بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 13 أكتوبر 2016

فكرة غامضة عن الترجمة ... المترجم مطـيـرﭼـيـاً!

A vague notion of translation
The Translator as a Birds’ Domesticator
By Ahmed Khalis Shalan

فكرة غامضة عن الترجمة ...
                      ... المترجم مطـيـرﭼـيـاً!                                                             
أحمد خالص الشعلان



 لا أدري لـِمَ . . باتت تسيطر عليّ  في الآونة الأخيرة محاولة إجراء مقارنة بين "المترجم" و "المطيرجي" (مع الإعتذار للمطيرجية جميعا بوصفهم هواة للطبيعة، لأني هنا لا أقصد إستعمال مفردة "مطيرﭼـي" بتجميلاتها الشعبية الدارجة، و إنما لحاجتي في إيجاد تشابهٍ في الخواتيم بين أساليب هواة تربية الطيور في إقتناص الطيور الغريبة من جانب، و هي هواية جميلة، و أساليب المترجمين في إقتناص المعاني من جانب آخر!) . . ففي هذا البلد و بحكم التخلف الثقافي السائد فيه، صار فيه كل ما يمت الى الثقافة زائداً عن الحاجة والضرورة. و بذلك، إنسحب، بحكم هذا التخلف،  كل ما يمت الى الثقافة الى خانة الهواية ، بدل أن يرتقي الى مصاف الضرورة المعرفية . . و ثلما يقال . . فها هنا هو مربط الفرس، أنها الهواية ، هي ما يجمع بين "المطيرﭼـي"  و "المترجم"، بكل ما ينتج من سياقات و نتائج لهذه الهواية!
          و  مثلما يقبع  "المطيرجي" في أعلى السطوح طوال  صباحات و ظهاري و عصاري و أمسيات ليعتني بطيوره و يطلقها الى السماء، حين يكون الظرف مؤاتيا، طمعاً في أن يستدرج سرب طيوره طيرا من سرب غريب مجاور أو بعيد (هذا إذا لم يعد سربه هو نفسه الى صاحبه ناقصا طيرا!) . . و بذا، ما أن يسترج طيرا غريبا الى مسرحه سيغنمه و يذهب ليبيعه (و هذا قد لا يحصل إلا مرة  بعد مرور عشرات المرات خلال أسابيع عديدة من سياحة طيوره في الجو!) . . يبيعه بثمن بخس، دراهم معدودة، لا تسد رمقا، أو حتى و لو جزء يسيرا من ثمن العلف (الدُخن) الذي أطعمه لطيوره. و حال المترجم في هذا البلد، هاويا للاجدوى، لا يختلف عن هذا الحال . . فهو قد يقبع يوميا، لشهور عديدة، طيلة ساعات الصباح  و الظهر و العصر و المساء و أول الليل، و ربما آخره،  لكي ينجز ترجمة كتاب، يدوخ فيه مع أسراب و سرابات  المعاني، ثم ليدوخ بعده، عند إنجازه، في أوان إطلاق كتابه (وثمة هنا فرق في صالح المطيرﭼـي (و بالتأكيد ليس في صالح المترجم هو أنه عند إطلاقه لطيور كلماته لا يعلم أن كان الظرف مؤاتيا أو لا!) في البحث عن ناشر لمنتجه الثقافي . . و يروح ليدخل في قنوات عجيب أمرها، مستغرقا في رحلة تقتل النفس و تعيي البدن. و تكون حصيلته عندئذ، أما أنه يجد أن بصره و بصيرته كانا حسيرين عن إدراك الهوة السحيقة التي تغور بها الثقافة في هذا البلد، فتأخذه أوهام عن أيدٍ ستتلاقف كتابه لأهميته، و أما أن يجد ناشرا لا يجزيه أجره بأكثر من ثمن طير يخطفه "المطيرﭼـي" من أقرب المطيرﭼية إليه، بل و قد لا يسد هذا الثمن ما بذله المترجم من مصاريف على الورق المهدور و الوقت الضائع في التنضيد (عدا المصاريف التي راحت على القهوة و الشاي و الدخان إن لم تكن من عاداته قبل أن يضيع مستقبله و يصير مترجما!) . . و لكن، مع فارق آخر في صالح "المطيرجي" هو أن الآخير يعود بحكم العادة الى طيوره لتفرد له أجنحتها من جديد و تطير، فينسى همومه و هو يراها تمارس الحب و النزو، أما المترجم فيسقط طيره في هوة النسيان عنده قبل الآخرين!
... مرحى و طوبى لكم  أيها المترجمون!
 ... أيها المغامرون!
 فأنتم مثل الشعراء لا تعرفون الحدود و لا تعترفون بها، و تتحركون  مع قوس الأفق  في المحيط الفسيح . . و لكن لا تتوهموا . . فتتصورا أن هذا سيحصل في هذا البلد الأمين تحكمه و تتحكم به شلة من المتخلفين جمعهم كلهم من ذاك المهذار الي يسمونه . . القوي الأمين! . . و هو وضع يحيلكم آخر الأمر الى مفلسين!
تقدمت مرة، في عام 2004 ، بكتاب مترجم الى دار الشؤون الثقافية، لغرض نشره، و بعد إنتظار أشهر، رجع إليّ الكتاب مقرونا بتقرير عن تقييم للخبير الذي أحيل إليه الكتاب مكتوب بخط يده يشير الى أن الكتاب لا يصلح للنشر. و حين راجعت التصويبات، وجدتها جميعا تصويبات لا ترجمية، و إنما من نوع التصويبات اللغوية و الطباعية التي تمارس في مهنة تحرير الصحف و المجلات كل يوم  و يسمونها "تصحيحات لغوية". فنشرت مقالة آنذاك في جريدة الصباح عنوانها "في الترجمة . . من يقرر الصواب؟" ذكرت فيها أغلب تلك التصويبات المظنونة (التي لا يخلو منها كتاب أو مقالة أو بحث عند أعظم الكتاب طرا حتى و إن كانوا من الحاصلين على جائزة نوبل!) . . و تساءلت عن سبب غياب مرجعية للترجمة في هذا البلد! . . و عن سبب غياب تقاليد للترجمة في هذا البلد! . . و أيضا عن سبب غياب ما يسمى بآداب مهنة للترجمة في هذا البلد! . . و إكتشفت فيما بعد أن هذه الإسطوانة إياها صارت مملة عندي أنا لا عند غيري . . طالما كانت كلماتنا تذهب مع الريح للتحول الى صرخة في واد ليس ذي زرع عند بيوت الله المعظمة!
          و ليت أحد ثمة قد رد علي! . . أو علق على الأمر آنذاك أو حتى الآن! . . لا مديرية الشؤون الثقافية! . . و لا  الخبير! . . و لا هم يفرحون!
و إكتشفت  فيما بعد ايضا أن ذاك الخبير لم يكن خبيرا في الترجمة! . . و لا حتى مختصا في الترجمة! (أنا حامل ماجستير في الترجمة و هو حامل بكالوريوس لا علاقة له بعلوم أية لغة!) . . و لأن موضوع الكتاب ذاك كان في الفلسفة، أسكنته أرشيفي و أكتفيت، و سلمت أمري الى نفسي (لست من النوع الذي يسلم أموره الى إله أثول!)
أثمة من يلومني على هذه الهواية؟ . .  أنت على صواب!
 و مع ذلك ...
طوبى لكم أيها المترجمون . . فأنتم تعيشون في دار نخلة (مع الإعتذار للمتنبي)!  
. . و مرحى!

   


     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق