بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

كيف تعمل اللغة (2-1)


A Chapter from David Crystal’s HOW LANGUAGE WORKS (2-1)
Translated by: Ahmed Khalis Shalan
فصل من كتاب ديفيد كرستال . . كيف تعمل اللغة (2-1)
ترجمة:  أحمد خالص الشعلان
D. Crystal
How What Works
كيف تعمل الماهية
يشير عنوان هذا الكتاب الى أن "اللغة" هي موضوعه. و لكن ما الذي تعنيه مفردة "لغة"؟ . . . لنتأمل التعبيرات التالية:  
لغة الجسد  body language
لغة محكية spoken language
لغة مكتوبة   written language
لغة ألإشارة   sign language 
لغة الحاسوبcomputer language
لغة فرنسيةthe French language
لغة رديئةbad language
لغة الحيوانanimal language
لغة الطيور the language of birds  
لغة السينما the language of cinema 
لغة الموسيقى the language of music
لغة الحب the language of love

إنه لمن الواضح أن المفردة تستعمل بطرق عدة –  بعضها تقني و الآخر رمزي – و بذا تذهب معانيها الى إتجاهات متنوعة. إذا كان على المشاهد أن يلاحظ، بعد حضوره حفلة كونشرتو أوركسترالية  "أن المايسترو و الموسيقيين كانوا يعبرون باللغة نفسها"، قد نفسر ذلك على أنه تعليق عن الطريقة التي يعزفون بها، و ليس ما يتحدثون به. و يصح الأمر على المصطلحات اللغوية الأخرى المذكورة في أعلاه عندما يجري إستعمالها في مواضع خاصة. و لقد رأيت كتبا تحمل عناوين مثل "قواعد الطبخ" و "و قواعد الجنس". الأول هو ليس أكثر من وصفات طعام – مثلما هو حال الثاني. إن عنوانا مثل  . . كيف تعمل اللغة . . لا يكون عن الموسيقى، أو الطبخ، أو الجنس. لكنه عن الطريقة التي نتحدث بها عن الموسيقى، أو الطبخ، أو الجنس - أو بالتأكيد عن أي شئ كان. و إنه أيضا عن الكيفية التي نكتب بها عن هذه المواضيع، و إرسال رسائل ألكترونية عنها، و عن الحالات التي نستعمل بها إشارات اليد للحديث عنها. إن الكلمة الفعالة هنا هي "الكيفية". فهي شئ مالوف الى الحد الذي يتيح رؤية التأثير الفعال المشهود الذي تحدثه ردة فعلنا على ما نشاهده على شاشة التلفزيون بحيث نصيح قائلين "كيف قاموا بذلك؟". إنه ليس شيئا عجيبا جدا تماما أن نرى أناسا يتحدثون و يصغون و يقرؤون و يكتبون او يغنون. و مع ذلك، إذا حدث أن رأينا احدا يدفعنا الى إبداء علامات الأستغراب، فإنها دون ريب بسبب قدرة البشر على التحدث او الإستماع او الكتابة أو القراءة أو الإشارة.
إذا ما جاء أي زائر للأرض من خارجها قد يتساءل مستغربا عما يجري بيننا. فهو قد يرى البشر يقتربون من بعضهم، و يستعملون أفواههم لتبادل سلسلة من الضوضاء، ثم – من الواضح أنهم نتيجة للضوضاء التي يحدثونها– يتشاركون في القيام بفعالية ما. و قد يرى عيون البشر تنظر الى مجموعة من العلامات موضوعة على سطح ما، و تروح العين– يتصرف أصحابها على النحو نفسه –  لتنظر، مثلا، عبر باب معين لا عبر غيره في مسرح. و قد يرى، و إن بدرجة أقل غالبا ، بشرا يستعملون أيديهم  و وجوههم ليحصلوا على النتائج ذاتها التي حصلوا عليها من إستعمال أفواههم . قد يفكر هذا الزائر مع نفسه  في أية حالة من هذه الحالات "كيف قاموا بذلك؟". و قد يكون الجواب هو نفسه في كل حالة "عبر إستعمال اللغة".
و مع ذلك، فإن زائرنا هذا قد يلاحظ أيضا وجود أنواع أخرى من السلوك. . قد يرى البشر يبتسمون لبعضهم أو يقطبون جباههم على بعض أو يلوحون بأيديهم أو يومئون أو يضربون بعضهم أو يقبلون بعضهم. و قد يلاحظ أن التأثير الناتج من قيامهم  بأفعال من هذا النوع يشبه الى حد ما ذاك الفعل الناجم من إستعمالهم للضوضاء المحكية أو من العلامات المكتوبة أو الإشارات اليدوية. و قد يظن قائلا لنفسه "أليس بالإمكان أيضا تسمية كل هذه الأفعال لغة؟".
و قد يرى زائرنا هذا أيضا سلوكا مشابها لسلوك البشر عند أنواع بيولوجية أخرى. فهو قد يرى نحلة تجد في بحثها عن مصدر الرحيق، ثم تعود الى القفير لتؤدي سلسلة من الحركات الراقصة– تشبه حركات الجسد. ليرى بعد ذلك نحلات أخرى سرعان ما تنطلق الى مصادر الرحيق تلك. إن الحيوانات من جميع الأصناف قد تبدو لهذا الزائر و كأنها ترسل معلومات من بضعها الى بعض بوسائل مشابهة. فهل يعد هذا نوعا من السلوك مما يعده زائرنا الغريب مشابها للذي يعرضه البشر؟ . . و هل للحيوانات ما يعد حقا لغة؟

إن هذه الإسئلة تنطوي بأثر على مما يعد اشياءً ناشئة خارج الأرض إفتراضا. إن المشاهدين على الأرض هم أيضا بحاجة الى أن يكونوا قادرين على الإجابة على هذه الأسئلة، بوصفها مرحلة تمهيدية في دراسة اللغة. و إذا ما تناولنا كتيبا أسمه "كيف تعمل السيارات"، فنحن لا نتوقع أن نجد بين جنباته صفحات تتحدث عن الطريقة التي تعمل بها الدراجات او حاصدات العشب. و لا نجد أيضا في كتاب إسمه "كيف تعمل اللغة " صفحات مخصصة للطريقة التي تستعمل بها تعبيرات الوجه و حركات الجسد أو للطريقة التي تتصل بها الحيوانات مع بعضها. . . لم ذلك ؟

طرق الإتصال
و جميع طرق الإتصال  communication  هذه لا تعد لغة بالمفهوم الذي يتناولها بها هذا الكتاب. ذلك، لأن اللغة مفهوم أوسع بكثير من هذا، يشتمل على إنتقال و تسلم لأي نوع من المعلومات بين أي إثنين من الأحياء. و هي  تشكل بعدا هائلا من أبعاد البحث، يتعاطى مع قوالب الإتصال التي يستعملها البشر و الحيوانات بجميع أشكالها. و الذين  يدرسون السلوك عادة ما يسمون هذا البعد بـ"علم العلامات أو السيميائية  semiotics ". أما "علم اللغة  Linguistics" ما هو إلا فرع من علم العلامات هذا.
          ثمة خمسة أشكال للإتصال بين البشر، و ذلك لوجود خمسة حواس حسب عند الإنسان، بإمكانها أن تعمل بوصفها قنوات للإتصال و هي : الصوت  sound  و النظر  sight و اللمس touch  و الشم  smell و الذائقة  taste. و إذا ما كنت من المؤمنين بالتخاطر telepathy  فقد يكون عليك تمييز "حاسة سادسة" متاحة للإتصال؛ و  قد يكون ثمة أشكال أخرى  للحياة تتفاعل مع بعضها بأشكال أخرى للإتصال، من قبيل تلك المجالات غير المنظورة للطيف الكهرومغناطيسي. و لكننا هنا لا نحتاج الى أكثر من الأشكال الحسية التقليدية الخمس عند البشر لكي نتمكن من وضع موضوع هذا الكتاب في منظور أكثر شمولية.
         
إن المعلومات التي نرسلها و تلك التي نستلمها بإستعمال هذه الأشكال هي ما نسميها عادة "معنى" الإتصال. و لكن هذه الأشكال الخمس لا تعد متساوية في قدرتها على إرسال أو إستلام المعنى. و حقيقة الأمر إن إثنتين من هذه الأشكال لا تقوم بأي دور على الإطلاق عند البشر، و هما الشم olfactory  و الذائقة    gustatory. فنحن لسنا معتادين على إصدار روائح لغرض الإتصال بالآخر (على الرغم مما يقوم به بعض صغارنا بإصدارهم مثل هذه الروائح من بطون متطبلة).  و ثمة قدر محدود جدا من المعلومات التي نستلمها من العالم الخارجي عبر الوسطين اللذين تتحرك بهما حاستي الشم و الذائقة. و بالمقارنة بهما، يعد الصوت–الشكل السمعي/ الصوتي  auditory/vocal - عنصرا رئيسا في فكرة اللغة، بحيث أن الحديث عن خصائص هذا الشكل سيكون الجزء الأكبر من هذا الكتاب (ق 4)، و بإعتبار أن الكلام هو المظهر الأولي للغة في الثقافات جميعا.
         
و شكلي الإتصال اللمسي  tactile  و البصري  visual  يقعان في موضع ما بين هذين الطرفين. و غالبا ما يوصفان تقنيا على أنهما القناتين غير اللفظيتين non-verbal للإتصال، ذلك لأن الطريقة التي نستعمل بها تعابير الوجه أو الإيماءات أو اللمس غالبا ما تبدو و كأنها تتعارض مع الكلمات و الجمل التي توصف على أنها اللغة اللفظية. و مع ذلك فإن أشخاصا عاديين لا يتحدثون عن إتصال غير لفظي، و قد نسمعهم يتحدثون عن ما يسمى لغة الجسد body language.
         
فهل إن هذا الإستعمال لـمفردة "اللغة" هو الإستعمال ذاته لها حين نتحدث عن الكلام و الكتابة و الغناء أو عن الإنكليزية و الفرنسية و الصينية؟ . . و هل لا بد من تخصيص أقسام عديدة من هذا الكتاب لشرح الطريقة التي تعمل بها تعابير الوجه و الإيماءات اليدوية؟ . . إن الجواب هو "لا". و من أجل أن نفهم السبب علينا أن نتأمل بإختصار الإختلافات بين ما تشتمل عليه أشكال الإتصال غير اللفظية اللمسية و البصرية من جانب و اللغة من جانب آخر.  و سنرى أن هذه الإختلافات تمكننا أيضا من إهمال أشكال الإتصال عند الحيوانات، فضلا عن التطبيقات المجازية لهذا المصطلح. و سنتفرغ الى ثالوث الوسائل– الكلام و الكتابة و العلامة – التي تتجلى بها مفردة "اللغة".







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق