فنحن نتبنى الميتافيزيقيا التي تتحكم في استعمالنا اليومي للغة .
          و بـمصطلح مفهوم نعني ان علينا فهم فكرة ما ، او تفكير ما او تركيب ما بوسيلة يدرك بها الذهن الأشياء او يفهمها . و ثمة تحليل تقليدي واحد للتعليم ، مثلما كنا قد رأينا ، تتوسط به المفاهيم بين الكلمات و الأشياء  .  و ما سنتذكره هو ان " الكلمات تعلم ألأشياء متخذة من المفاهيم وسيلة وسيطة " ، و هو الشعار الذي يلخص كل هذا ؛ ما يعني اننا سمينا الموضوع الذي جرى تعليمه بكلمة ما ، على انه تعليمه   its signification. و دعونا الآن ندخل مصطلح " تعليم " للمفهوم الوسيط، من اجل ان نكون قادرين على القول ان الكلمة تعلم  مباشرة التعليم signification الخاص بها  ، و ان ما لم يجري تعليمه مباشرة هو معلمها significatum  . و يجري التمييز بين هذين المصطلحين ، في عدد من نظريات علم الدلالة الحديثة ، بان  يسمى المفهوم بـ " معنى " الكلمة و يسمى الموضوع بـ " الشيء المعني " ( انظر غاردينر Gardiner 1932  و اولمان 1957 :70 )  .
          جرى غالبا تصنيف المفاهيم بلغة عدد من الثنائيات من قبيل ؛ بسيط و معقد ، او ملموس و مجرد ، أو مفرد  و مشترك  ، أو خاص و عام  . و لا نحتاج هنا للخوض في تفاصيل هذه الخطة ، و انما ما لا بد من ملاحظته ، من ناحية ثانية ، هو ان اختلافات قواعدية تقليدية من هذا القبيل هي من الطينة نفسها التي استقي منها  الاختلاف بين الأسماء الملموسة و ألأسماء المجردة ، و ألاسماء العلم و الاسماء العامة ، التي في جانب منها تعتمد على هذا التقسيم ، بسبب العلاقة المنطقية التي تقرب بين النظرية القواعدية و النظرية المنطقية في التقاليد الغربية . انه الاختلاف بين العموميات و الخصوصيات هو ما يعنينا في هذه القضية ؛ لأن هذا هو المصدر ، اصطلاحيا على ألأقل ، الذي نشأت منه مشكلة العموميات ، التي كانت قد أخضعت لجدال فلسفي مكثف منذ زمن افلاطون و حتى يومنا هذا ، بشكل تعارض بين النزعة الأسمانية و النزعة الواقعية  ، و هو تعارض سيطر على المنطق و الميتافيزيقيا في الحقبة  القروسطية المتأخرة .  و عادة ما يرتبط  هذا التعارض ، بخاصة ،  باسم فيلسوف القرن الرابع عشر الانكليزي وليم ألأوكهامي William of Ockham  .
          و المقصود بمصطلح " عام universal  " هنا هو مفهوم من نوع ذلك الذي يرتبط بكلمات من قبيل : " انسان  man  " او " جميل   beautiful " عندما يستعملان على نحو توقعي  ، لكي يعزوان للشخص الفرد كونه انسانا او جميلا . ان للمشكلة التقليدية الخاصة بالعموميات علاقة بنزعتها الوجودية ، و ليس بحالتها السيكولوجية  فهل كان للعموميات ، أي وجودها الخاص ، وجود خارج ذهن موضوع ما عارف او مدرك ؟ او بمعنى ؛ هل لها وجدود في ما وراء العقلي  extra-mental  ، او وجود موضوعي  objective  ؟ و ما قد يوصف كونه قويما orthodox  ، لغاية ان جرى تحديه من لدن أصحاب النزعة ألأسمانية  ، كان هو ذاك الذي فعلوه . و هو ان مصطلح " مفهوم " بالإمكان ان يستعمل ، بناء على ذلك ، لمعنيين ؛ ليس فقط لتلك التي سنسميها  الآن بـ " المفاهيم العقلية " ( و انه بهذا المعنى كنا قد قدمنا المصطلح سابقا في هذا القسم ) ، و انما أيضا لتلك الكينونات التي سلمنا بكونها ما وراء-عقلية ، و التي جرى فهمها من لدن العقل ضمن معرفته و ادراكه للعالم الخارجي . و سنسمي هذه بـ     " المفاهيم الموضوعية " .  كانت توجد نسختان رئيستان  من الواقعية في العصور القديمة ، النسخة المستقاة من افلاطون التي قد نسميها هنا بـ " المتعالية transcendental  " ، او الواقعية المغالية extreme  ، و النسخة المستقاة من ارسطوطاليس و التي قد نسميها هنا ، على نحو مغاير ، بـ " المتأصلةimmanent  " او بـ " الواقعية المعتدلة " . و طبقا لأفلاطون ؛ ان المفهوم الموضوعي ( او الفكرة ، بالمعنى الافلاطوني للمصطلح ) يوجد خارج الأفراد او بمعزل عنهم ، الذي بالإمكان القول ، بطريقة ما ، انه يتجلى فيه . و كانت النسخة البديلة للواقعية ، من ناحية أخرى ، أكثر اعتدالا نشأت من أرسطو و انتشرت في البنية التركيبية السكولائية  لعلم المنطق ، و نظرية المعرفة epistemology  و علم ما وراء الطبيعة ؛ و كانت هذه النسخة هي التي صب عليها ذوو النزعة الاسمانية انتقاداتهم بالأساس . و كان بعض الدارسين المحدثين ، من أمثال فريج  Frege  و رسل  Russell  قد اتخذوا ، من ناحية ثانية ، موقفا يعد قريبا من افلاطون ؛ فكانت النتيجة ان انتقدوهما ذوو النزعة الاسمانية آخر الأمر .
           كانت وجهة النظر الأرسطية تتبنى رأيا مفاده : ان كل شخصية فردية تتألف من مبدأين مختلفين ، ولكن لا يمكن الفصل بينهما ، و هما المادة matter  و الصورة  form   . و ان المادة ما هي الا العنصر الخام التي يصنع منه الشيء ؛ بمعنى انها كانت المبدأ المفرِّد individuating ، أي ما يجعل الشخصية الفردية فريدة من نوعها و تختلف عن جميع الشخصيات الفريدة ألأخرى . و كانت الصورة form  (  بمعنى مختلف  عما يعنيه مصطلح     " شكل  form  " بالمعنى الذي نستعمله مصطلحا تقنيا في هذه الدراسة )  هي الجوهر المفهوم و المدرك ، او انها  طبيعة ألأشياء ؛ متأصلة فيها ، و ليس لها وجود مستقل ، و كانت عمومية بمعنى ان أفرادا مختلفين بإمكانهم ان يأخذوا الصورة ذاتها. فالمفهوم العام الموضوعي " انسان " ( الذي بالإمكان ان يحلل الى مفاهيم ابسط  ) كان متأصلا كصورة عند جميع ألأفراد الذين بالإمكان ان يعزو المرء لهم ، على نحو صائب ، خاصية الإنسان .
           و لقد رفض أنصار النزعة الاسمانية هذا الرأي الذي يعقد علاقة بين الكلمات و الأشياء . فهم يعتقدون ان العموميات ما هي إلا أسماء ( ومن هنا جاءت تسميتهم بأنصار النزعة الاسمانية nominalists  ) التي تعلم ألأفراد ، و تشير اليهم بعروض تتجلى بصيغة او أخرى . فالأفراد هم وحدهم  الذي كانوا موجودين ، و لم يكن ثمة وجود لعموميات خارجية موضوعية . و من ألأهمية بمكان ان نؤكد في هذه النقطة بان الاسمانيين القروسطيين لم ينكروا مبدأ موضوعية objectivity  معرفتنا عن العالم الخارجي ، و لم ينكروا ايضا امتلاك ألأفراد لخواص معينة . فهم كانوا يقولون ان لا وجود لكينونة مثل الحمرة redness ، بل ثمة وجود فقط لأشياء حمراء ؛ و المقصود بذلك وجود مواضيع فردانية نضفي عليها صفة احمر بوساطة التشابه في اللون . و هكذا سقطت العموميات ضحية على يد ما  عرف عموما انه موسى اوكهام ( و هو مبدأ البخل الوجودي ، او ألآقتصاد ، طبقا للمبدأ القائل  " بوجوب الا تتضاعف الموجودات فتذهب  الى ما وراء الضرورة " ، او على صورة اجدر بالتصديق بوضوح ، و لكنها اقل اعتيادا اذ تقول  " بوجوب الا  تفترض التعددية على نحو يخرج عن الضرورة " . و لقد كانت مفاهيم موضوعية ، و ليست مفاهيم عقلية ، تلك التي ما كان الاسمانيين القروسطيين  قد رفضوه على انه لا ضروري .
          ان الاسمانية ، مثلما كنا قد رأينا ، لك تكن بالضرورة تنطوي على نزعة ذاتوية subjectivism او نزعة شكوكية skepticism  من ناحية امكانيتنا لاكتساب المعرفة عن العالم الخارجي . إذ  ظهر ان أوكهام  اعتقد ان معرفتنا عن الشخصيات الفردية هي مباشرة و حدسية intuitive  ، و انها توجد بتأثير من ألأفراد انفسهم . و ما كان لابد من ان يقوله في هذا الصدد يعد ذا اهمية لا بد ان تؤخذ بنظر الاعتبار  . اذ ان الادراك الحدسي لموضوع ما ينشئ مفهوما عن ذاك الشيء لا بد ان يظهر في الذهن . و ان هذا المفهوم الفرداني  هو العلامة الحقيقية للموضوع ؛ ما يعني ان بالامكان اعتباره معنى الكلمة المكتوبة او المحكية  ، الذي يعلمها ، اصطلاحيا ، في لغات معينة . " ان ادراك بقرة ينجم من معلومة الفكرة ذاتها او من " العلامة الحقيقة " ( ..............terminus conceptus  )  ذاتها الموجودة في ذهن االانسان الانكليزي و في ذهن الانسان الفرنسي على الرغم من ان الأول سيعبر عن هذا المفهوم بالكلمات او بالكتابة بوساطة علامة اصطلاحية واحدة هي  : بقرة cow   ، في حين يعبر عنها الثاني بعلامة اصطلاحية أخرى هي  :  بقرة vache  " ( كوبلستون    Copleston   1953 : 54 ) .و بناء  على تفسير أوكهام هذا ، انه اعتقد اذن ان امر العلاقة المنطقية بين كلمة ما و مفهوم ما هو إلا قضية اصطلاح : غير ان مسألة وجوب وجود مفهوم من هذا النوع لم يكن كذلك ، فقد نجد في جميع اللغات كلمات تعبر عن مفاهيم جرت صياغتها بادراك مباشر للمواضيع الموجودة في العالم .
           علينا الآن ان نورد ذكر مصطلح  " المفاهيمية  conceptualism  " ، لكي نشير به الى اية نظرية في علم الدلالة تعرف معنى كلمة ما  ، او أي تعبير آخر ، على انه المفهوم الذي يرتبط بها منطقيا في ذهن المتكلم او السامع . و في اطار هذا المعنى الواسع للمصطلح ، قد لا توصف الواقعية و الاسمانية التقليديتان فحسب على انهما مفاهيميتان conceptualist  ، و انما  قد توصف كذلك أيضا تشكيلة من نظريات بديلة  ، بضمنها تلك النظرية التي يطبق بها مصطلح " علم الدلالة semantics  "بحس اكثر تقنية او اكثر تحديدا من لدن الفلاسفة : و نخص بالذكر النظرية القائلة بان المفاهيم العمومية لها مصداقية سيكولوجية ، و ليست وجودية ، و أنها تتركب في الذهن ، و لا تدرك من لدنه مباشرة .
          تتعرض النزعة المفاهيمية ، أي كان نوعها  ،  في علم الدلالة  الى نوعين مهمين من اشكال النقد . الأول ؛ هو اننا حتى ان سلمنا بوجود مفاهيم ترتبط بالكلمات ؛ من قبيل ( و نسترجع صدى المقتطف المأخوذ من أولمان المذكور آنفا في 1 ) اني اذا ما سمعت كلمة          " منضدة " ، سيحظر في ذهني مفهوم المنضدة ، و اذا ما فكرت بمنضدة ، فان كلمة " منضدة " سيجري حضورها لغرض الاستعمال بحسب الطلب ؛ فليس ثمة دليل يرينا ان مفاهيم من هذا النوع بإمكانها ان تقوم بأي دور في السلوك الاعتيادي للغة . ان الاستبطان هنا لا يعتمد عليه بسبب رداءة سمعته في هذا المجال ؛ و مع ذلك فليس ثمة وسيلة أخرى لتحديد ما اذا كان ارتباط من نوع ما للمفاهيم يرافق إنتاج المنطوقات  و فهمها ، عدا أن الاستبطان لا يقدم أي دعم واضح لوجهة نظر تعرض الأمر على هذا النحو . و المرء قد يكون قادرا ، بالطبع ، على تشكيل صورة ذهنية معينة عن المنضدة ، اذا ما طولب بذلك ( في سياق للذكر و ليس للاستعمال ) ؛ و قد يفعل المرء ذلك أيضا أحيانا حين تجري عنده عملية إنتاج منطوقات معينة او إدراكها . غير ان هذا لا يثبت لنا اننا نفعل ذلك على نحو اعتيادي ، او نحتاج لفعل ذلك ، مع الكلمات جميعا . و ينبغي ايضا الا نعترض على هذه النقطة قائلين : اذا لم يكن لدينا مفهوما للمنضدة علينا اذن  الا نكون قادرين على تعيين المناضد  ، و بذا علينا الا نكون قادرين على استعمال كلمة " منضدة " على نحو صائب . و قد يكون هذا غير صائب فحسب ، و انما ايضا قد يكون فيه تكرار لا فائدة فيه .  و اعني ؛ انه قد يكون ممكنا القول ان ما عنيناه بوجود مفهوم في الذهن عن المنضدة يعني القدرة على تعيين افراد صنف من الأشياء تنطبق عليها كلمة " منضدة " عندما يراد من المرء ان يفعل ذلك ؛ و هذا كل ما يتضمنه مصطلح " صياغة المفهوم concept – formation  " ، على النحو الذي يوظفه به العديد من السيكولوجيين . غير ان هذا لا يستلزم ، من ناحية ثانية ، انطلاقا من الحقيقة القائلة بوجوب اكتسابنا لمفهوم المنضدة  لكي يكون بإمكاننا القول اننا نعرف معنى   " منضدة " ، و بان هذا المفهوم له دور في إنتاج معظم  المنطوقات التي تحتوي على كلمة       " منضدة " و فهمها  . و بما ان مصطلح " مفهوم " يستعمل من لدن العديد من الكتاب الذي يكتبون في علم الدلالة ، انه ليس واضحا تماما ما الذي يعنونه به ؛ و قد يعد هذا بحد ذاته نقدا وافيا لاستعمالهم لهذا المصطلح . و مع ذلك ؛ فهو آخر ألأمر مصطلح له تاريخ طويل من المناظرات ؛ وان على أي امرئ يعرف معنى كلمة على انها المفهوم الذي يرتبط بهذه الكلمة ، يكون مدينا لقرائه بتوضيح يقدمه لهم يشرح به أي نوع من ألأشياء ينطوي عليه هذا المفهوم .
           ان خط النقد الثاني قد لا يكون موجها ضد " المفاهيمية " فحسب ، و انما ايضا ضد اية نظرية في علم الدلالة تعرف معنى الكلمة بلغة ما تعلمه ، بغض النظر عما اذا كان المعنى يقال عنه كونه تعليما للكلمة او معلما لها . و ما دمنا نقيد انتباهنا بمواضيع من قبيل المنضدة ، قد يكون من المعقول القول ان الكلمات يجري  استعمالها لكي يشار اليها على انها علامات . و نستطيع ان نعطي ، على ألأقل ، تفسيرا واضحا  ، الى حد ما  ، للعلاقة المعقودة بين الكلمة و الموضوع في مثل هذه الحالة . و بمجرد ان نقوم بتوسيع فكرة التعليم لكي تغطي جميع المفردات المعجمية ، سنقوم ، من ناحية ثانية ، بركوب مخاطرة تعريضها للتفاهة تماما . ذلك انه ، لكي نزعم ان كلمة تعني ما تعلمه- ما لم نمضي قدما حينذاك للتمييز بين مختلف الأنواع من التعليم ، فهذا معناه ان ليس ثمة في الكلمة من معنى اكثر مما تعنيه الكلمة . و قد يبدو  من المفضل  ، بناء على هذا ، تقييد فكرة  عملية التعليم  ، او الترميز ، بالصنف الثانوي من المفردات المعجمية او التعبيرات الموجودة في اللغة ، و التي ترمز الى ألأشياء بمعنى ما لـكلمة " يعلم " يمكن تفسيره بوضوح . و سنعود الى هذا المسألة لاحقا . و لا بد ، في الوقت ذاته ، من لفت انتباه القارئ اننا اقتصرنا  في مناقشة التعليم  خلال هذا الفصل على مناقشة التعليم الذي تحمله المفردات المعجمية ؛ ما يعني اننا لم نتطرق ، عن دراية ، الى ألاختلاف الواقع بين الأشكال و المفردات المعجمية و التعبيرات . و سنحاول ان نوضح لاحقا ، اننا بمجرد التطرق الى هذا الاختلاف ، يكون من الممكن تطبيق فكرة الوحدة اللغوية التي ترمز الى  شيء آخر بتناغم أعظم .


( 4 )
علم النحو و علم الدلالة و علم التداول
Syntactics , semantics and pragmatics
           صار ألأمر اعتياديا هذه الأيام ان نميز ثلاثة مجالات للبحث في علم العلامات و هي  : علم النحو  syntactics  ( او syntax ) و علم الدلالة ، و علم التداول . و يرجع هذا التقسيم الثلاثي  آخر ألأمر الى بيرس ، الا انه كان فد جرى استنباطه اولا من لدن موريس ( 1938 : 6 ) الذي جعل منه اكثر عمومية و اكثر انتشارا . ثم تناوله كارناب Carnap  ( 1942 : 6 )  فيما بعد ، وكان حاله حال موريس  ( و بلومفيلد ) ، مشاركا في الموسوعة العالمية للعلم الموحد  International Encyclopedia of Unified Science   ( نيوراث و شركاه  Neurath  et al   1939 ) ، التي كانت تعاني من قصور مادي يقلل من دورها ، ما دفع موريس ( 1946 ) نتيجة لذلك الى اعادة صياغتها  في اطار نظريته السلوكية عن العلامات . اذ أحس موريس آنذاك انه كان ملزما بالاشارة الى ان مصطلحات من قبيل " علم التداول " و " علم الدلالة " و    " علم العلامات " كانت " قد اكتسبت غموضا يهدد المشكلات ، الذي يتعرض لها حقل الدراسة بالتشوش لا بالتنوير ، لكونها تستعمل من لدن بعض الكتاب لوضع تقسيمات ثانوية لعلم العلامات هو بالذات ، و تستعمل من لدن آخرين لتسمية انواع من العلامات باللغات التي يبغي علم العلامات ان يعالجها بها " ( 1946 : 217 ) .
          ثمة خيط رفيع من الاختلاف في الطريقة التي يتجلى بها هذا الاختلاف حول المصطلح حتى بين أؤلئك المؤلفين الذين يستعملونه للإشارة الى وجود ثلاثة تقسيمات ثانوية لعلم العلاماتsemiotics   ( او semiotic   مثلما يسميه موريس و كارناب  ) . و لقد كان موريس قد عرف علم التداول بانه دراسة " علاقة العلامات بالمفسرين  " ، و علم الدلالة بأنه دراسة " العلاقات القائمة بين العلامات و المواضيع التي تنطبق عليها العلامات " ، و علم النحو بانه دراسة  " العلاقات الشكلية formal   للعلامات احدها بالأخرى  " ( 1938 : 6 ) . و نتيجة لذلك ؛ انه اقترح تحليلا اكثر وضوحا  كان مصمما لـ " الحفاظ على ملامح التصنيف الذي يسود ، بينما يحرر هذا التصنيف من تقييدات و التباسات معينة " ، و من اجل جعل المصطلحات الثلاثة " متاحة للتفسير ضمن علم علامات سلوكي الاتجاه " ( 1946 : 218 – 19   (  و بذا جرت التعريفات المنقحة على النحو التالي  : " ان علم التداول هو ذاك الجانب من علم العلامات الذي  يتعاطى البحث في اصل العلامات و استعمالاتها و تاثيراتها ضمن السلوك الذي تظهر به ؛ و علم الدلالة يتعاطى البحث في التعليم الذي تنجزه العلامات بكل الصيغ التي تمر بها عملية التعليم ، اما علم النحو فيتعاطى البحث في حالات الضم combinations التي تمر بها العلامات بغض النظر عن تعاليمها الخاصة او عن علاقتها بالسلوك االذي تظهر به  "   .
          و يعد التمييز ، الذي وضعه كارناب بين حقول علم العلامات الثلاثة ، قريبا من تلك الصيغة التي  وضعها  موريس ، سوى انه يتقيد بدراسة اللغات الطبيعية و الحسابات المنطقية : إذ انه " اذا ما وضعنا في بحثنا  اشارة واضحة الى المتكلم ، او الى مستعمل اللغة ، ان توخينا تعميما اشمل ، نكون بذا قد وضعنا ما يشير الى انه ينتمي الى حقل علم التداول ... و اذا ما تجردنا من مستعمل اللغة ، و عمدنا الى تحليل التعبيرات او ما يشير االيها  حسب  ، نكون عندئذ في رحاب علم النحو ( المنطقي ) " ( 1942 : 9 ) . و سيلاحظ القارئ ان استعمال مصطلح            " مستعمل user  "  بديلا لمصطلح " متكلم " الذي هو اشمل بكثير ، و مع ذلك فلم يتضح ما اذا كانت العمومية المتزايدة لهذا المصطلح متأتية من تضمين كتّاب اللغات المكتوبة مثلما هو من متكلمي اللغات المحكية ( لدرجة ان " المرسل  " و " المنتج " قد يبقيان عموميين على نحو واف ) ، ام انه كان المقصود به تغطية المستمعين و القراء أيضا بوصفهم مستعملين للغة . ان ما يبدو واضحا حقا هو انه  ، في علم التداول  ، تظهر وجهة نظر منتج العلامة اكثر ما تظهر به حقيقة وجهة نظر المستلم ( حتى في حالة انه يشير الى " الموقف كاملا – مشتملا المتكلم و السامع و الوسط " ( 1958 : 79 ) ) ، في حين يعرف موريس ،علم التداول ، في صيغة سابقة له ، بلغة ما تحدثه العلامات من تأثيرات على مفسيرها (  مع انه نتيجة لذلك يضمن دراسته اصل العلامات و استعمالاتها ، فضلا عن دراسته لتاثيراتها ، في علم التداول ) . و ثمة صياغات للاختلاف بين مجالات علم العلامات الثلاثة مما يعد اكثر انتشارا ، ولكنها تعد ايضا مما هو اقل دقة . و بالإمكان ان نذكر نموذجا منها تلك الصيغة المنشورة في مقدمة مجموعة من المقالات كتبها عدد كبير من المؤلفين ،التي جعلت من هذا الاختلاف مبدأ مهما في تنظيم خطة هذا الكتاب اذ تقول : " ... يدرس علم النحو كيفية ارتباط العلامات بعضها ببعض  . و يدرس علم الدلالة الكيفية التي ترتبط بها العلامات بالأشياء . و يدرس علم التداول الكيفية التي ترتبط بها العلامات بالناس " ( سمث Smith  1966 : 4-5 ) . و تعرف علم العلامات ، في مكان تال من الكتاب ، بلغة ما تحدثه الإشارات من التأثيرات ( او العلامات ) في الناس  .
          و يتوازي ، او يرتبط ، الفرق بين علم الدلالة ( او علم الدلالة النظري pure   ) و علم التداول ، عند كارناب ، بالفرق بين اللغات و الحسابات المنطقية ( التي يسميها كارناب بمنظومات اللغة المركبة  constructed language – systems  ) : و بذا " يعد كل من علم الدلالة و علم التداول شكلين مختلفين أساسا "   لـ  " لتحليل معاني التعبيرات " ، فاحدهما و هو علم التداول له علاقة بالبحث التجربي empirical  باللغات الطبيعية المنتجة تاريخيا " ، اما الثاني وهو علم الدلالة النظري فله علاقة بـ " دراسة منظومات اللغة المركبة " . اما علم الدلالة الوصفي ( و اعني بذلك البحث في معنى التعبيرات في " اللغات الطبيعية المعطاة تاريخيا "  ، يضيف قائلا " انها قد تعد جزء من علم التداول " (1956 : 233 )  . و يبدو ان السبب الذي جعل كارناب يدمج علم الدلالة في حقل علم التداول ، هو لاعتقاده ان الفروقات التي تنشأ من استعمال بعض التعبيرات ليست حتمية في السلوك اللغوي فحسب ، بل ايضا يجب ان يؤخذ لها حساب في الوصف . و على الرغم من الفرق الذي وضعه بين علم الدلالة النظري و علم الدلالة الوصفي  " بوصفهما شكلين مختلفين اساسا  للتحليل " ، فهو  اوضح ، من ناحية ثانية  ، في واحد من اعماله المتأخرة ، بانه فكر في علم الدلالة النظري على انه نموذج يخدم في دراسة علم الدلالة الوصفي ؛ و لقد تبنى بار -  هايليل Bar-Hillel  (1954 أ ) وجهة النظر هذه في دفاعه عن تطبيق عمل كارناب و علماء دلالة آخرين على تحليل اللغات الطبيعية .
          أشار موريس ، في مساهمة له في كتاب مكرس لفلسفة كارناب ( شيلب Schillp 1963 ) ، الى انه على الرغم من ان كارناب هدف الى " جعل علم التداول فرعا من فروع الدراسة التجربية ، و ليس لمعرفة ان كان ثمة امكانية يتساوق بها علم تداول نظري مع علم دلالة نظري و علم نحو نظري " ( ص 88 ) ، فليس ثمة داع لا يتيح فرصة ادخال مصطلحات نظرية و  وصفية في النقاش الدائر عن العلاقات التي تنعقد بين العلامات و مستخدميها . ان بامكان مصطلح " منطقي   logic  " ، مثلا ، ان يمتد ( مثلما اقترح بيرس  ) ليغطي كامل حقل دراسة علم العلامات النظري . و في رده سلم كارناب بهذه النقاط ( شلب 1963  : 861 ) ؛ و كان آنذاك قد نشر بحثه الموسوم " في بعض المفاهيم عن علم التداول On some concepts of pragmatics  " ( 1956 : 248-50 ) الذي تبنى فيه وجهة النظر ذاتها . و لقد اتفق موريس و كارناب و بار-هاليل جميعا ، من ناحية ثانية ، على انه مهما كان الخط الفاصل الذي قد يوضع بين  علم الدلالة النظري و علم التداول النظري ، من الضروري ان يشتمل تحليل المعنى في اللغات الطبيعية على اعتبارات تداولية  ، بخاصة حين يستند الفرق بين التعبيرات التحليلية و التركيبية على قرار من قبيل : اية معان تعد مقبولة عند مستعملي اللغة التي يجري وصفها .  ان  " الخاصية التداولية ألأساس " في اللغة ألاعتيادية يجري التشديد عليها بقوة خاصة من لدن بار – هايليل في واحد من بحوثه المنشورة حديثا ( 1970 : 206 – 21 ) .
           و من مراجعة الملخص الذي اعطيناه للتو عن تطور الفرق بين علم الدلالة و علم النحو و علم التداول الموضوع من لدن موريس و كارناب و بار – هايليل ، سيكون واضحا ان امكانية تطبيقه على وصف اللغات ، أو لنقل  ، مشكوك فيها على ألأقل ؛ مقارنة بعملية وصف تركيب الحسابات المنطقية ، و انه حتى وقت قريب كان عدد قليل من علماء  اللغة قد وضعوا حدا فاصلا بين هذه المصطلحات . فاذا كان علماء اللغة قد ضموا ضمن حقل علم العلامات ، مثلما اقترح موريس ( 1946 ) و آخرون ، انه لمن الواضح ان كامل الحقل و تفريعاته على حد سواء قد يحتاجان الى تحديد و  يجري توصيفهما بعناية و دقة اعظم  مما كان يجري تداوله تحت هذه المصطلحات حتى الآن . و يعد  الفرق بين علم التداول و علم الدلالة في علاقته بتحليل المعنى في اللغات الطبيعية ، مثلما توضح في الملخص المعطى آنفا ، فرقا مثيرا للجدل جرى تشخيصه تشخيصا عاما . و سنأتي الى هذه المواضيع لاحقا ، بخاصة عند نقاشنا للسياق  context  .
           دعونا ، في هذه المرحلة ، نعير انتباهنا عوضا عن ذلك للفرق بين علم النحو و علم الدلالة على النحو الذي وضع به هذا الفرق في ما اقتطفناه من موريس و كارناب . ان المسألة ألأولى التي علينا ملاحظتها هي غموض التعريف الموضوع عن علم النحو . فتعريف كارناب لا يقيد علم النحو على نحو واضح بالعلاقات التوافقية بين الكلمات ( على الرغم من انه واضح من صياغته التالية لمنظومة لعلم الدلالة النظري بان هذا هو ما يدور في باله )  ؛ و ان واحدا من التعريفات اهتم بأمر ماهية شروط الصياغة النحوية الجيدة . و لقد ميز علماء اللغة و الفلاسفة ، تقليديا ، بين مبدأين للصياغة الجيدة لتركيب الجمل و العبارات ؛ احدهما بلغة ما يظن انه صائب قواعديا   grammatical  ( مقابل اللاقواعدي ungrammatical ) . فاذا كان علم الدلالة هو حقل دراسة المعنى , ثمة إذن مظهر توافقي مفترض وجوده مسبقا في علم الدلالة ؛ و يصح هذا على علم النحو ، غير ان هذا ليس مسموحا به في تعريف علم النحو الذي اعطانا اياه كارناب و موريس .  و خطوة ابعد في نقد تعريف علم النحو هو انه لا يميز بين الأشكال و المفردات المعجمية و التعبيرات ، لدرجة انه غير واثق من الكيفية او الموضع الذي يجب الفصل فيه بين  وصف اللغة ، او الصرف morphology  او الآشتقاق من جانب و النحو من جانب آخر .
           و الى أي حد يبلغه تعريف علم الدلالة ، فانه يستند بقوة على فكرة التعليم ، التي كنا قد عرضناها للنقد في القسم السابق . فلن ينفع تعريف المعنى على انه العلاقة بين الكلمات و ألأشياء ، مثلما رأينا ، و لا بد من تسويغ  التسليم بوجود كينونات نظرية ، من قبيل مسلمات كارناب و نزعات موريس التي علينا الاستجابة لها ، لا باستعراض صحتها الوجودية او المادية ، بل باستعراض فائدتها في تحقيق الغرض من وصف الكيفية التي تستعمل بها اللغة في الحياة اليومية . و لوضع تشكيلة من الصيغ لمجرى عملية التعليم   ( مثلما يفعل موريس ) ، هو في أفضل الأحوال طريقة ليست مرضية لإدراك الحقيقة القائلة ان اغلب التعبيرات  في اللغة  ليست على الإطلاق موجودة لمجرد استعمالها بوصفها علامات ( ما عدا ، ربما ، عند استعمالها انعكاسيا ). و لا يمثل التعليم الا واحدة فقط من الوظائف التي يؤديها علم العلامات .
          نأتي اخيرا الى مصطلح " علم العلامات نفسه . ان من اكثر الطرق فائدة في تعريف هذا المصطلح هي تعريفه لا بوساطة نظرية العلامات ، بل بوساطة المنظومات الاشارية  signaling – systems   ؛ و اعني بذلك منظومات بث المعلومات عبر قناة ما . و من بين المنظومات الاشارية ( و اعني المنظومات العلاماتية ) ، نستطيع ان نميز تلك التي تعد حقيقية natural من تلك التي تعد اصطناعية artificial  ؛ و عندما نقول حقيقية ، لا نقولها بمعنى ان الاشارات هي ايقونية و ليست رمزية ( بالمعنى الذي قصده بيرس  )؛ و لا ايضا بمعنى انها غريزية ، جزئيا او كليا ( و ليست مكتسبة بالتعلم ) ؛ و انما نعني بحقيقة انها " معطاة تاريخيا "  ( مثلما قد يقول كارناب )و لم تكن قد ركبت عن قصد . و يظل السؤال مفتوحا حول ما اذا كان ممكنا او مفيدا ان ندمج علم اللغة ضمن نظرية لعلم العلامات مقبولة من الجميع ، و بالامكان تطبيقها على جميع المنظومات الاشارية ، سواء اكانت بشرية او لا بشرية . و ما حاولت ان افعله في هذه الصفحات و ما قبلها هو تاشير اوجه الشبه و الاختلاف بين المنظومات اللغوية و المنظومات اللالغوية عندما تنشأ هذه و تؤخذ من وجهة نظر علاماتية . و من هنا و صاعدا سنبدي اهتماما حصريا باللغة ، قل اوكثر ،  و سنبني على المفاهيم العلاماتية التي قدمناها آنفا على القدر الذي تكون به مفيدة لهذا الغرض دون التزام منا باحتمال دمج علم الدلالة اللغوية في اطار نظرية عامة حول علم العلامات . و لقد ذكرنا سابقا بانه ، حتى الى  وقت قريب ،  صار التقسيم الثلاثي بين علم نحو وعلم دلالة و علم تداول ، الذي تتبعنا تطوره في اعمال موريس و كارناب و بار – هياليل ، واحدا من التقسيمات التي لم يستفد منها سوى عدد قليل جدا من علماء اللغة . و لابد لنا ، ربما  ، ان نضيف هنا في هذه النقطة ، انه على الرغم من العدد المتزايد من علماء اللغة الذين ابتدئوا الآن باستعمال مصطلح " علم التداول " مقابل مصطلح " علم الدلالة ، فان اغلبهم يفعلون ذلك دون ان يربطوا أنفسهم بوجهة النظر القائلة ان علم اللغة هو ، او يجب ان يكون ، فرعا من فروع علم العلامات. و يصح هذا ايضا على غالبية علماء المنطق و الفلاسفة الذين يضعون حدا فاصلا بين علم الدلالة و علم التداول . و ان المرء بامكانه ان يجادل ، بالتأكيد ، انه حتى الآن تعد اصول التقسيم الثلاثي في تصورات بيرس عن علم اجمالي للعلامات ذات صلة ، بهذا القدر او ذاك ، بالطريقة التي يرسم بها هذا التقسيم حاليا من لدن علماء اللغة او الفلاسفة . و حتى انه ذو صلة اضعف ( و لم نقل عن هذا ألأمر شيئا لحد الآن  ) ، في عمل بيرس  ، بين علم التداول بوصفه قسما فرعيا من علم العلامات  و الحركة الفلسفية المعروفة بـ " المذهب العملي pragmatics  " ، التي على الرغم من انها مستقلة تاريخيا عن الوضعية  positivism   و السلوكية  behaviorism  ، الا انها تشترك معهما بالكثير .  و انها لحقيقة تثير الفضول ان نجد ان العديد من علماء المنطق و الفلاسفة الذين يلجئون  حاليا الى التقسيم الثلاثي لعلم النحو و علم الدلالة و علم التداول ، يفعلون ذلك بدعم من عقائد ميتافيزيقية تقليدية بالكامل من طراز اؤلئك الوضعيين أمثال كارناب ، و بتعميم اشمل  ، جميع اؤلئك الذين ساهموا في " موسوعة العلم الموحد  Encyclopedia of Unified Science " ممن كانوا معنيين بهذا الفصل بين حقول المعرفة هذه . الا ان ارتباط هذا التقسيم بحركة توحيد العلم لم تكن ربما اكثر من مصادفة تاريخية قصيرة الأجل ؛ و ثمة القليل حقا مما شارك به موريس و كارناب و بلومفيلد ، في هذا المجال ، بمعزل عن مجموعة من المواقف العامة التي اتخذوها تجاه العلم .
                       



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق