An essay on intellect …
Truth and Phantasm (2-2)
…
Dynamism of Truth or Dynamism of Superstition
Ahmed Khalis Shalan
مقالة في التفكير ...
الحقيقة والوهـم (2-2)
... دينامية الحقيقة أم دينامية الخرافة
A. Kh. Shalan |
صحيح إن العقل يتميز بالحيوية، من ناحية قدرته على خلق مبررات
كافية للوصول الى غاياته، وبأنه قادرٌ أيضا على تسويق تلك الغايات على أنها حاجات
ضرورية لديمومته وإدامة آلياته، و ذلك بان يحدث أثاراً مادية لنشاطه اللامادي.
والخرافة (و لا أعني هنا بمفردة . . خرافة . . تلك الأسطورة التي تحاكي الواقع،
فتزودنا بتمثلات جمالية لهذا الواقع، من نوع تلك الحكاية التي تؤلف موضوع رواية فلم
. . سيد الخواتم Lord of the
Rings . . مثلا، التي يسعى فيها الخير، بوصفه
معادلا أسطوريا، إلى الحيلولة دون الشر و إكتسابه القوة المطلقة، و إنما أعني بـ .
.الخرافة . . كل ما يشبه الخرافة الباطل الموجودة في الرواية ذاتها في سعيها
الطحلبي لسد منافذ نور العقل لأنها حصيلة الظلام)، بوصفها الإبنة الكبرى للعقل، اذ
تحاول أن تبقى في ديارنا الإبنة الكبرى ما شاءت، وشاء لها الزمان، دون أن تشيخ أو تذوي. فهي لا تتميز بالدوغمائية
والصلافة لبلوغ غاياتها مهما كانت الوسائل فحسب، وإنما تتميز أيضاً
بالحيوية الفائقة التي تمدها بها الديموغاغية السياسة، متمثلة بقدرتها على تفريخ
بيض يُقدَّر له حين يفقس، يروح يبث آلاف من الخرافات الوليدة (مثلما
يتوالد جند الشر في رواية . . سيد الخواتم
. . بكل أشكالهم المشوهة)، لدرجة أن المرء قد يظن بان كلاً من أتباع الخرافة من البشر هو
نفسه خرافة قائمة بذاتها، شكلا و مضمونا.
ويسعى سدنة
الخرافة الى تبديل . . سنة الطبيعة في خلقها
. . بما هي قائمة عليه من التنوع، بحيث صار لكل خرافة سيد يحمل عصاها، يتكئ عليها،
ويهش بها على رعيته، وله فيها مآرب أخرى!
و حين تخطف
الخرافة أكثر الأحداث دراماتيكية في تاريخ الإنسانية و تسعى الى تجييرها لصالحها، و
تحيل بذلك رموز شخوص تلك الحادثة الى مجرد بطاقة للكسب اللامشروع، عند ذاك نستطيع
أن نزعم أن للخرافة ديناميكية. و لنأخذ مثالا على ذلك مقتل الحسين (الخارج
للمطالبة بإرث جده) و آل بيته في تلك المأساة المروعة التي كانت إحدى منعطفات تاريخ
بقعة من بقع الشرق الأوسط و التي كانت واحدة من اللحظات التي يتجلى فيها الأخلاقي
الخالد، متمثلاً بقرار . . أبي الحر الرياحي . . بإنتقاله لدواعي إنسانية من طرف
منتصر مليون بالمائة (هذا بمنطق الحرب و ليس بمنطق العواطف التي تهيجها مصالح
المنابر!) الى معسكر خاسر مليون بالمائة بوصفه مفارقا لازبا للسياسي العارض
(الخارج للمطالبة بالسلطة و نفوذها و منافعها)، و كيف تحولت كل ذلك في بازار
المتدينين المتسيسين الى مجرد آلية لإستنزاف جمهور واسع، بسيط و ساذج، يتشوف الحق
و الخير. و لا بد من أن يعي المرء أن نوع الممارسة هذا من لدن سدنة الخرافة، في
محاولتهم، الموفقة في أغلب الأحيان بسبب تجهيل الجمهور، لسلب حدث جلل من نوع مقتل
الحسين و رهطه بكل ما يوعد به من تجربة تنطوي على إغناء روحي للانسان يتعلم منها
تحبيب الحياة التي وهبته له الطبيعة و تمجيدها و السعي الى الخروج من كل ذلك بمثال عن الجمال الذي يطمح
اليه البشر، بأن يرويج سدنة الخرافة بدلا عنه لممارسة شعائر تمجد العنف و تشجعه و
ينضاف لذلك تحبيب البكاء و اللطم على من مات على أنه غاية.
يقول ميكافيلي،
وهو ما أثبتته الأبحاث السايكولوجية فيما بعد:
"إن الناس حين يحبون فإنهم يحبون برغبتهم، ولكنهم حين
يكرهون، فإنهم يفعلون ذلك برغبة من الأمير الحاكم!"
و ليس من أمير
ديني أو دنيوي يحكم دون خرافة . . و الأمير، أمير الخرافة هذا، حامل العصا ذات المآرب
هذا، يسوق الناس بمنطق الخرافة. وبذا، تغدو الخرافة أفيوناً للعقل، يستخدمه الأمير
ليجعل الناس ألا يروا ما يرونه، ويجعلهم يكرهون ما يكره! و إلا، فكيف نفسرإنتشار
زراعة الخشاش في مجتمعين يقودهما المتزمتون، في أفغانستان طالبان و في إيران الحرس
الثوري. هذان البلدان
اللذان تتبادل فيهما زراعة الخشاش وتوالد الخرافة الأدوار في الإجهاز على العقل.
فما لم تحصده الخرافة من بذرات العقل و تلتهمه بنموها
الطحلبي هناك،
يتولى الخشخاش الإجهاز عليه هنا، مع تبادل للأدوار مع سبق الإصرار والترصد!
لم يسبق و أن جني
. . العقل الموضوعي . . من الخرافة نفعا، بوصفها إبنته الكبرى، أو مكسبا على مستوى
التجربة، من
النوع الذي تحدث عنه الفلاسفة، غير تلك التي تنفع في تسويق التبريرات
اللامنطقية للخرافة، في حين كانت الخرافة دائما تجني من العقل مكاسبا لتجدد نفسها. فالعقل كان (و
هذه حقيقة تاريخية تخص بقعة الأرض التي نعيش عليها قبل
غيرها) يتراجع
مغلوباً على أمره، كلما فقس بيض الخرافة عن أباطيل جديدة، في حين كانت الخرافة
تروح، مع كل إنجاز يحققه العقل تجاهد في محاولات التلون للإستفادة من أي انجاز حققه ذاك العقل، ولا
تتردد ساعية في البحث عن أساس لهذا الانجاز في ما تحمله أدبياتها (الكتب الدينية
عموما) من ظلال معاني، للإلتفاف على هذا الإنجاز، بأن تجهد في إيجاد أساس موهوم
لهذا المنجز في أدبياتها. و بذا، تمكنت الخرافة، من ناحية أخرى، من أن تضخ في مفردات أدبها دماءً
جديدة، ومعان مجازية جديدة، ما يضفي أحيانا غموضاً مرهباً، و
مرعبا إضافيا، على ذاك الأدب
يستسيغه جمهور جاهل، مستغلة في ذلك ألإمكانيات اللانهائية للغة. و ذلك،
بالتلاعب بمفرداتها على نحو يثير حماسة هذا الجمهور، و يدفعه الى القيام بأمور
تخالف منطق الطبيعة.
وإذا كانت
الغاية من الإيمان بوجود إله هي السعي إلى إدراك العلة الأولى لهذا
الكون، و البحث عن إجابات لأسئلة يفرضها قلق الإنسان الأصيل على مصيره.
أعني إجابات من نوع يتسم بالشفافية والوضوح، ما يؤدي الى إغناء معرفة الانسان
بالوجود، وتقربه خطوة فخطوة من المطلق، فإن الخرافة تظل دوما تضع أجوبة
جاهزة لتلك الأسئلة بعيدا عن وسائل البحث العقلانية، وتغلفها بالغموض والطلاسم
السرية و السحرية، ما يجعل الإنسان المؤمن بها أسير ذاك الغموض وسجين تلك
الطلاسم المرعبة، و هو ما يبعده عن المطلق خطوات، و يقربه من
عبودية نهائية سرمدية بمشيئته، تشبه عبودية مدمني ألأفيون للأفيون.
وعلى القدر
الذي يكون فيه الإيمان الصافي بذاك المطلق بسيطا و منشغلاً بالحقائق التي لا
تقبل التلوين أو التلون، تكون الخرافة بالقدر نفسه منشغله بأشباه الحقائق، أو بالأحرى،
باللاحقائق. ولأن الحقيقة لا تعد بغير جوهرها و هو الحقيقة، فهي إذن مقتصدة
بوعودها، لأنها لا تملك ما تهبه سوى روحها الأصيل و ما تحمله
من معنى سام يتطابق فيه القول و الفعل في وعي ألإنسان للضرورة، و إستفادته من هذا
الوعي بإقترابه من مملكة الحرية. أما الخرافة فتوعد وتُمعن في الوعد، وهي مسرفة في
كيل الأوهام، إذ تروح تصوغها بمعادلات عددية؛ واحدية، و
ثنائية، و
ثلاثية، وسباعية، و إثني عشرية ، أو سبعينية، و ما إلى
ذلك. و هي إضافة إلى الوعد الكاذب، تروح من ناحية ثانية، تتوعد من لا يصغي إليها بشيء أشبه بذاك الرعب الذي إعتادت أن تنتشر به
الخرافة طيلة تاريخها.
وفي هذا الباب، فإن للخرافة قدرة عجيبة، ليس على إستغلال
الحقائق الكبرى للكون فحسب، تلك الحقائق التي أتت بها الفلسفة و العلوم من نبعها الصافي بوصفها التعبيرات
التقريبية عن المطلق، وإنما لها قدرة هائلة، أو لنقل . . خرافية . . (مثلما جرت العادة على القول عند
المبالغة) أيضا على توظيف الإنعطافات المهمة في تاريخ البشر (برموزها وشخوصها ودلالاتها وأصالتها)
لتستغلها
لصالح شبكة المصالح التي تخدم الخرافة. و ذلك بإفراغ تلك الرموز من روحها الرومانسي
ألأصيل، و
تشويه مضامينها الإنسانية التي باتت ملكاً للإنسانية جمعاء، وتحويلها إلى مجرد دوغمات (مسلمات) خالية من أي روح!
وإذا كان معنى
الدين، الذي لا يقبل اللبس، يتحدد في سعيه إلى إدراك العقل للقوة العظمى في الكون
(أو العلة الأولى، مثلما تسميها الفلسفة) دون وساطات من قديسين و أدعياءٍ مُترِّهين، و الإعتراف بتلك القوة
وهيمنتها، فان الدين بهذا المعنى . . ليس أفيونا للشعوب . . وإنما الخرافة التي
ياتي بها القديسون و الأنبياء هي . . أفيون الشعوب .
. لأنها لا تكف عن افراغ المطلق
من محتواه الكوني السرمدي، وتحيله إلى إيقونات ذهبية و فضية و
نحاسية، ببراعة إشتهرت بها أيضا في نهجها
على خلق إنصاف آلهة، و أرباع آلهة، أو أرباب صغار تـنخس بهم، وقت ما أرادت، الناس
الذين يعيشون في رقعة من جهل مستديم .
ولأن الحقيقة مطلقة الحيادية، مثلما هو المطلق ذاته، نجد أن مَثَلَ
الذي يتعاطاها ويرتوي بها مَثَلُ شارب الماء يرتوي به دون أن يحس له لون أو رائحة
أو طعم . . وهو ما يجعل من الحقيقة وجوداً
دراماتيكياً. ذلك، لأن المرء قد لا يجد في . . بنية الحقيقة . . ما يغري، سوى واقع
كونها حقيقة، أو شكلاً من اشكال التجريد الخالص للعدالة، في حين أنه قد يجد، دون
ريب، أكثر من إغراء في الخرافة، لأنها تحفل بالألوان، و تجهد دائماً على أن تظهر بلون
خاص، و رائحة
مميزة، و طعم لا
يختلف عن ذائقة جمهورها المتلقي. فتثير عنده إنفعاله السلبي تجاه الحياة و تغذيه،
بحيث تسعى إلى تأصيل ميل هذا الجمهور الى الإنحياز، والتحزب للهوى، بشكل دوغما معينة،
تتخلل بنيتها، ما يمكنها من تصوير عالم كامل من الوهم الواعد لمن يدخل بريته التي
لا أبواب لها، والمتوعد لمن يشترط وضع باب لتلك البرية قبل دخوله اليها متلمسا خطاه.
و لربما كانت أحد أسباب دراماتيكية الحقيقة جوهراً هي
شفافيتها المطلقة قلبا و قالبا. و هي بهذا على عكس الخرافة التي تعرض نفسها بأثواب،
إذا ما أنتزع عنها سربلها الذي فوق، ظهر السربال الذي تحته، على الرغم مما يتوقعه فضول الرائي فيها
من جاذبية، لينكشف
عن حلكة اشد غموضاً، لا يشي
بإي من تلك الأسرار الكونية البسيطة، ذات القيمة بخاصة للانسان
الذي يؤمن أن تدينه لنفسه و ليس لأمير الخرافة. و فضلاً عن ذلك، فهو
(أعني نضو الخرافة لقناعها الفوقاني) لن ينجلي إلا عن إعادة وتكرار زائف للتاريخ و أحداثه،
تكرار من ذاك النوع الذي توهمه هيغل في مقولته:
". . إن التاريخ يعيد نفسه . . "
فرد كارل
ماركس عليه قائلا :
"صحيح
إن التاريخ يكرر نفسه، و لكن هيغل نسي أن يضيف، بأن التاريخ في الحدث الأول
يكون أصيلاً وصادقاً،
و عند الإعادة يكون زائفاً وكاريكاتيرياً".
وبسبب غلبة التكرار على الخرافة، في سعيها لإغلاق أكبر عدد
ممكن من منافذ العقل المطلة على الحقيقة و العالم الواقعي، لإبقاء العقل في حدود
مسلماتها الجامدة السقيمة، فإن النجاح في محاولة الإفلات من
دوراناتها المغلقة لا يتحقق باليسر الذي نتصوره، ما لم يبدأ
الإنسان بطرح أسئلة من طراز تلك
الاسئلة الاولى التي طرحتها الفلسفة و محبي الحقيقة، أسئلة من قبيل:
-
ما ذاك التكرار؟
-
لم ذاك التكرار؟
-
ماذا بعد ذاك التكرار؟
فمن غير المعقول ، ولربما يعد هذا سبباً آخر
من أسباب دراماتيكية الحقيقة، أن يظل
الإنسان، في أرض ما، يكرر على كر القرون شعائراً لا شئ يليها!
و تتميز الخرافة بمركزة الذات، و أعني بذلك . . أنها تجعل من
طروحاتها حيثيات، يدور حولها كل ما في الكون، تنكسف الشمس، مثلاً، بإرادة الخرافة
و لأسباب عاطفية، وكذا ينخسف القمر، و يعود وقت العصر بتضرعات ليكون في بحر لحظات وقت
ظهرٍ من جديد، كيلا تفوت صلاة الظهر قديساً ما! . . و قد ينقلب النهار ليلا
بإرادتها! . . و قد تثور السماء و تحمر
الشمس و يغبرُّ الفضاء و تتجلل ال مجرة لموت قديس خرج يطالب بالسلطة! . . و بذا، تروح الخرافة لتقيس
كل أحداث التاريخ بمعيار ينبع من زمانها الخاص، و بمقياس لا ترى العالم فيه مثلما
هو، وإنما تراه مثلما يريد أمراؤها أن تراه، لأن أمراءها يرون
العالم كما
يريدونه هم، و ليس كما نومسته الطبيعة. و بهذا، لا تعبأ الخرافة بما مر على هذا
الكون من دهور متتالية بسياق منطقي يتناسب و مجرى الزمان، كان
فيه الدهر
السابق يهيئ لما يطرأ في الدهر اللاحق على بنية الكون من تقلبات في
صيرورة الطبيعة. أقول . . لا تعبأ تلك الخرافة بما مر من دهور على الإنسان، سوى بوصفها
و توصيفها هي لتلك الدهور على انها عِبَرٌ تبرر و تسوق لما يصلح لتصديق منطق
الخرافة.
و لأن الخرافة هي غالباً عماد السلطات الفاسدة، بل وحتى
التدينات الفاسدة، بعد أن باتت أهم شريك في فلسفة المال، فهي نادرا
ما تفكر بالسلم الاجتماعي المبني على أساس المصالحة مع الذات و مع ألآخر، إلا بذاك
النوع من السلم المبني على إخصاء ألآخر و إقصائه و إستبعاده. و هي تنجح عموماً في مخاطبتها
للعقول عامة، لتثير ما فيها من نزوع رومانسي، إلا أن اداتها للوصول الى غاياتها
عمادها الطامحين من الناس الذين في القاع، من الجهالة، و السوقة، و الغوغاء، و معذبي الضمير
الذين يكوون أنفسهم في مواسم معينة بـ (آلات تعذيب لا ندري مانسميها تطهرا من
ذنوبهم)،
والمضطربين روحياً، والمدمنين على البلادة، وناقصي الجاه.
و في زوايا الخرافة و دياجيرها الداكنة تسترسل كل أنواع الشرور. و تنمو في أقبيتها
كل أنواع الطحالب لتخنق كل نفس نقي تريد الروح أن تستنشقه. لذا، فان أخبث ما في أمر الخرافة انها
تستمتع، أيما إستمتاع، بتهشيم سواها، ولا ترعوي عن التهشيم حتى إن كان خصمها
لاخرافة، أو خرافة صنوة . . فالسيف يشكل جزءاً من تركيبتها. والنزوع إلى
القتال هو غريزتها التي لا ترتوي. لذا، فهي لا يهمها مقدار الدماء التي تسيل على
مذبح تخريجاتها، سواء أكان في تدميرها لخصمها، أو في ممارستها لطقوسها، ما دام جمهورها هو ذاك
الذي ذكرناه.
والصور
والمشاهد الفظيعة والمرعبة التي يتجمد لها الدم في العروق، التي نراها حين تضع
الخرافة قدر الإنسان على حافة الهاوية، كلها فيها ما يشير إلى أنها تنتشر كالنسيج في البنية السيكولوجيا للشخصية الخرافية. و
ثمة أيضا ما يشير إلى أنها
تحقق إرضاءً للأشخاص من ذوي الذائقة السوقية، وليس لحاملي الذائقة المهذبة. وقد يفسر لنا هذا، من
ناحية ثانية، تشبع شعائر وطقوس الخرافة بثقافة جريان الدم، ما يؤول بها الى تحويل
مشهد جريانه إلى بهجة مصدرها الوجدان النزوي الخرافي، بسبب تكرارها لصيغ الممارسة المبتذلة
جمالياً. وكأننا بأمراء الخرافة، بسكوتهم عما يطمح جمهورهم الجاهل لإرضائه
في نفسه، و يصب في مصلحة أولئك الأمراء، يدلسون هذا الجمهور، ويجازونه على إنخراطه في كل ما يمد الخرافة
بعناصر البقاء و الديناميكية و الديمومة.
و إذا كان أحد أبرز رموز الحقيقة المطلقة في عصرنا
الحاضر . . ألبرت
اينشتاين . . قد قال مرة . . نضغط على العقل ليفسح مجالا
للقلب! . . فإن أي أمير من أمراء الخرافة في
ديارنا لا يرد في باله دائماً سوى أن يضغط على العقل حتى يسد كل نافذة أو
أطلالة فيه على روافد الوعي المتجاوز للحاضر و المتعالي عند الإنسان، لكي يفسح
المجال كاملاً للوجدان الرومانسي المنذهل بتراجيديا الماضي، التواق لسفك الدم لكي يدوس بوطأته الثقيلة أي توق للروح للتحليق
. . و هكذا ينسحق القلب!
Intestine |
إن الخرافة تهرول، دون ريب، هذه ألأيام في شوارعنا، و قد إلتهمت بطريقها كل
ما يمت للحضارة بصلة بما تنشره من روح تشاؤمية بكائية نادبة لحظ الإنسان، و مهرولة
لنصرة الوهم بما تنشره من تحبيب لمشاهد البؤس على مبدئها القائل . . البؤساء هم أحباب الله، فكن بائسا يحبك
الله!
و تدب الخرافة في مدارسنا بين مقاعد الدرس، و قد إفترست عقول صغارنا كي تحيلهم بعد حين إلى معذبين لأجسادهم، أو إلى
أناسٍ يموتون من أجل شئ لا يعلمون كنهه، سوى وعد بفردوس ضائع يمنحهم مفتاحه دجال أو بائع أوهام!
و لم تتوانَ الخرافة عن تجوالها الحثيث في أروقة جامعاتنا، و قد تمادت في تسفيه
العلم و الإستخفاف بعقول أكاديميينا و كل ما يمت إلى العقل بصلة، و لا غرابة في أن
تحيل أحرام جامعاتنا إلى مجالس للندب و العويل و الكراهية، وهي ثقافة الناس الذين
في قاع المجتمع من شرائح رثة، بما ينشرونه من أباطيل، و بما يعلقونه على جدران
الكليات من أقاويل، بعد أن تلبَّس عدد غير قليل من التدريسيين لبوس عرّابي خرافات
متعددة يبثون الشر في لبوس خير . . يحدثك أحدهم مثلا في أطاروحته بلغة علمية رصينة
عن العالم العقلاني الفراهيدي و لكنه في اقبيته الخاصة يدعو لأشرً ما تأتي به
الخرافة . . و يحدثك آخر في أطروحته بلغة علمية مدهشة علم دلالات الكلمات بوصفها
إنعكاسا لواقع جاء محصلة لتطور تاريخي و لكنه هو الآخر لو إستمعت إليه في رواقه
الخاص لصدمت بأحاديثه عن الجنة و النار!
إن الخرافة التي تسري في أزقة مدننا ليست من ذاك النوع الذي تردده ألأمهات
عند الأمم ألأخرى على مسامع ألأطفال، حين يزِفُ موعد نومهم و إيوائهم الى الفراش،
كي تأتيهم بالأحلام السعيدة المغذية للعقل في خزينه اللاشعوري، و إنما هي خرافة
موت و موات لا تجلب للإنسان أثناء نومه سوى صور ألأكفان و الدم و التدليس و المدالسة،
و أخبار السرقات و الجرائم و الدم و الزنا الذي مارسه المسلمون عبر تاريخهم . . و
لا غرابة! . . فقد كان تاريخ الخرافة التي
حلت في ديارنا لا تفارقه منذ قرون طويلة، و بالتحديد منذ أول لبوس سياسي لهاس، هو
تاريخ الدم و الجريمة و القتل و السرقة . . فما العمل؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق