An essay on
strategic policies …
... How to Win in Iraq
By Andrew F.
Krepinevich Jr.
Translated by Ahmed Khalis Shalan
(published in Al-Sabah Sep. 2009)
مقالة مترجمة في السياسات الستراتيجية ...
الـسبيل إلـى الـنجاح فـي الـعراق
آندرو ف. كريـبـنفتش الإبن
(كاتب هذا المقال هو المدير التنفيذي للمركز
المختص بدراسة تقديرات الميزانية الستراتيجية و أستاذ زائر مرموق يحاضر في السياسة
العامة في جامعة جورج مايسن. وهومؤلف كتاب ”الجيش وفيتنام“)
محاولة متعثرة
على الرغم من التصريحات المتكررة التي تطلقها
إدارة بوش عن إلتزامها بتحقيق النجاح في العراق، إن النتائج التي تفرزها السياسة الحالية
ليست مشجعة. و ذلك، فبعد مرور سنتين، إن التقدم في دحر التمرد أو توفير الأرض للعراقيين
ما يزال ضئيلاً. حتى إن نشر المزيد من قطعات الجيش الإميركي قد سبب تآكلاً في الدعم
الذي يقدمه الجمهور الأميركي لهذه الحرب، و ناهيك عن أن الإنسحاب في هذه المرحلة قد يكون خطأً
جسيماً، لأن المؤشرات توحي بأنه من الضروري (الإبقاء على المسيرة الحالية)، لأن إنسحاباً
من هذا النوع لن يحسن الأوضاع بأي حال . . فتحقيق النجاح في العراق يتطلب وجود مقترب
جديد لفهم الأوضاع في هذا البلد.
إن المشكلة الأساس هي أنه لا الولايات المتحدة
ولا شركاؤها في التحالف كانوا قد وضعوا حتى الآن خطة لدحر التمرد، لكي يكون بمقدورهم
تحقيق الأهداف البعيدة المدى. فعلى الجبهة السياسية أنهم يضعون نصب أعينهم خلق عراق
ديمقراطي، و يعد هذا هدفاً و ليس خطة بعيدة المدى. أما على الجبهة العسكرية، فإنهم
جادون في سعيهم لتدريب قوات الأمن العراقية لكي يجري تسليم هذه القوات مهام الحرب.
و مثلما أوضح ذلك الرئيس جورج دبليو بوش قائلاً: "إن بالإمكان تلخيص خطتنا كما
يلي . . حالما يكون بمقدور العراقيين الوقوف على أرجلهم في المواجهة، سيكون علينا الانسحاب".
غير أن الرئيس هنا يصف خطة للإنسحاب و ليس خطة بعيدة المدى.
بدون خطة بعيدة المدى واضحة من أجل العراق
لن تتوفر لدينا طريقة لقياس التقدم الحاصل، إذ ما زال القادة السياسيون والعسكريون
الكبار يتحفوننا بالتصريحات المتكررة المفرطة في تفاؤلها، بل وحتى المتضاربة . . ففي
سبيل المثال، و في أعقاب معالجة التمرد في الفلوجة الذي حصل، صرح الجنرال ريتشارد مايرز
رئيس هيئة الأركان قائلاً في مايس 2004 . . "أظن بأننا هنا على حافة النجاح"،
في حين بعد ستة أشهر، أي قبل هجوم كانون أول الماضي لإعادة السيطرة على المدينة صرح
الجنرال جون أبي زيد القائد العام للقوات الأميركية في العراق و أفغانستان قائلاً
. . "حين نكسب هذه المعركة، وسنفعل، لن يكون للمتمردين مكان يختبئون فيه".
و في أعقاب الإستيلاء على المدينة أعلن الجنرال جون ساتلر قائد المارينز في العراق
أن قوات التحالف . . "قد قصمت ظهر التمرد". و مع ذلك، فإننا نسمع ديك تشيني
نائب الرئيس بعد سبعة أشهر تلت يقول زاعماً أن التمرد كان يلفظ أنفاسه الأخيرة. و حتى
أن الجنرال جون فاينز قائد القوات المتعددة الجنسية في العراق أضطر الى التسليم قائلاً
. . "نحن لا نرى أي إنتشار للتمرد" . . إن أغلب الأميركيين صاروا الآن يتقبلون
هذه التقديرات الأقل تفاؤلاً التي تقول، وطبقاً لآخر الإستطلاعات، بأن حوالي ثلثي المواطنين
يعتقدون بأن التحالف إنفرط عقده ba-gged down".
إن نقاد الادارة الإميركية شرعوا في هذه
الأثناء بتقديم "خطتهم بعيدة المدى" التي تنطوي على جدول متسارع للإنسحاب
في واقع أنهم يرون في العراق فيتناماً أخرى. و ذلك، بتقديمهم حلولاً مشابهة فحواها لسحب القوات
الاميركية آملين بما هو أفضل. إن تكاليف تخلٍ سابق للأوان كهذا ستكون دون شك كارثة،
لأن التمرد قد يتطور الى حرب أهلية دامية. و ذلك بمشاركة ذات دلالة من سوريا و إيران
كليهما، أما الأسلاميون الراديكاليون، فسيرون في إنسحاب الولايات المتحدة نصراً مؤزراً
لهم، و لربما أدت هذه الفوضى المنفلتة الى قفزات في أسعار النفط.
إن ما تحتاجه الولايات المتحدة بدل خطة
الإنسحاب هو خطة بعيدة المدى حقيقة قوامها جهد حربي مناهظ للتمرد . . فحتى الآن إن
القوات الاميركية تقوم بتركيز جهودها و على نحو واسع على إصطياد المتمردين و قتلهم.
و تقوم هذه العمليات على فكرة قوامها تحجيم قوة العدو. و ذلك بقتل مقاتليه بسرعة تفوق قدرته على تعويضهم
بمقاتلين جدد. و على الرغم من أنه قد يكون مبكراً جداً إطلاق مزاعم أكيدة فيما إذا
كانت هذه الطريقة ستجلب آخر الأمر النجاح الذي تنتظره، إلا أن المجريات الحالية ليست
مشجعة. ذلك، لأنه حتى حين ينجح الهجوم في إنزال إصابات بليغة بين المتمردين، لا نرى
سوى القليل من التحسن، غير المنظور غالباً، في الوضع الأمني فما بالك إذا ما إنسحبت
قوات الولايات المتحدة من المنطقة.
إن على القوات الأميركية و العراقية أن
تثني في العراق ما يسمى بـ"خطة بقعة الزيت oil- spot strategy"، التي تقوم أساساً على مقترب مضاد. فبدلاً
من التركيز على قتل المتمردين، عليهم التركيز على توفير الأمن و فرص العمل للشعب العراقي.
و بذلك يسحبون من تحت أقدام المتمردين بساط الدعم الشعبي الذي يحتاجونه. و بما ان جيشي
الولايات المتحدة و العراق غير قادرين على ضمان أمن المواطنين العراقيين جميعاً في
الوقت نفسه، فعليها إذن الشروع في التركيز على مناطق رئيسة معينة. و بذلك و بمرور الوقت
يكون بإمكانها توسيع جهدها كي تكون فكرة نشر . . بقعة الزيت . . واضحة. إن خطة بعيدة
المدى كهذه قد يكون لها حظ من النجاح. إلا أن مثل هذه الخطة تتطلب إلتزاماً طويل المدى
من ناحية الموارد، مع موافقة على المخاطر بتقليل وقوع المزيد من الإصابات في المدى
القصير، و إبقاء الوجود الأميركي في العراق، و إن سيكون على مستويات أدنى من مستويات
القوات الموجودة حالياً. و في حالة ألا يكون مخططو السياسة الاميركية و لا الرأي العام
الأميركي راغبين بتقديم إلتزام من هذا النوع، فإن عليهم الإعداد لتقليص أهدافهم في
العراق و بوضوح.
المواجهة مع التمرد
إن التمرد الذي إبتلى به العراق له مصادر
ثلاثة . .
-
أحدها . . إفتقار الولايات المتحدة المتعذر
تفسيره للتخطيط الذي يسبق الحرب. و إن الفراغ الأمني الذي أعقب إنهيار نظام صدام أعطى
العناصر المعادية الفرصة للم صفوفها. أما خطة غعادة البناء السيئة التخطيط و البطيئة
التنفيذ، فقد زودت المتمردين بمصدر لتجنيد الأتباع من العراقيين العاطلين عن العمل.
-
ثاني هذه المصادر . . هو القاعدة السائدة
في العراق من تقاليد الحكم التي تعتمد أساساً على اناس يحسنون الإمساك بالسلطة من خلال
العنف. ناهيك عن أن الإشارات المشوشة التي كانت تصدرها واشنطن هي الأخرى قد خلقت إنطباعاً
بأن القوات الأميركية قد تغادر قريباً وهو ما مهد الطريق نحو صراع للقوى داخل العراق
(وهذا هو ما جعل العرب الشيعة و الكورد يرفضون حل مليشياتهم مع أنهم ساندوا عموماً
الحكومة الجديدة).
-
المصدر الثالث . . هو أن المجاهدين كانوا
قد جعلوا من العراق مسرحهم الرئيس في حربهم ضد الولايات المتحدة، و ما يغريهم في ذلك
هو غياب الأمن في العراق، و ناهيك عن وجود نحو 140.000 هدف أميركي في العراق.
تهيمن على التمرد جماعتان هما البعثيون
من العرب السنة والجهاديون الأجانب . . إنه على الرغم من صعوبة قياس قوتي هاتين المجموعتين
بدقة، فإن الجماعة الأولى مثلما هو واضح هي الأكثر، إذ تعد بحدود 20.000، في حين أن
عدد الجهاديين لا يتجاوز تقديره عدة مئات. و يأمل البعثيون- و هم اعضاء سابقون في نخبة
صدام الحاكمة- بالاستيلاء على الحكم من جديد. أما الجهاديون فيريدون إلحاق هزيمة بالولايات
المتحدة، من طريق توجيه ضربات الى مصادر تأثيرها في المنطقة، و من ثم يطمحون الى تأسيس نظام إسلامي
راديكالي في العراق.
إن معسكري التمرد كليهما يعلمان علم اليقين
بأنهما غير قادرين على إلحاق هزيمة بالولايات المتحدة التي تقود التحالف عسكريا. ففرصتهما
الوحيدة بالنجاح هي إنتظار إنسحاب أميركي سابق للأوان. و ذلك بالقيام بإنقلاب تنفذه
مجموعة صغيرة عالية الإنضباط بدعم من قوى أجنبية لتتسلم السلطة من نظام ضعيف المعنويات.
و لبلوغ هذا الهدف، يقاتل المتمردون من أجل دوامة الفوضى و الحيلولة دون قيام حكومة
عراقية شرعية ديمقراطية. و أنهم يأملون من خلال خلق جو من الرعب و الخوف و اليأس بتقويض
الدعم الذي تتلقاه الحكومة. و من خلال قيامهم بهجمات وقحة على قادة الشعب العراقي و
شرطته يحاولون إيصال رسالة مثبطة لهذا الشعب فحواها إذا كانت الحكومة عاجزة عن حماية
نفسها، فكيف لها أن تحمي الشعب؟ . . و لقد أكد التخريب الذي طال البنية التحتية الوطنية
فشل الحكومة في تأمين الخدمات الأساسية مثل الماء و الكهرباء، ناهيك عن عجزها في الحفاظ
على إنتاج النفط الذي يعتمد عليه خير العراق. و بإيقاعهم الإصابات بالقوات الأميركية،
يسعى المتمردون في الوقت نفسه الى رفع كلف الإنشغال الأميركي في العراق، ما يؤدي الى
إضعاف الدعم الذي تتلقاه الحرب في الوطن، مما يؤدي بالنتيجة الى الإسراع في إنسحاب
الولايات المتحدة.
لقد أثبت المتمردون حقيقة كونهم يتحلون
بسرعة التكيف و تأمين الموارد، و لكنهم أظهروا أيضا بأنهم لا يخلون من نقاط ضعف خطيرة.
فهم مقارنة بخصوم أميركا في فيتنام، لا يشكلون سوى مجموعات صغيرة نسبيا و معزولة. فعدد
المتمردين العراقيين لا يعدون سوى عشرات ضئيلة من الآلاف، في حين كانت أعداد الشيوعيين
الفيتناميين تشكل عشرة أمثال هذا العدد تقريبا. و المتمردون العراقيون نادرا ما يقاتلون
بمجموعات كبيرة يصل عددها الى مائة، في حين كان على قوات الولايات المتحدة غالبا أن
تواجه تشكيلات للعدو عالية التنسيق تفوق حجمها بكثير حجم المتمردين العراقيين. و لقد
كان الشيوعيون الفيتناميون جنودا متمرسين في حرب مستمرة دامت حوالي عقدين من السنين
ضد اليابانيين و الفرنسيين و الفيتناميين الجنوبيين. و بذلك كانوا أفضل تدريبا و قيادة
من المتمردين العراقيين، فضلا عن أنهم تمتعوا بدعم خارجي من الصين و الإتحاد السوفيتي
بحيث أن الدعم الذي يتلقاه متمردو العراق من إيران و سوريا و الإسلاميين الراديكاليين
أينما وجدوا لا يشكل شيئا ذا قيمة عند المقارنة.
إن المتمردين العراقيين يعانون من عزلة
نسبية من قبل الشعب العراقي. و إذا كان العرب السنة من المسلمين يشكلون الغالبية العظمى
من قوات التمرد، فإنهم لا يشكلون سوى نسبة 20% من مجموع سكان العراق، أما الجهاديون
فهم في معظمهم* من الأجانب. و لا تتمتع حركة التمرد بأية فرصة لإثارة إنتفاضة واسعة
القاعدة بحيث تشمل الشيعة و الكورد. و على الرغم من الشدائد التي يتحملها الشعب العراقي،
فليس ثمة بالتأكيد ما يشير الى إحتمال نشوب ثورة شعبية ضد القوى التي تقودها الولايات
المتحدة أو ضد الحكومة العراقية الإنتقالية. و هذا ليس مفاجئا، ذلك لإن المتمردين لا
يحملون رسالة إيجابية يستثيرون بها الدعم الشعبي. و ذلك أيضا لأن عودة البعث الى السلطة
قد يعني العودة الى الشقاء الذي سببه نظام صدام، أما الجهاديون فلإنهم قد يفعلون في
العراق ما فعله الإسلاميون الأصوليون في أفغانستان
و إيران وذلك بتسويقهم لنظام قائم على الإرهاب و القمع.
و بناء على هذا، فإن نجاح المتمردين يعتمد
على وضع اللانظام المستمر الذي يعيق خلق عراق مستقر و ديمقراطي و يؤدي في الوقت نفسه
الى تآكل رغبة التحالف في المقاومة و السيادة. و يعتقد المتمردون ان التحالف تعوزه
قوة البقاء و يوردون دليلا على ذلك الإنسحابات السابقة للولايات المتحدة من لبنان عام
1983 عقب تفجير ثكنات المارينز في بيروت و من الصومال بعد عقد من ذلك التاريخ قبل مقتل
18 موظفا اميركيا. إن المتمردين البعثيين يأملون في أنهم لو نجحوا في الصمود مدة أطول
بوجه الإميركيين فأن الدعم الذي يتلقونه من سوريا و أقطار عربية أخرى سيمكنهم من تطويق
النظام الجديد. و هذا سيكون دون ريب السبب في غشعال فتيل حرب أهلية مع العرب العراقيين
الشيعة تدعمهم إيران. و ستتوفر آنئذ للإسلاميين الأصوليين الفرصة، لربما للإمساك بمقاليد
السلطة تحت ظروف مثل هذه تتسم بالفوضى.
مــراكـــز الــجــذب
تشكل العاصمة و قوى العدو العسكرية غالبا
في عقيدة الحرب التقليدية مراكز جذب لهذه الحرب. و هذا يعني أن خسارة أحدهما قد تسبب
هزيمة أكيدة. و في حرب العراق مثلا، كان تركيز التحالف منصبا على تحطيم حرس صدام الجمهوري
و إحتلال بغداد. أما مراكز الجذب في الجهد الحربي للتمرد المضاد، فتختلف كليا، و هي
تركيز الجهود على إلحاق الهزيمة بقوى العدو العسكري و بصيغ تقليدية للصراع. و هذا خطأ
فادح.
إن الصراع الجاري الآن يحصل في ثلاثة مراكز
جذب هي . . الشعب العراقي . . و الشعب الاميركي . . و الجندي الاميركي. و لقد أدرك
المتمردون هذه الحقيقة بأن جعلوا من مراكز الجذب هذه اهدافا اولية لجهودهم القتالية.
فبالنسبة للولايات المتحدة، إن المفتاح لتوفير
الأمن للكل يكمن في كسب (الأفئدة والعقول) . . أما بالنسبة للشعب العراقي فعليه الإيمان
بأن حكومته توفر له حياة افضل من تلك التي يعد بها المتمردون، وعليهم التفكير بان هذه
الحكومة ستسود سلطتها آخر الأمر. و إذا ما ثارت في نفوس العراقيين شكوك بشأن أي من
هاتين النقطتين فإنهم سيكفون عن تقديم الدعم لهذه الحكومة . . اما الشعب الاميركي،
فعليه التصديق بان هذه الحرب جديرة بتضحية النفس و المال. و عليه التفكير بان تقدما
يجري دفعه دائما الى الإمام . . و إذا ما نجح المتمردون في إحداث تآكل في رغبة الأميركيين
شعبا، فإن واشنطن ستضطر الى التخلي عن النظام القاصر الموجود في بغداد قبل أن يكون
قادرا على الوقوف على قدميه. و بالتالي، فغن على الجندي الأميركي الإيمان بأن هذه الحرب
تستحق تضحياته، و عليه الإيمان بأن تقدما يجري تجاه النصر. و على خلاف ما حصل في فيتنام
. . إن الولايات المتحدة تشن حربها بجيش كله من المتطوعين، ما يعطي الجندي الأميركي
(صوتاvote ) في إدارة الصراع. و بوجود ما يربو على 000 ,
150 من القوات في العراق و أفغانستان، فإن على الجنود أن يتناوبوا عائدين الى مناطق
الحرب تلك، و بمعدلات عالية. و إذا ما هانت الثقة في الحرب فإن المتمرسين في تلك الحرب
سيصوتون ضاربين الأرض بأقدامهم رفضا لتجديد عقودهم مع الجيش. و هذا يعني أن المجندين
المأمولين الجدد سيعزفون عن توقيع عقودهم الأولية. و إذا ما حصل هذا، لن يكون بمقدور
الولايات المتحدة الحفاظ على أي شيء يديم جهدها الحالي في العراق. و قد يؤدي التقليص
المتعجل لوجود القوات الاميركية الى تقويض عزيمة
الشعبين الاميركي و العراقي. و ما تزال، في الوقت الراهن معدلات طلبات إعادة
التجنيد قوية في الجيش الأميركي و المجاميع البحرية . . و مع ذلك، فإن عمليات التجنيد
تنخفض فعليا.
و بقدر ما يتعلق الأمر بهذه المعركة .
. إن للمتمردين مصلحة واضحة، فهم بحاجة الى كسب أحدى مراكز الجذب تلك لكي ينجحوا .
. في حين أنه يتوجب على الولايات المتحدة تأمين مراكز الجذب هذه جميعا. و مما يعقد
الأمور أكثر على قوات التحالف و هم يسيرون المعركة ضد الإرهاب، هو إحتمال أن تقوض الجهود
المبذولة بضمان أحد مراكز الجذب المأمول من ضمان المراكز الأخرى. ففي سبيل المثال،
إن زيادة نشر القوات الأميريكة في العراق ـ و هذا يتطلب إنفاق المزيد من الموارد و
تناوب المزيد من القوات، و بتكرار أكبرـ قد يزيد من أمن الشعب العراقي لكنه يحدث تآكلا
في دعم الحرب عند الشعب و الجيش الاميركيين. و تمثل هذه المخاطرة جوهر عمليات الولايات
المتحدة الجارية ضد المتمردين. ذلك، لأنهم يغالون في التركيز على تحطيم قوات التمرد
و على تقليل إصابات الولايات المتحدة، و يضعون تركيزا أقل على ترسيخ الأمن للشعب العراقي.
و هذا بعبارة أخرى يعني . . تخصيص جهد مفرط لمناورات التمشيط من دون تثبيت للحضور الأمني،
و فعل القليل جدا من اجل التنسيق الفعال للوجود الأمني و لجهود إعادة الإعمار، ثم و
بالتالي المبالغة في إعطاء الأسبقية في تجنيد اعداد كبيرة لقوات الأمن العراقية، و
منح القليل جدا لاسبقية تأمين فعالية هذه القوات.
إن المفتاح لتأمين مراكز الجذب في الحرب
الجارية الآن هو غدراك حقيقة أن قوات الولايات المتحدة تتمتع بمزايا جمة بمنطق صراع
القوة و القدرة على الحركة، إلا أنها لا تتمتع بأية ميزة أساسية بمنطق الإستخبارات.
فإذا كانوا يعلمون من هم المتمردون و أين يتواجدون، فهم إذن قادرون على قمع المتمردين
بالسرعة المطلوبة . .إن الشعب هو أفضل مصدر للاستخبارات، إلا أن قوات الولايات المتحدة
و حلفاءها لا يستطيعون تلبية مثل هذه الحاجة إلا في كسب قلوب و عقول السكان المحليين.
و ذلك بإقناعهم بأن دحر المتمردين يصب في مصلحتهم، و بأنهم قادرون على المساهمة في
عملية الإستخبار من دون خوف من أن يطالهم إنتقام المتمردين.
دروس الــتــاريــخ
إن عمليات التمرد قديمة قدم الحروب نفسها
. . لذا، فليس ثمة نقص في خطط مقاومة التمرد
القديمة بحيث أنها تشكل معينا لا ينضب. كان الرومان يقمعون المتمردين بضراوة و قسوة
حتى أنه كأن يقال بأنهم قد (يفلحون الأرض فيسمونها أرضا مسالمة). و كان البريطانيون
يتبنون غالبا سياسة . . فرق تسد . . بان يقوموا بدعم أحد الزمر العديدة الطامحة للسلطة،
فتقوم تلك الزمرة المفضلة بالمقابل بإحترام مصالح الإنكليز في تلك البقعة من العالم.
إلا أنه و لا أية طريقة من تلك الطرق عادت مفضلة في هذا الزمن. فالطريقة الرومانية
تتقاطع مع القيم الأميركية. أما الطريقة البريطانية، فإنها تشبه علاقة الزبون بضامنه،
و إطارها العام نظام لاديمقراطي، و هو بالكاد ليس ما تأهلت أن تفعله إدارة بوش في العراق.
لقد كان قوام خطة الولايات المتحدة في فيتنام
هو قتل المتمردين على حساب كسب القلوب و العقول الى صفها. و قد فشلت تماما هذه الخطة
المبنية على أساس (فتش و دمر search and Destroy). و مع ذلك، فإنها ما تزال تشكل و بوضوح
دافعا للجيش الأميركي. و مثال ذلك ما انطوت عليه تصريحات من نوع أطلقها القائد الأعلى
للجيش الاميركي في العراق إذ قال . . "أنا لا أعتقد بأننا سنبذل جهدا لتطبيق المثل
السائر القديم القائل . .عليك كسب القلوب و العقول . . لأني لا أنظر إليه بوصفه أحد
مقاييس النجاح" . . إن عدم الإهتمام، الذي إستغرق ثلاثين عاما، بواجبات شن حروب
مضادة للتمرد، أدى بالولايات المتحدة الى مجازفة الإخفاق في معرفة ما ينبغي أن تفعله،
و هو . . كسب أفئدة العراقيين و عقولهم . . و فضلت ما كان يجري تقليديا . . فتش عن العدو و إدحره . . و بذلك، إندفعت قوات
الولايات المتحدة مؤخرا لتقوم بالمزيد من العمليات الهجومية التي من هذا النوع في غرب
العراق، و التي لربما أصابت العديد من المقاتلين في صفوف المتمردين إلا أن تأثيرها
على الأمن عموما لا يكاد يذكر.
و بخلاف هذا . . تركز . . طريقة بقعة الزيت
. . على تثبيت الأمن للسكان على نحو خاص من أجل الفوز بالأفئدة و القلوب. و لقد إستعمل
البريطانيون هذه الخطة بنجاح أبان خمسينيات القرن العشرين في الملايو. و فعل الفيلبينيون
الشيء نفسه لمعالجة تمرد الهاكHuK . وعند إنعام النظر في مراكز الجذب و الحدود التي
بإمكان قوات الولايات المتحدة في العراق أن تتحرك بها، فان طريقة . . بقعة الزيت .
. قد تنجح، و هي خطة تتمحور فيها العمليات حول تثبيت أمن السكان، و من ثم توسيع البقعة
فيما بعد، وعلى نحو لا رحمة فيه للعدو من أجل توسيع السيطرة على مناطق كان قد تحقق
رضا سكانها.
إن بإمكان قوات التحالف بالتعاون مع الميليشات
المحلية مثل البيشمه ركه الكوردية، مثلما هو حاصل الآن في 14 محافظة من مجموع 18، بتوفير
الأمن بمستويات عالية، و تشمل هذه المناطق ما يمكن أن تسمى بحق . . المنطقة الخضراء
Green Zone . . يستعمل هذا المصطلح عادة للإشارة الى المنطقة
الأكثر تحصينا في بغداد حيث تتموضع مقرات القيادة الاميركية. إن سكان هذه المحافظات
ينعمون بحياة آمنة نسبيا. أما باقي مناطق البلد، و المقصود هنا ما يسمى بـ . . المنطقة
الحمراءRed Zone . . فيتألف عموما من محافظات غير آمنة، و هي
الأنبار و بغداد و نينوى و صلاح الدين، التي تتميز كل منها أما بوجود كبير للسنة العرب
او مهيمن عليها من قبلهم. إن على . . طريقة بقعة الزيت . . أن تبدأ بتحقيق الأمن في
. . المنطقة الخضراء . . بنفسها. و إن على حكومتي الولايات المتحدة و العراق التركيز
أيضا على جهود إعادة الإعمار هنا، من أجل مكافأة الولاء الذي تحظى به الحكومة، و من
أجل تقليص الأموال المخصصة لـ . . العلاوات المدفوعة لأفراد الأمن . . و تحويلها نحو
مشاريع الإنماء.
إن على قوات الولايات المتحدة و التحالف
أن تبدأ بالقيام بالمزيد لمساعدة شركائهم العراقية في تطوير قدراتهم للقيام بعمليات
مقاومة التمرد. و ذلك، بتدريبهم و نشر جنود الولايات المتحدة المارينز بين صفوف وحداتهم،
بل و حتى تجهيز قوات الولايات المتحدة للتدخل
السريع، لكي يكون بمقدورها تقديم الدعم لهم عند الحاجة. إن نشر الجنود الاميركيين بين
صفوف الوحدات العراقية لا بد أن يكون اوسع مما هو حاصل في الخطة الآن، فضلا عن أن أفضل
الجنود إستعدادا هم من ينبغي إنتدابهم لهذه المبادرة. و لا بد أن ينطوي هذا على مخاطرة،
ما دام جنود الولايات المتحدة المبثوثون سيواجهون أكثر من غيرهم إحتمال تعرضهم للإصابة.
و مع ذلك، فإن المردود لا بد أن يكون هو أيضا عاليا.
و تجري بعناية عمليات توثيق التحديات التي
ترافق تدريب قوات الامن العراقية. و مع ذلك، فإن بمقدور الولايات المتحدة أن تحسن على
نحو مؤثر الأداء في جهودها الحالية. إن نشر عدد أكبر من الجنود ذوي الكفاءة بين صفوف
الوحدات العراقية قد يكون شبيها بحشر قضيب تسليح معدني في كتلة من الخرسانة. و مع ذلك،
فغن بث عدد أكبر من الجنود قد يعزز تدريب الضباط العراقيين، فضلا عن أنه قد يسهل عملية
إختيار القادة العراقيين المقتدرين و ترقيتهم . . و تشخيص من هم أدنى كفاءة . . و بالتالي فإن
تركيز القوات العراقية في المناطق التي تعد عموما آمنه و في بضعة مناطق تشن فيها هجومات
لأغراض أمنية قد تحقق تنفيذ . . طريقة بقعة الزيت . . و بذلك توفر تقليصا في حجم المخاطرة
التي تتعرض لها الوحدات العراقية حديثة التدريب، بأن يجدوا أنفسهم و العدو فوق رؤوسهم
دون السند المطلوب.
إن على القيادة العليا المتحدة أيضا أن
تكف عن ممارستها الضارة المبنية على تعاقب مجيء المستويات الرفيعة من القادة العسكريين
و المدنيين من و الى العراق، و كأنهم يتناوبون تغيير المواقع. فالجنرالات الذين أظهروا
مقدرة في معالجة التمرد في أفغانستان و العراق عادة ما يطلب إليهم العودة الى أميركا، في حين إن ضباطاً
من هذا الطراز يجب أن تجري ترقيتهم و إبقاؤهم في العراق لمدد أطول . . أما أولئك الذين
أخفقوا في أداء واجباتهم، فأولئك هم من ينبغي إعادتهم الى الوطن و إبدالهم بغيرهم.
و مثلما أثبت التاريخ القديم و الحاضر فإن القادة المقتدرين يعدون . . مضاعفي قوةfarce multipliers ذلك لأنهم قادرون على تعزيز قدرات جنودهم بفعاليتهم
رفيعة المستوى.
لابد أن تتألف عمليات الهجوم بموجب . .
بقعة الزيت . . من جهود لتوسيع . . المنطقة الخضراء . . تدريجيا لتضم إليها مناطق من
. . المنطقة الحمراء . . إذ تتوجه الموارد في كل من ناحيتي الأمن و إعادة البناء نحو
مناطق مختارة تشن فيها الهجمات ضد المتمردين.
و بما أن القوات و الموارد محدودتان كلاهما،
و بسبب ان إرساء البنية التحتية لمتطلبات الأمن في كل منطقة لا تعد الآن آمنة،ف قد
يستغرق الأمر وقتا لا يقل عن نصف عام و قد يزيد. إن الهجومات التي تنطلق من . . بقعة
الزيت . . قد تطول مدتها بسبب طبيعتها. إن كل هجوم لربما تشرع به الوحدات العراقية
سيكون بمساعدة المستشارين الإميركيين المبثوثين بين صفوفها، إذ يقومون بتمشيط . . المنطقة
الهدف . . و تنظيفها من أية قوة تمرد رئيسة، فتتوزع هذه الوحدات بعدئذ في تشكيلات أصغر
تتخذ لها مواقع في مدن (أو في قطاعات إن كانت مدنا كبيرة) المنطقة المحررة، إذ تقوم
هنالك بتوفير الأمن للسكان. و سيكون بمقدور الشرطة الفدرالية المجيء ليقوموا بالتجوال
لحفظ الأمن فضلا عن أنهم قد يساعدون في تدريب قوى الامن و الشرطة المحلية و التدقيق
في عملهم. و بمجرد أن تتطور هذه الجهود، سيكون بمقدور وحدات الجيش العراقي الإنتقال
للقيام بجولات مكثفة على طول محيط . . بقعة الزيت . . (المقصود هنا محيط المنطقة الآمنة-
المترجم) لإفشال التهديدات التي يقوم بها المتمردون للمناطق المؤمنة الحديثة. و على
قوات الولايات المتحدة و الجيش العراقي أن يكون رد فعلها سريعا لمعالجة أي إختراق يقوم
به المتمردون في المنطقة التي تسير فيها دورياتها. و على أفراد الإستخبارات العراقية
و الأميركية الشروع في عملية التسلل الى خلايا المتمردين المحلية و تجنيد المواطنين
في المنطقة للقيام بمهمات مشابهة. و مع ان جهود التسلل الجارية أفرزت نتائج متفاوتة
الفائدة، فإن بمقدور خطة بقعة الزيت أن توفر لقوات إستخبارات الولايات المتحدة و العراق
الوقت الكافي لنجاح قوات التحالف للايفاء بإلتزاماتها لتوفير مستوى ثابت من الامن.
و قد يسهل عمليات الأمن هذه عملية إعادة
البناء. و ذلك بمنح العراقيين وعدا بحياة أفضل. و قد يعزز الأمن المستقر أيضا الشعور
بأن فوائد إعادة البناء بإمكانها هي أيضا أن تستقر، و ليست هدفا سهلا لتخريب المتمردين.
و لربما يسهل هذا أيضا الإصلاح الإجتماعي لتمكين النساء مثلا من الذهاب الى المدارس
دون خوف من عقوبة يوجهها اليهن الإسلاميون الراديكاليون. و قد يوفر هذا أيضا الوقت
لتقديم التدريب المطلوب لقوات الأمن المحلية و التدقيق في عملها و ضبطها قبل تكليفها
بالمسؤوليات التي تقوم بها. ومن ثم فإن الأمن الدائم قد يقنع السكان المحليين بأن الحكومة
جادة في حمايتهم. و قد يكون الهدف الرئيس طبعا الفوز بدعمهم الفعال و أنهم من المفترض أن يشرعوا في تزويد الحكومة بالمعلومات
عن المتمردين الذين إستقروا في المنطقة المؤمنة. و أنه و بمجرد أن يلمس السكان فوائد
الأمن و إعادة البناء- وليس قبل ذلك- بالإمكان إجراء الإنتخابات المحلية.
و بسبب محدودية المواد العسكرية و المالية،
ان على الأهداف المتوخاة من الهجمات التي تشن على وفق خطة بقعة الزيت أن تكون منتقاة
بعناية. و لربما تكون بغداد و الموصل الواقعة في الشمال هما الهدفان اللذان يغريان
بتطبيق الخطة. فكلاهما مركزان سياسيان و إقتصاديان رئيسان لكونهما يقعان على تخوم المناطق
الآمنة. و لكونها عاصمة العراق، فإن لبغداد قيمة رمزية كبيرة. و لأنهما كليهما يقعان
ضمن منطقة العمليات التي تقوم بها قوات الولايات المتحدة و هي دون شك القوات الأقدر
بين قوات التحالف.
إن على قوات الولايات المتحدة و العراق
أن ينقيا خياراتهما. و ذلك، بإستهداف تلك المناطق
التي يسهل فيها عليهما الحصول على حلفاء عشائريين، بأن تخطط جهود إعادة الإعمار على
أساس إظهار شيخ عشيرة المتعاون في نظر عشيرته بأنه يستلم . . مكافأة credit .
. جزاء تعاونه. و قد ينمي تقديم مثل هذه المكافأة الدوافع لدى أفراد العشيرة للمساعدة
في ضمان النجاحات التي تحققها عمليات إعادة الإعمار، فضلا عن أنها قد تساعد في إقناع
عشائر اخرى على إعطاء المعلومات عن أعمال التخريب المحتملة أو لربما تقدم دعما فعالا
لعمليات الأمن الجارية.
و بمجرد أن تكون قوات الأمن المحلية قادرة
على القيام بمهمات رئيسة في الأمن المحلي، سيكون على أغلب وحدات الجيش العراقي و الشرطة
الفيدرالية و من يدعمهم من قوات الولايات المتحدة أن تقوم بتوسيع بقعة الزيت الى حدود
جديدة. إن على بعض قوات التدخل السريع، من ناحية ثانية، أن تبقى في منطقة بقعة الزيت
الأصلية لكي تثبت بأن قوات الامن المحلية لديها الدعم اللازم عند الحاجة.
و على الرغم من أن تأمين المنطقة الخضراء
و البنية التحتية الوطنية و المناطق التي تجري تأمينها سابقا تعد جميعا أهدافا تحظى
بالأسبقية العسكرية ألا أن المحافظات الأربع غير المؤمنة لا يمكن التخلي عنها تماما
لصالح المتمردين. إذ ينبغي على قوات الولايات المتحدة (و بمعية العراقيين بمرور الزمن)
أن تقوم بدوريات تغطي المنطقة. و لا بد أن تقوم القوات الخاصة بعمليات في المنطقة الخطرة
لجمع المعلومات المبكرة عن نشاطات خطيرة يقوم بها المتمردون. و بذلك، يجري حرمان المتمردين
من التمتع بالملاذ الآمن و تحجيم قدراتهم على التنظيم و التخطيط. و إذا ما حاول المتمردون
إحتلال بلدة أو مدينة، مثلما حصل مع الفلوجة، فإن على قوات الولايات المتحدة و العراق
أن تقود حملة كبيرة لطردهم منها. و لابد أن تبقى عمليات من هذا النوع، من ناحية ثانية،
ضمن السياقات التي تنفذ بها خطة بقعة الزيت القائمة أساسا على حماية السكان و ليس مطاردة
المتمردين.
إن لخطة بقعة الزيت ضربة مهمة، بخاصة حين
تركز على مشكلات التجنيد في جيش الولايات المتحدة و على الدعم الشعبي المتناقص للحرب
تلك المزية هي إمكانية تطبيقها، مجسيات هجومات التي تشن في بغداد و الموصل، بعدد أقل
من الـ140000 من قوات الولايات المتحدة الموجودة الآن في العراق، أو يكون عدد الـ120000
كافيا حينئذ. و قد يكون تنقيص هذه الـ20000 من القوات ممكنا لأسباب عدة. فمن الناحية
الفعلية إن زيادة عدد المستشارين الاميركيين في الوحدات العراقية المشكلة حديثا قد
يمكن هذه الوحدات من الإسراع في تحسين قدراتها، كما أن تقليص عدد التمشيط غير المدروسة
قد يمكن قوات الولايات المتحدة من توظيف قواها في عمليات متمردة. إن المحافظة على وجود
جنرالات الولايات المتحدة رفيعي المراكز المقتدرين في العراق لفترات أطول في هذه الأثناء
قد يعزز على نحو مؤثر فعاليات القوات حتى لو كان هذا التأثير محصورا بالمستويات الدنيا
لهذه القوات.
الــصــفـقــة الـكـلـيـــــــــة
لقد لاحظ الفريق سير جيرالد تمبلر المفوض
العالي البريطاني و مدير العمليات أثناء التمرد الملاوي في خمسينيات القرن العشرين
بأن الجوانب السياسية و العسكرية في العمليات المناهضة للتمرد يجب أن تكون (ذات علاقة
متبادلة تامة وكاملة) و كذلك يجب أن تكون كذلك أيضا في العراق. فحين تأخذ العمليات
العسكرية للولايات المتحدة شكل حملة . . بقعة الزيت . . على الجهود السياسية ان تهدف
الى التوصل الى صفقة كلية مع الشعب العراقي. ذلك، لأن مثل هذه الصفقة هي التي سترسي
الأساس للتطور التدريجي للقاعدة العريضة المطلوبة للحفاظ على ديمقراطية عراقية.
إن الصفقة الكلية ستنجز عبر الجماعات الدينية
و الإثنية العراقية الرئيسة و عبر الوحدات الأسرية و العشائرية المهمة. و قد تكون إفتراضات
مثل هذه الصفقة الأساسية وجود عناصر مهمة عند كل مجموعة إثنية أو دينية رئيسة ترغب
في دعم العراق الموحد الديمقراطي. و هذا يعني أن بالإمكان تشكيل تحالف عريض ذي مغزى
و بمرور الزمن من اجل تحقيق هذه الغاية، و يعني أيضا أن الولايات المتحدة راغبة على
المدى الطويل في تولي جهود قد تستغرق عقدا أو أكثر الغاية منها ضمان نجاح هذه الصفقة
الكلية.
و الأكراد هم المجموعة المحتملة الأكثر
مرونة في الإستجابة لمثل هذه الصفقة. فهم يريدون للتمرد أن يدحر و يرغبون بوجود طويل
الأمد للولايات المتحدة في العراق لحمايتهم من هيمنة الشيعة! . . و لمنع عودة السنة
الى الحكم فضلا عن حمايتهم من التهديدات الخارجية الآتية من إيران و تركيا. إن مجموعة
مهمة، و إن كانت صغيرة من السنة تريد هي أيضا
للتمرد أن يندحر، إذا ما جرى تقديم الضمانات الكافية لهم بأن وجود الولايات المتحدة
الطويل الأمد سيكفل لهم الحيلولة دون هيمنة الشيعة عليهم (أو معاقبتهم) و دون محاولات
إيران للسيطرة من خلال حكومة شيعية عراقية. و حال أغلب الشيعة يشبه حال الكورد، فهم
يريدون للتمرد أن يندحر و البعض منهم أيضا قلق من محاولات إيران لتخريب الإستقلال العراقي.
و أولئك الشيعة قد يقبلون بوجود طويل الأمد للولايات المتحدة للوقوف في وجه التخريب
الإيراني و لتحجيم مخاطر قيام حرب أهلية تهدد مزية تفوقهم العددي الذي يتيح لهم الديمقراطية
العراقية الإفادة منه.
و ليس من الضرورة أن تسعى هذه الصفقة الكلية
الى الفوز بأية مجموعة عراقية رئيسة كاملة، و إنما الفوز بالشريحة الرئيسة من كل مجموعة
و التي إن إتحدت ستحقق وجود كتلة مهمة تعمل من أجل الأهداف العامة المذكورة سابقا.
و بما أن دحر التمرد لا يعد سوى خطوة نحو تحقيق تلك الأهداف، فسيكون لدى كل مجموعة
من تلك المجموعات واقع للمطالبة ببقاء قسم من قوات الولايات المتحدة الى ما بعد دحر
التمرد. و هو عامل مهم يساعد الولايات المتحدة على تحقيق أهداف الأمن البعيدة المدى.
و بوجود الصفقة الكلية، سيجد العراقيون و بإختصار بأنه و على الرغم من أن . . المحتلينoccupiers الأميركيين قد مسوا مشاعرهم الوطنية بهذا
الإحتلال فإنه و بوجود نظام يتحكم فيه العراقيون سيكونون راغبين بالسماح بوجود قوات
قليلة العدد كـضيوف guists.
و قد يتطلب نسج مثل هذا التحالف في
داخل إنسان تفهما عميقا للسياسات العشائرية العراقية. ذلك، لأن العشيرة و الأسرة العراقية
هما أساس المجتمع في مناطق عدة من العراق، و أنهما يشكلان نوعا من بديل للحكومة. (و
لقد تلاعب صدام بهذه العلاقات العشائرية و الأسرية بمهارة من أجل إدامة حكمه). توجد
في العراق ما يقارب 150 عشيرة تختلف في حجمها و تأثيرها. و إن 75% من العراقيين تقريبا
هم أعضاء في عشيرة ما. إن خلق تحالف من هذه الجماعات قد يتطلب وجود بيانات منظمة عن
التشكيلات العشائرية و ولاءاتها وعداءات الدم فيما بينها. و هذا يعني أيضا معرفة العداءات
التي لم يجر حلها و التعرف على الميول السياسية للعشائر المهيمنة و مصادر قوتها و شرعية
سلطتها، و تجديد نوع روابطها بعشائر في بلدان مجاورة بخاصة بلدان مثل سوريا و تركيا
و إيران.
و من أجل بلوغ هذه الغاية لا بد للولايات
المتحدة أن تساعد الحكومة العراقية على تأسيس منظومة عراقية لجمع المعلومات عن المتمردين
لكي يجري إختراق بنيتهم التحتية. و على هذه المنظومة أن تقسم العراق الى مناطق و قطاعات
و شبكات محلية لكي تركز جهودها بحيث تعطي أسبقية الى تلك المناطق التي جرى تأمينها
و التي في نية خطة بقعة الزيت أن تجعلها ضمن أهداف عملياتها. إنه و على الرغم من أن
على الولايات المتحدة و قوى التحالف الأخرى أن تراقب هذه الجهود و تدعمها، إن على العراقيين
أن يقودوا هذه الجهود بأنفسهم. و ذلك، بسبب تمتعهم بفهم الامريكيين”المختصين بالشؤون
العراقية" في وحدات منظومة المخابرات العراقية لمراقبة نشاطاتها، و ذلك بسبب الوضع
السياسي العراقي غير المستقر.
إن وجود دليل دقيق عن العشائر العراقية
قد يكون هادياً في تشكيل التحالفات بين الحكومة العراقية الجديدة و عشائر و أسر معينة،
ما يحسن من القدرة على التدقيق في طلبات التجنيد العسكرية و توظيف الموظفين المدنيين،
و ما يقوي أيضا من مصادر الإستخبارات عن تنظيم المتمردين و بنيتهم التحتية. و ما هو
أهم من ذلك، قد يسهل هذا الدليل تحقيق الصفقة الكلية عن طريق حصر العشائر الكردية و
السنية و الشيعية. و هذا يؤدي على الأرجح الى دعم حكومة عراقية ديمقراطية موحدة و مستقلة.
و بالمقابل لا بد أن يجني الحلفاء العشائريون فوائد فورية أعظم، مثل الأسبقية في إرساء
الامن و عمليات إعادة البناء.
ثمة مخاطر تنطوي عليها التحالفات بين المجموعات
العشائرية. و التحالفات العشائرية غالبا ما تكون سريعة الزوال. و بذلك، يكون على المتحالف
أن يكون مستعداً على نقل ولائه خطوة للأمام أوخطوة ل الى الخلف بين المتخاصمين و بسرعة.
ثمة أيضا خطوة مهمة و هي مهمة أن تبدو العشائر بوصفها بدائل للدولة. فإتخاذ عشيرة حليفاً
قد يخلق أعداء من العشائر المتخاصمة التي كانت حتى ذلك الوقت محايدة. و هنا لابد من
إتباع سياسة مبنية على الخبرة و الإجتهاد لجعل هذا العامل يعمل لصالح الخطة.
و بمجرد أن يحصل تقدم في تنفيذ الصفقة الكلية
بالقيام بالهجمات الأولى لخطة بقعة الزيت، تكون الخطة قد دخلت مرحلتها الثانية. و المرحلة
الثانية قد تشهد تقليصاً مهماً في مستويات قوات الولايات المتحدة ـ لربما الى حد الابقاء
على 60000 ما يعكس بالقوة المتنامية للحكومة العراقية و قوى الأمن و تراجعاً في قوى
التمرد. و قد يبدأ حينئذ مستشارو الولايات المتحدة بالإستغناء عن خدماتهم في الوحدات
العراقية الأعلى مقدرة. و بمجرد أن ينكمش تهديد المتمردين بحيث أنه و بمرور الزمن يغدو
مشكلة ذات أهمية قليلة، تضع الخطة مرحلتها الثالثة موضع التنفيذ و التي تشمل على سحب
الوحدات العسكرية الأميركية و أغلب المستشارين ما عدا وجود عسكري أميركي دائمي لا يتجاوز
عدد أفراده 20000 من القوات لكي يصد معتدين قادمين من إيران و سوريا و لربما تقضي هذه
المنطقة الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة حاجة بغداد و تبعدها عن الدخول في برامج
تسليح مكلفة سواء أكانت ذرية أو كيمياوية أو بايولوجية.. إضافة لهذا فإن وجوداً دائمياً
للولايات المتحدة قد يكون سبباً في ردع أية زمرة داخلية من محاولة قلب الحكومة.
أفـضـــل الـمـقــايــيـــــس
إن إدارة بوش و منتقديه، حتى هذه اللحظة،
يركزان كلاهما على مقاييس خاطئة في قياس التقدم الحاصل في حرب العراق. فالنقاد، مثلا،
غالباً ما يستعملون قوة المتمردين لتقدير هذا التقدم. إلا أنه لمن الصعوبة محاولة تقدير
مستويات قوى المتمردين بدقة. و ذلك لأن العديد من المتمردين العراقيين ليسوا مساهمين
دائميين في الصراع، و لا هم أيضا مؤمنين حقيقيين بالقضية البعثية أو الإسلاموية الأصولية.
فهم بالأحرى أما أن قد يكونوا أجبروا على دعم التمرد أو أن قد يكونوا أستدرجوا من قبل
المتمردين، الذين يدفعون للعاطلين العراقيين لقاء زرع العبوات الناسفة.
إنه لشيء مغر أيضا إتخاذ عدد من حوادث الصراع
على أنها علامة على قوة التمرد و إتخاذ غيابها علامة على ضعف التمرد. لا بد من يتأنى
المرء عند معالجة هذا الأمر. فغياب فعاليات التمرد لا يعني بالضرورة أن القوات المناهضة
للتمرد قد نجحت. فعدد حوادث الصراع حول الفلوجة في صيف عام 2004 كانت قليلة العدد جداً.
و هذا يكاد ألا يكون مقياساً على نجاح الحكومة العراقية، و إنما بالأحرى كان إشارة
واضحة على خطورة التمرد. ذلك، لأن المدينة بكاملها كانت تحت سيطرة المتمردين آنذاك.
و إنما بالعكس إن عدداً كبيراً من الهجمات قد يعكس ضعف المتمردين. فعدد متواصل من الهجمات
قد ينتج من مخاوف تنتاب المتمردين بأنهم على وشك خسارة الحرب و عليهم القيام بعمل مؤثر يقلب حظوظهم. و لنلاحظ هنا عناقيد
العنف التي رافقت إنتخابات كانون الثاني 2005 إذ كان الدافع الى العنف خوف المتمردين
من الإنتخابات، و ليس هو إزدياد قواهم.
و مع ذلك، إن الأمر يستحق تتبع أثر فعالية
المتردين. و ذلك ليس لمعرفة فيما إذا كان بعض
التقدم يحصل، و إنما لمعرفة أولويات المتمردين و للتعرف على إتجاهات سلوكهم.
إن تتبع أثر أحداث الصراع، مثلا بإمكانيته تزويدنا بدروس عن إتجاهات المجال الذي تشن
به هجمات العدو، و مستوى النجاح الذي يحققه و الأهداف التي ينوي المتمردون مهاجمتها
قبل غيرها. و قد تؤشر هذه البيانات أيضا الإنتقالات التي تحصل في خطط المتمردين .
. فالإشارات التي تعلن عن عزوف المتمردين عن الهجمات التي تستهدف موظفي الحكومة مثلا،
قد تشير أيضا الى أن الجهود التي تهدف الى حماية موظفي الحكومة المهيمنة كانت وافية
بالمرام. و الى الحد الذي تسهم به الإصابات في صفوف قوات الولايات المتحدة في تآكل
التأييد للحرب في أوساط الرأي العام الأميركي، هي أيضا قياس مهم لتقدير التقدم الحاصل.
إلا أن معدل الإصابات الحالية هي أدنى من الإصابات التي حصلت في فيتنام في صفوف الجنود
الأميركيين و مشاة البحرية. و مع ذلكـ ظل الدعم لأولئك قوياً. إن معدلات إعادة التطوع
في جيش الولايات المتحدة و قوات مشاة البحرية ما تزال تتخطى معدلاتها العادية. إن ما
يواجه الصعوبات الآن هي الجهود الساعية الى تجنيد أفراد جدد، ما يشير الى أن الأميركيين
عموماً يتزايد بينهم نفور من الخدمة العسكرية. و ما هو أهم من الأصابات هو الحديث عن
تأمين مركزي الجاذبية عند الأمريكيين هو .
. مشكلة عبء الحرية free- rider problemفإذا كان الأميركيون يعتقدون بأن العراقيين
لا يريدون القتال من أجل حريتهم ضد حركات التمرد اللادمقراطية فإن جنود الولايات المتحدة
(الشعب الاميركي) قد يبتعدون على نحو متزايد عن فكرة القيام بتضحيات لصالح أولئك الذين
يظنونهم من المستفيدين و ناكري الجميل.
و ثمة قياسات أخرى أقل إثارة للإشكال بإمكانها
أن تثبت جدارتها في التقدم الحاصل في الحرب و قياس نبض مراكز الجذب في هذه الحرب. أحدها
مثلا هو عدد الإغتيالات التي تعرض لها موظفو الحكومة و القادة الدينيون. ففي منظور
المواطنين أن كانت الحكومة غير قادرة على حماية موظفيها، سيغدو من الصعوبة التصديق
أنها قادرة على حماية المواطنين الأفراد. و على نحو مشابه، إذا كان المتمردون غير قادرين
على حماية قادتهم من القتل أو الأسر فإنهم على الأرجح سيخفقون في تجنيد أنصار جدد مأمولين،
لأن الآخرين قد يستنتجون بأن المتمردين غير قادرين حتى على حماية أنفسهم. و هنا يتجلى
النجاح بوصفه إشارة واضحة على أن القوى المناهضة للتمرد تكسب حرب الإستخبارات. و بما
أن النصر بهذا المعنى قد يؤخذ على أن المواطنين
الأفراد كانوا بصدد الإقبال على تقديم المعلومات، فإنه يعني أيضا بأن قوى التحالف العراقية
كانوا يكسبون . . قلوب و عقول . . العراقيين. و بذلك، يتأمن مركزاً مهما من مراكز الجاذبية.
و تعد نسبة التماس مع العدد مقياساً مفيداً
تبنته قوات التحالف. و بإمكان هذا القياس أن يقدِّر التقدم الحاصل في مجال إستخبارات
الحرب الذي يعد بديلاً للدعم الذي يقدمه الرأي العام في العراق. إن إتجاهاً إيجابياً
لهذا المقياس قد يكون معلماً على أن السكان كانوا يسهمون في تقديم معلومات . . يمكن
الإعتماد عليها . . و معلما على أن المبادرة إنتقلت من أيدي المتمردين
الى أيدي القوى التي تناهض التمرد. و تعد نسبة التماس مع العدو الذي تبادر به القوات
العراقية إتجاهاً ثانوياً لهذا المقياس لقوات الأمن العراقية. فإذا كانت نسبة التماس
الذي تقوم بها القوات العراقية مع العدو متزايدة، و إذا كانت حصتهم في ذلك تتزايد قياساً
بباقي قوات التحالف، فقد يشير هذا الى أن القوات العراقية تتحمل قدراً أكبر من العبء
من أجل أمن العراق، و بأنها بذلك تحظى بدعم الشعب. أن الإتجاهات الإيجابية لهذا المقياس
بإمكانها أيضا إستدرار دعم شعبي أعظم من الولايات المتحدة ذاتها، طالما كان لربما أيضا
قادراً على تقليص عدد قوات الولايات المتحدة في العراق.
و من ناحية أخرى . . ما يزال ثمة مقياس
أخر هو المعلومات السرية التي . . يمكن الإعتماد عليها المتلقاة من السكان قياساً بالنسبة
الى التي تجمع من طريق المراقبة و الرصد العسكري . . طائرات الإستكشاف أو دوريات قوات
الامن مثلا . . و وكلاء الإستخبارات الحكوميين. أي أن تزايداً في هذه النسبة ربما يشير
الى أن الشعب يشارك التحالف في بلوغ أهدافه و لديه شعور بالأمان الى حد تطوعه في تقديم
المعلومات المفيدة عن المتمردين.
ثم أن هنالك . . مقاييس السوق marketmetrcs . . فلقد إستغل المتمردون العاطلون
و المجرمون نشداناً للدعم. إذ أنهم يدفعون للعراقيين غالبا من أجل زرع العبوات الناسفة،
بل و دفعوا بسخاء لقتل الموظفين الحكوميين.
و مقاييس من هذا النوع تشير الى أن التمرد يكافح من أجل توسيع صفوفه و عليه شراء الدعم.
و إنه قد يكون مفيداً لهذا الجانب من الصراع. فما الذي يدفعه المتمردون لأولئك الذين
يزرعون العبوات الناسفة ؟ . . و ما هو نوع الأجر الذي يدفعونه مقابل حياة عدوهم، و
كيف يتغير هذا الأجر بمرور الوقت؟ . . إن الإفتراض
الذي يضعه المرء وراء هذه المقاييس هو أنه مهما كان الذي يدفعه المتمردون عالياً. لن
يجدوا سوى قلة قليلة من الراغبين في تقديم الدعم لهم. أو لربما يشير هذا الإنكماش في التأييد الى نجاح تحققه قوات
التحالف و الحكومة العراقية في تحسين الأمن و تقليص البطالة و تقوية إلتزام الشعب بالنظام
الجديد، كلها قد لا تترك سوى قلة قليلة من الناس ممن هم عرضة للإستدراج أو الإكراه
من قبل المتمردين.
تـســـــديــد الــثــمــــن
ليس ثمة خطة ستضع نهاية عاجلة أو سهلة للتمرد
. . إن الخطة المعروضة هنا، و بهذا المعنى هي الأعلى بين كثرة من الخيارات كلها مر
. . فهي تتفق حتى على أن خطة . . إثبت على وجهتكstay the
course . . المتبعة حاليا التي لا تفضي إلا الى جدول عشوائي
للإنسحاب من العراق، و هو الحل الذي يتبناه العديد من منتقدي إدارة بوش. أو أفضيلتها
الرئيسة هي أنها تعكس فهماً لمراكز الجذب و تحاول الموازنة بين متطلبات مراكز الجذب
المتصارعة هذه احياناً، بينما تحاول تأمين إحتياجاتها جميعاً.
إن تطبيق خطة كهذه سيواجه بالطبع صعوبات
كبيرة.
اولا :ـ إن إيجاد تحالف يعقد هذه الصفقة
الكلية سيواجه تحديات جمة من بينها العداوات القائمة بين شرائح السكان العراقيين، و
شكوك العراقيين في نيات الأمريكيين و الجهل الثقافي الذي يتصف به أفراد القوات المسلحة
الاميركية و صناع القرار السياسي الذي يقف وراءهم.
ثانيا :ـ على جيش الولايات المتحدة أن يجتاز
الخط الدقيق الفاصل بين المجازفة بقبول عدد متزايد للإصابات لتشمل حتى الجنود الأميركيين
المبثوثين بين صفوف الوحدات العراقية المجازفة بحصول إنهيار في جهود تجنيد المتطوعين
الجدد و التجديد للموجود، و الذي لربما ينتج من الإعتماد المستمر عن سياسة نشر أعداد
كبيرة من جند الولايات المتحدة.
ثالثا :ـ إن تأسيس قوات عراقية و أمن عراقية
سيكون مناسباً. ذلك، لأن عملية طويلة الأمد تقوم بها، قوات الولايات المتحدة و العمليات
التي تنطوي عليها خطة بقعة الزيت قد تسبب جميعها إحباطا لجيش الولايات المتحدة لكون
هذا الجيش يفضل شن الهجمات على العدو عبر عمليات تقليدية.
رابعا :ـ إان تنسيق و تكثيف الأمن و الإستخبارات
و إعادة البناء ستتطلب وجود مستوى قد يجعل من التعاون بين الولايات المتحدة يتخطى العملية
التي تتظافر على إدارتها وكالات حكومية عدة من واشنطن، و بضمنها تنسيق و قيادة مركزيين
قويين يتولاه موظف سياسي رفيع على المسرح السياسي، و هو سفير الولايات المتحدة في بغداد.
و حتى إن كانت تبشر بنجاح، فإن هذه الخطة سيتطلب تنفيذها إلتزام يستغرق عقداً من السنين
و تتفق خلاله مئات بلايين الدولارات و سيفرز قوائم مطولة من الإصابات. و مع ذلك، فهذا
هو الثمن الذي لابد أن تدفعه الولايات المتحدة من أجل بلوغ أهدافها النبيلة في العراق
. . و لكن هل أن الشعب الاميركي و الجيش الأميركي على إستعداد لدفع مثل هذا الثمن؟
. .
إن تزويدهم بخطة واضحة للنصر و تفهما كاملاً
للتضحيات المطلوبة هما لوحدهما ما على الإدارة الأميركية إلا التوصل اليهما. و إذا
ما اظهر الأميركيون بأنهم ليسوا قادرين على تحمل هذه المهمة، فإن على واشنطن أن ترسي
على أهداف أكثر تواضعاً . . تتمثل في زيادة
تأثير نفوذها المتضائل لإحباط خطط الإيرانيين و السوريين في إنشاء حلف على أنقاض نظام
إستبدادي مقبل في العراق.
(منشور في جريدة الصباح – 14-1-2006)