ِAn essay on philosophy …
The Philosophical
Status of Aesthetics
By: Mary Devereaux
Translated by: Ahmed Khalis Shalan
مقالة مترجمة في الفلسفة . . . منزلة علم الجمال
في الفلسفة
ماري ديفيرو
ترجمة أحمد خالص الشعلان
A. Kh. Shalan
أود هنا أن أوضح نقطتين بسؤالين هما:
|
1 1- ما الذي تعنيه مفردة "status"؟
2-
ماذا نبغي تحديدا
عندما نسأل عن منزلة علم الجمال؟
و طبقا لقاموس "Heritage"
الأمريكي . . نتعرف على مفردة "status" بالمعاني التالية:
Status . . بمعنى وضع شخص ما بالنسبة لأشخاص
آخرين، مثلما نقول "... تتمتع بوضع ضيف".
Status . . بمعنى مكانة أو
منزلة عالية من نوع ما، مثلما نقول "... منزلته بوصفه قائدا" أو
"... مكانته بوصفه مصلحا".
Status . . بمعنى موقف شخص ما أو شئ ما من الناحية القانونية، مثلما
نقول "... يتمتع بموقف مراقب"
Status
. . بمعنى ما تجري عليه الأمور
عموما في وقت معين، ايجابا أو سلبا
Status . . بمعنى تطور المرض عند شخص ما، مثلما نقول "... أين وصل
حال المريض؟"
و حين يدور في أذهاننا هذا الفهم الشامل لمصطلح . . status . . فما الذي سيرد تحديدا الى فهمنا حين نحاول
تقصي "منزلة" علم الجمال؟
و تبعا لذلك ثمة ثلاثة أنواع من الأسئلة تطرح نفسها هنا:
1- سؤال يخص الحالة أو الوضع الداخلي لعلم الجمال و فحواه: ما
هو الازدهار النسبي الذي شهده هذا الحقل من حقول الفلسفة؟ و كيف جرى تمثل دور علم
الجمال؟ و هل ما له علاقة بهذا يسير سيرا حسنا؟
2- سؤال يخص المكانة الواقعية التي يحتلها علم الجمال بالنسبة للحقول
الأخرى للفلسفة و فحواه: أين يقف علم الجمال في الخارطة الفلسفية المعاصرة؟ و ما
نوع السمعة التي تأتي بها هذه المكانة؟
3- سؤال يخص المنزلة المناسبة لعلم الجمال بين حقول الفلسفة و فحواه:
ما هي المنزلة التي يجب أن يحتلها علم الجمال؟ و ما هي المهام و الوظائف
الرئيسة التي عليه أن يقوم بها؟
والسؤال الذي يخص الوضع الداخلي لعلم الجمال يتلخص في مقومين هما:
1-
الأول يخص نوعية
العمل الذي يعالجه علم الجمال، و
2-
الثاني يتعلق
بالآفاق المهنية التي يهتم علم الجمال بها.
أما عن نوعية العمل، فالصورة تعد عموما واعدة.
هذا على الرغم من أن علم الجمال المعاصر يفتقر الى عالم جمال aesthetician من
طراز كانت Kant ( و
هي حقيقة لا يدركها المختصون الآخرون في هذا الحقل). و مع ذلك، فان اعمالا من قبيل
التي يقدمها نلسن غودمن Nelson Goodman و ستانلي كافل S. Cavell و آثر دانتو Arthur Danto و
آخرون ربما كان لها تاثير أساسي في هذا الحقل، بحيث أدت الى تنشيط العديد من
التطورات في علم الجمال. و الثلاثة المذكورة في أدناه قد تكون التطورات الأبرز من
بينها:
1- التطور الأول، هو أن فلاسفة الفن
قد تخلوا عن أبراجهم العاجية حوالي نهاية سبعينيات القرن العشرين، لكي يتسنى لهم
التدقيق من مسافة مناسبة.
في المشاكل و الممارسات التي يعاني منها الفن،
شارعين في معالجة قائمة طويلة من مواضيع تخص الرسم و التصوير و ا لسينما و
الموسيقى و ألأدب و الرقص. ان فلاسفة الجمال اليوم بحاجة، و حالهم في هذا حال
فلاسفة العلم الذين يتوقون الى معرفة المزيد عن العلم، الى معرفة شئ عن الفنون. و
أحد النتائجالماثلة لهذا التوق حاليا هي اهماك فلاسفة الجمال في ممارسة النقد
الفني، و تجربة ايجاد روابط وثيقة بين حقول المعرفة المتعددة؛ و منها تاريخ الفن،
و دراسة ألأدب ، و الفلم السينمائي.
2- التطور الثاني، و هو ليس أقل أهمية من الأول، هو بروز علم الجمال النسوي feminist aesthetics في
عقد ثمانينيات القرن العشرين. ان تأثيرات العمل النسوي في علم الجمال قد تظهر أكثر
وضوحا في مجال البحوث الخاصة بمعايير التييم الجمالي. ذلك، لأن مجرد معرفة عدم
ارتباط المعايير الجمالية المعروضة بزمن معين، كونها كلية universal، يعني من ناحية ثانية، انها
ترتبط في الواقع بزمن معين و ليست كلية (كونها تعكس الى حد كبير العقائد و القيم
السائدة في النزعة الأبوية patriarchic الشائعة في اوروبا)، ما
أدى الى اجراء تحليل أكثر نقدية، و على اساس تاريخي، للمفاهيم الفنية، و للمعاهد
التي تدرّس الفن، و الممارسات الفنية عموما.
و جاء هذا بدوره
نتيجة لفهم أوسع و أعمق للمتغيرات الاجتماعية و الثقافية التي ساهمت في انتشار
الأفكار التي تتحدث عن الذائقة taste و القيم الجمالية و العبقرية الجمالية.
3- أما التطور الثالث فقد أوضح بأن علم الجمال كان قد استفاد من "تحول
أخلاقي" جار أو من انبعاث نقاشات مستدامة عن الوظيفة ألخلاقية للعمل الروائي
و التاثيرات الاجتماعية للفنون. و لقد حفز هذا التطور علماء الجمال الى الخوض في
النقاشات السياسية الدائرة حول الدين الذي برقبة الفن تجاه الجمهور، و وظيفة الفن
الشعبي، و القيمة الثقافية للتربية التي تقوم بها الفنون. و كان من الواضح بأن
"عقود التجاهل" التي عانى منها علم الجمال، و كان جون باسمو John Passmore قد
هجاها و رثاها على العلن، قد ولت و الى الأبد. و هو ما مهد لجعل علم الجمال يتمتع
في الوقت الحاضر بالجاذبية و الحيوية.
أما عن الآفاق المهنية التي يحلم بها العاملون
في هذا الحقل، من ناحية ثانية، فان الصورة لا تبدو أقل اشراقا. هذا، على الرغم من
الحقيقة المرة التي تظهر محدودية المحاور التي يدور فيها علم الجمال، لدرجة أنه
حتى الناس الأكثر موهبة و تدريبا ما يزالون يلاقون الكثير من العقبات عند دخولهم
الحقل في سعيهم لايجاد موقع لهم فيه. و لا تكمن المشكلة هنا في أنهم لا يجدون ما
يقومون به في مجال الفلسفة (مع أن الفرص فعلا نادرة هنا)، و انما يكمن ألمر في ان
عددا من الوظائف، تربو على أربعمائة يعلن
عنها كل عام، تتوجه الى علم الجمال بوصفه، تقريبا و دائما، حقلا يتطلب مقدرة عقلية
و ليس تخصصا مهنيا.
فلم، اذن، لا يحظى علم الجمال سوى بعدد قليل جدا
من الوظائف المخصصة للفلسفة؟
يحيلنا هذا السؤال الى ثاني المواضيع الثلاثة
المذكورة آنفا. ذاك هو الذي يخص المكانة الواقعية التي يحتلها علم الجمال و
منزلته،أو السمعة التي يحظى بها بين حقول الفلسفة الأخرى.
فما هي تلك المكانة؟
ثمة هنا هامش ضيق جدا
للاختلاف حول هذا الموضوع، و هو ان الفلاسفة غالبا ما يعدون علم الجمال حقلا
هامشيا. و نسبيا، لا يعد علم الجمال هامشيا بالمعنى المعقول للكلمة فحسب، بوصفه
علما تتداوله الفلسفة على حدودها، أو حافاتها، و ليس في مركزها، و أنما أيضا
بالمعنى الاضافي الأكثر اثارة للجدل، و فحواه ان علم الجمال ليس ذا أهمية فلسفية. و يرى علم الجمال
من هذه الناحية على أنه يتعارض مع حقول معينة من المعرفة، مثل فلسفة علم
الرياضيات، و هو حقل قد يبدو لأول وهلة هامشيا، مع أنه، فلسفيا، ذو أهمية كبيرة.
لدرجة أن آرثر دانتو كان قد سخر قبل سنوات، و لم يجانب الحقيقة في هذا مطلقا، حين
بين بأن المنزلة التي يحتلها علم الجمال " . . . هي من الضغر في سلم
أولويات الفلسفة، لدرجة أنه يشبه الموقع
الذي يحتله البعوض في سلم الكائنات الحية".
و انه لمن الجدير بالذكر ، في هذا الصدد، هو استحضار
فكرة أن المواضيع الجمالية تتمتع، أو ربما لا تتمتع، باهتمام محدود من جملة
الاهتمامات الرئيسة للفلسفة في الآونة الأخيرة. و برأيي، ما هذه الا فكرة متصنعة
كانت قد نشأت من رحم التحليل الفلسفي. و مثلما هم ملاحظ في أعمال افلاطون Plato و أرسطو Aristotle و
هيوم Hume و كانت Kant و هيغل Hegel و نيتشة Nietzsche، فان مسائل الفن و الجمال كانت فيما مضى تعد من صلب المواضيع
المركزية للفلسفة.
و ينعكس الموقع التهميشي الذي يحتله علم الجمال حاليا في
البنية المؤسساتية التعليمية التي
تقوم عليها مهنة التعليم. و نجد أن عددا قليلا فقط من برامج الدراسة الانكلو-
أمريكية تشترط مسبقا وجود معرفة لدى المتقدم اليها بعلم يتيح الدخول الى هذه
الدراسة. و ان عددا قليلا فقط من اقسام الدراسة فيها لديه رغبة، أو يفكر بمثل هذه
الرغبة، بوجود اختصاصي مهني يلقي دروسا في علم الجمال، او ليقترح مواضيعا لأطاريح
تناقش مواضيع هذا الحقل. و لذلك، غالبا ما يعد علم الجمال "اضافة
اختيارية" قربة الى مزاج القسم الدراسي المعني، ان توفرت. و لكنها، و في كل
ألحوال، لا تعد فرضا ضروريا من فروض التدريب الفلسفي المخصص للطلبة الدارسين.
و هذه مسألة تعد أكبر من كونها مجرد تحصيل حاصل للنمو
الجاري في التخصص ا لأكاديمي. فما من أحد يتخرج من دراسة الدكتوراه في الفلسفة دون
معرفة اساسية بعلم ما وراء الطبيعة metaphysics ، و بنظرية المعرفة epistemology ، و
بالمنطق logic ، و بفلسفة
العلم science philosophy ، و بتارخ
الفلسفة history of philosophy ، و بعلم
الأخلاق ethics . ان علم ما
وراء الطبيعة و نظرية المعرفة يشبهان المنطق، عندما يعرفان بوصفهما "مجالين
مركزيين" من مجالات الفلسفة. أما التاريخ و علم الأخلاق، و ان لم يكونا
مركزيين، فهما مع ذلك يرجعان الى "المحيط الأساس" للحقل الفلسفي. و انه
لمن الصعوبة بمكان، و في الغالب مستحيل، الحصول على درجة الدكتوراه دون تقديم عمل
له علاقة بالمجالات الفلسفية المذكورة آنفا. فهذه المجالات، في الواقع، هي التي يتوقع
فيها من أي دارس أن تكون له فيها آراء تمنه من أن يدلو بدلوه في المسائل القياسية
للفلسفة.
و لأن هذا لا ينطبق
على علم الجمال، فإن الغالبية العظمى من الفلاسفة يدخلون المهنة بزاد
شح، أو ربما بلا زاد، من معرفة بمناهج علم
الجمال أو المسائل التي ينظر فيها. و نتيجة لهذا، نجد أن الفلاسفة عموما، أما أن
يتجاهلوا مواضيع الفن و علم الجمال، أو أنهم يظنونها ذات علاقة، أو لا علاقة لها،
بالاهتمامات الأساسية لهذا الحقل من المعرفة. إن أغلب الفلاسفة، المعنيين بتصنيفات
حقول الفلسفة، نراهم يحققون نجاحات كاملة، حتى دون أي التفات الى مسائل تخص الفن و علم الجمال. و
بذا، يعد كل من ديفدسن و غودمن مثالان استثنائيان نادران بهذا الصدد. و ما كان
الافتقار الى الاهتمام بعلم الجمال، أو ما يشبهه من غياب لمواضيع علم الجمال من
على صفحات المجلات الفلسفية ذات المكانة المرموقة و الأوسع انتشارا، ليحرك على
الأرجح أهتمام بهذا الجانب من أي أحد. و لقد درج الأمر على أن يجري على هذا النحو
حين كان مسؤلو أقسام الفلسفة يجلسون ليقرروا المجالات الفلسفية التي يقترحون النظر
فيها، و لم لتكن مفاجأة آنئذ الا يمر خاطرة علم الجمال في بال أي منهم. و ها هي
النتيجة، فالاهمال لا بد أن يولد تهميشا!
و هذا اجحاف كبير بالنسبة للأهمية التي يستحقها
علم. فما علينا أن نعمل ازاء وضع من هذا النوع؟ ما هي المكانة المناسبة، و القيمة
الحقيقية، أو المغزى الحقيقي من الاهتمام بعلم الجمال؟ قد أكثر الاجابات قبولا
لهذا السؤال هو: أنه على الرغم من أهمية علم الجمال مفهومة على النحو المطلوب، الا
أنه يظل هامشيا في الدراسة. و ما عاد الرأي القائل بأن مكانة علم الجمال الحالية هي
بالتاكيد المكانة التي يستحقها واقعيا هو فحسب رأي أولئك المحافظون الذين لا
يابهون لدور الفن، بقولهم "هذا هو كل ما يستحقه علم الجمال"، و انما بات
هذا الرأي يحمله آخرون من أمثال ستانلي كافل S. Cavell و تيد كوهن T. Cohen ،
اللذين يظهران اهتماما شديدا بالفن، اذ يقول كوهن " . . . ها هو علم الجمال
يحتل، على الرغم من وضعه المتقلقل، أفضل ما يستطيعه من مواقع".
أما المكانة التي أرتأيها له أنا، من ناحية
ثانية، فهي لا تتفق مع الرأي الشائع القائل بأن "علم الجمال لا يستحق أكثر من
الموقع الهامشي الذي هو فيه، و لا أكثر من ذلك". ذلك، لأن علم الجمال، هو على
العكس من ذلك، لأنه جزء مكمل من أجزاء الفلسفة. و هذا هو ما يدفعنا الى التفكير
بان علم الجمال يستحق مكانة أقرب بكثير من مكانته الحالية لمركز النظر الفلسفي. و
انها لواضحة تماما تلك الفوائد العملية المتأتية من الدفاع عن مغزى علم الجمال عند
العاملين في علم الجمال. و مع ذلك، و من أجل عرض الحجة التي تسند هذه المكانة، هو أن المسألة الفلسفية
عليها أن تقدم نفسها انطلاقا من هذه المكانة. غير ان عرض هذه المسألة ليس بالسهولة
التي يظنها البعض اطلاقا. اذ، ليس ثمة امكانية للعودة الى التقاليد العتيدة لعلم
الجمال ذي النزعة الماوراء- طبيعية metaphysical. تلك التقاليد، و معها تلك الأهمية التي ولّى زمانها التي أعزاها
كانت و هيغل لعلم الجمال. و لن يرغب اي من أيضا، بالتأكيد بالعودة الى علم الجمال
المجدب الذي كان حصيلة تطبيقات لمناهج التليل اللغوي التي شاعت في أربعينيات و خمسينيات
القرن العشرين. و ما هو أكثر اهمية هنا،
هو أن واحدة من الملامح الأساسية الايجابية لعلم الجمال هذه الأيام، أقصد علاقته
القوية بالفنون و بفروع المعرفة النظرية الأخرى خارج الفلسفة، قد يكون أحد أهم
العوامل التي جعلته شاغلا ثانويا من المشاغل التي يلتفت اليها الفلاسفة عموما. و
لأن الأعمال المتأخرة في علم الجمال صارت اقرب للفنون و لحقول المعرفة لأخرى منها
للفلسفة، فقد غدت ينظر اليها و كأنها تبتعد شيئا فشيئا عن الأهتمامات المركزية
للفلسفة.
-
فكيف، يا ترى، سيتسنى لنا وضع مسالة محورها
الأهمية الفلسفية لعلم الجمال؟
إن أحد المحطات التي تصلح بداية لوضع مثل هذه
المسالة هو مواجهة الراي القائل أن الإقتراب من الفنون يعد حركة من نوع ما للخروج
بعلم الجمال من رحاب الفلسفة. و لا أحد سيفكر ربما بانه قد يكون عيبا من فلاسفة
العلم أن يوسخوا أيديهم بتفصيلات عن اشعاع ينبعث من ثقب أسود لغرض التعاطي معه. ان
التفكير بالمحصلات التجريبية التي تاتي من علم الفيزياء، أو من علم الفيزيولوجيا
العصبية، لا بد من أن تطرح اسئلة تتعلق بالنتائج التي لا بد أن يجري تفسيرها على
نحو صائب، من ناحية المشاكل التي تثيرها أو التي تساعد على حلها، و يجري تمييزها
من ناحية حقها أن تكون جانبا أساسيا من جوانب فلسفة العلم.
و حين يأخذ المرء تطورا من هذا النوع بالحسبان،
و الشئ بالشئ يذكر، لا يغدو مفاجئا الكشف عن رأي يقول ان علاقة حميمة لعلم الجمال
بالفنون هي التي تجعله أضعف ارتباطا بالفلسفة. ايمكن، اذن، أن ينجم هذا من التمسك
اللحوح، غير المعترف به و العصي على الفهم، بالاختلاف الواضح بين ما هو تحليلي analytical و ما هو تركيبي synthetic ، و هو اختلاف لا يظنه كثيرون جدير بالتصديق؟ إن المعرفة، حين
تقوم على أسس راسخة يعترف بها الحقل التجربي empirical لعلم الجمال، مثلما حاصل في
مجالات أخرى، و هو ما يجري البحث فيه، لا بد أن تعد اقترابا من الفلسفة، و ليس
ابتعادا عنها. ان أية معرفة بتاريخ التجربة الموسيقية، مثلا، أو بتطور النقد ألدبي
الحدث، في سبيل المثال، لا بد أن تضع اسئلة تفيد في صياغة تعميمات generalizations عن
"أعمال الفن بالذات"، أو عن الشروط التي يجري بموجبها التقييم الجمالي.
يظن الفلاسفة ان فلسفة أي علم تعد موضوعا مركزيا
للفلسفة، لأنها تأخذ العلم المعني على محمل الجد. ذلك، لأن الفلاسفة يؤمنون بان
العلم هو بالذات ذو أهمية فلسفية. و مع ذلك، نجد من ناحية ثانية، ان عددا قليلا من
الفلاسفة يعتقدون ان الفن ذاته ايضا مهم فلسفيا. الا أني أرى أن هذا الرأي يجانب
الصواب. فالفن يهمنا فلسفيا لأنه يهمنا انسانيا. و اذا اردنا التاكد من هذا الراي،
سنجد أن الفن في القرن العشرين كان قد تغير بطرق متعددة، و على نحو صار به أكثر
صعوبة على الفهم، و على التقييم، لدرجة ان أعمالا لـدوكامب Duchamp و روخنبرغ Rauchenberg و
كيج Cage و
لفنانين آخرين، صارت على ألأرجح أقل تلبية لتلك التقاليد القديمة في الفضاعة. الا
أن هذه التغييرات التي مرت بها الفنون تمثل جانبا من جوانب الموضوع الذي ينبغي على
علم الجمال أن يتوجه للبحث فيه. فعلى الرغم من التغييرات الحاصلة في المنهج
الفلسفي، يظل فهم التجربة الانسانية هو أحد مصادر الالهام الرئيسة في الفلسفة. و
أنه و لكونه يمثل جانبا من هذا المشروع الانساني الكبير، فانه بالامكان النظر الى
علم الجمال على انه فرع مهم من فروع الفلسفة. و طوبى لآلية الدفاع عن علم الجمال
هذه! و على الرغم من أنه يستحقها، لأنها تلتقي مع الاستجابة المعهودة القائلة:
"نعن، بالتأكيد، ان الفن مهم انسانيا، و مع ذلك، فما علاقته بالفلسفة؟"
-
فهل ثمة ما يصلح
للرد به على مثل هذا السؤال؟
إن واحدة من الإجابات التي تصلح ردا هي النظر في
نظرية القيمة. ففلاسفة اليوم يدرك أغلبهم أهمية نظرية القيمة، و بضمنهم حتى أولئك
الذين ينصب شاغلهم الفلسفي على المجالات التقنية و العلمي. ان علم الجمال يشكل
جانبا مهما من نظرية القيمة. و اذا ما كانت نظرية القيمة ذات أهمية فلسفية، فعلم الجمال،
اذن، لا بد بالنتيجة أن يعد ذا أهمية فلسفية. اذ، كيف سيتسنى للفلاسفة فهم جوهر
القيمة، ما لم يولوا انتباههم تجاه قيمة علم الجمال!
و بمرور الزمن ستتاح الفرصة للبحث في هذا
الموضوع. ففي علم الجمال، كان الفلاسفة فد رفضوا، و على نحو متزايد، الفصل الذي
وضعه الشكلانيون formalists بين القيمة الجمالية و القيمة الاخلأقية، لكي يقوموا بالاجابة على
أسئلة تتعلق، مثلا، بالوظيفة ألخلاقية للفن، و المسؤولية التي يبيحها الفن لنفسه،
فضلا عن الحدود ألأخلاقية للتقدير الجمالي. ينصب اهتمام علم الجمال المعاصر الرئيس
على العلاقة بين القيمة الجمالية و القيمة ألخلاقية. و يتطلع فلاسفة علم الأخلاق،
بالتفاتة من نوع ما، الى الفن. اذ قاك جول فينبرغ Joel Feinberg و
بيتر ريلتن Peter Railton و
سوزان وولف Susan
Wolf ، و ىخرون يعملون في مجال علم ألأخلاق، بتوجيه اهتمامهم نحو
مواضيع من قبيل: تسويغ موضوع أن تقوم الحكومة بالترويج للفنون، و الوجوه التي
ينبغي أن تتناول بها الرواية الحياة ألخلاقية للناس، و قيمة ألحساس الباطني
بالأخلاق عند الناس، و التدريب ألخلاقي المكتسب من طريق ألأدب و الفن. و قد يجعلنا
هذا نقول، بشئ من المبالغة، باننا نمر بتجربة "التفاتة أخلاقية" في علم
الأخلاق.
و قمت أنا، بهذا الصدد، بعرض طريقتين، قد تصلحان
للدفاع عن الأهمية الفلسفية لعلم الجمال. و قد يكون ثمة، دون شك، طرق أخرى. ان
الدرس ألعظم الذي نتلقاه هنا هو حاجتنا الى عمل متواصل في علم الجمال على مستوى
الأسس. و هذا يعني العودة بنا الى مواضيع كان قد جرى التضييق عليها لحقبة طويلة. و
ان الطريقة المتبعة قديما لحماية علم الجمال، القائمة على أساس العمل على أطراف
الفلسفة ، و ليس في مركزها، كانت لربما تصلح لزمانها، بحيث أنها نجحت في الحفاظ
على علم الجمال من احتمال استهلاكه من قبل الممارسات التي تقلل من قيمته، و هو ما
تقوم به فلسفة اللغة. أما زماننا، فهو زمان مختلف لدرجة أن تهميش علم الجمال في
ايامه الحاضرة قد تكون كلفه المعرفية غالية الثمن. و اذ ننوه بذلك، فنحن نعود الى
مواضيع اساسية تخص الفلسفة. و أنا لا أزعم ،بهذا الطرح، وجوب أن يأخذ هذا المشروع
مكانه بمعزل عن الفنون بالذات. ان الطريقة الوحيدة التي تمكننا من استكشاف ناجح
لمسائل عامة تخص جوهر الفن و علم الجمال هي توجيه عنايتنا من قرب نحو خصوصية و
رسوخ حالات معينة يتناولها علم الجمال.
و أخيرا، و ليس آخرا، إن الغاية التي أتوخاها من
هذه الملاحظات هي الدعوة الى تفكير أبعد أثرا حول الدلالة الفلسفية لعلم الجمال. و
هذا بدوره يتطلب تفكيرا أعمق في الايحاءات المناسبة التي تقدمها الفلسفة، و تفكيرا
أعمق في الكيفية التي يتجلى بها علم الجمال، بوصفه علما مستقلا، و بوصفه طريقة في
التفكير لها ماهيتها الخاصة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق