بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 1 أكتوبر 2016

An essay on culture concerns…
The Iraqi Culture: A Decade and So after the American Invention
Ahmed Khalis Shalan
 مقالة في الشان الثقافي ...
... الثقافة العراقية: عقد و نيف على الإحتلال الأمريكي
أحمد خالص الشعلان

ها نحن ذا نأتي مرة أخرى الى الهمِّ الذي يثير الشجن و الخلاف!
إذا أردنا أن نتحدث في الثقافة . . أية ثقافة نعني؟
أهي تلك التي تشير إليها مفردة . . ثقافة. . في المعاجم العربية؟
أم تلك التي تشير إليها مفردة . . ثقافة . . في معاجم غيرنا . . الإنكليزية مثلا، و أقصد ذاك المفهوم العام عن الثقافة الذي أتانا من الآخر  المختلف عنا، فصار عندنا هجينا و و مؤطرا و محدودا بما نسطره على الورق أو نرسمه على اللوحة أو نمثله على المسرح، أو نغنيه في أي مكان أردنا؟
إذا كنا نعني بهذا حال الثقافة الأخيرة . . فلا أحدَ ينكر أن تطورا هائلا حصل عند كتاب القصة و الرواية و ناظمي الشعر و كتاب المقالة،  بما توفر من مساحات للنشر بعد نيسان 2003 لعشرات، بل قل لمئات، الكتاب الذين أعدموا هذه الفرصة سابقا، على الرغم من أن العديدين منهم، بخاصة الشعراء، و لا أستثني آخرين في حقول أخرى من حقول الفن، بسبب إعتيادهم على تقديس رمزٍ ما . . أو صنم ما . . أو شخص ما تحول فجأة الى إله أو نصف إله متعال غير منظور . . أقول ما يزال أولئك يستمدون وحيهم من سلطة خفية تغذيها الخرافة، فصاروا يلوكون بدل إسم الدكتاتور السابق أسماء لا تـُنزِل الحقيقة و لا الأمل ما فيها من سلطان! . . هذا هو الحال إذا  اجتزأنا مفهوم . . الثقافة . . ليقتصر على تلك الحدود التي ذكرت . . أما إذا أردنا أن نأخذ . . الثقافة . . بمعناها الأوسع و الأشمل، لنعني بها كل ما يمت بصلة للجهد المعرفي، معنويا أو ماديا، الذي تمتلكه مجموعة بشرية، أو حالة تطور للوعي في مجتمع ما، لا أظن أن أحداً ذا نباهة يخاطر فيزعم، أو يدعي، بان تطورا من هذا النوع حصل . . ذلك، لأن تطورا من هذا النوع الخير له علاقة بالبنية التحتية للثقافة . .
-    فهل يغامر أحدٌ بأن يزعم وجود بنية تحتية للثقافة في مجتمع هذه الأيام في عراق اليوم  بعد أن إكتشفنا أن . . الديمقراطية . . طبقت في ديارنا منذ رحيل الدكتاتور، برأي كثيرين، على أساس أنها . . دينقراطية . . أحيانا، و على أساس أنها . . دَمّـُـقراطية . . في أحيان أخرى؟
. . سأترك الإجابة على هذا السؤال لكل لبيب رأى بأم عينه كيف تقوضت، بسبب ذلك النهج الدينقراطي و الدَمّـُـقراطي، البنية التحتية للثقافة في أهم حلقاتها الأساسية المسؤولة عن صياغة السلوك الثقافي عند الفرد . . و أقصد هنا المؤسسات التعليمية لجميع المراحل، بدءً من المرحلة الإبتدائية و حتى أعلى مراحل الدراسات العليا في الجامعات، التي كان يُشهَد لها بخواص نوعية قبل اربعة عقود و بمعايير ثقافية دولية . . إنحدار أبان الحقبة الدكتاتورية أعقبه إنحدار في حقبة حكومات الطوائف كان ألعن من الإنحدار السابق! . . فإذا كان ذاك الإنحدار قد مشى بالثقافة على درب الأحلام الأمبراطورية القومية و أوصلها الى حافة الهاوية، فهذا الإنحدار جرّ الثقافة الى الهاوية التي يقبع بها، بما تطبعه الطائفة من تخلف في الوعي و تعصب لأصنام الطائفة أحياءٍ و أمواتٍ . . لدرجة أن طالب الدراسات العليا في كثير من الأقسام العلمية في هذه الآونة مثلا لا يتلقى أكثر مما يتلقاه طالب متوسطة أربعة أو خمسة عقود كما و نوعا . . هذا ناهيك عن تحول . . الدينـُـقراطية . . ذاتها في في بعض أقسام المؤسسات الأكاديمية الى . . طائفـُـقراطية. و هكذا، إنغلقت غالبية مدارسنا و جامعاتنا على أكثر الرموز و الطقوس و الشعارات و المناهج  تخلفا و إنحطاطا . .
-         فأين يا ترى يكمن الخلل؟
-         أفي المعلم و طريقة إعداده؟
-     أفي النظام التربوي و إنحطاطه و تقهقره الى الخلف، لدرجة أن كتاتيب الماضي السحيق كانت أفضل منه؟
-    و هل يتجرأ أحدٌ و ينكر أن هذه المؤسسات هي التي من المفترض بها أن تمدنا بالكتاب و المبدعين . . و هي أيضا تمدنا  بالجمهور المتلقي للثقافة؟
-    فما هو المعيار الذي يمكن إعتماده  لكي نقرر فيما إذا كانت الثقافة عندنا قد تطورت أم لا منذ نيسان 2003؟
-    فهل يكفي  . . في بلد تعداده ثلاثين مليونا من البشر، أن تصدر طبعة من ألف نسخة (في أغلب الحيان تكون خمسمائة نسخة فقط) من أي ديوان للشعر . . أو أية رواية . . أو أية مجموعة قصص (و قد لا تنفذ جميعا في السوق!)  . . أو، مثلاً، أن يزور بضعة عشرات معرضا للفن التشكيلي؟ . . أو أن يحضر جمهور لا يتعدى عدده بضعة عشرات لمشاهدة مسرحية (لليلة واحدة فقط!)  . . لكي نقول بالتالي . . نحن مجتمع ذو ثقافة؟
إذا كانت الإجابة المتوقعة على هذا السؤال هي  . . نعم هذا يكفي! . . فهذا يعني من الناحية الموضوعية إن ما نسميه . . ثقافة . . في نواحينا هو في الواقع ليس أكثر من إجترار سقيم لما نقول و نكتب و نرسم و نمثل و نغني . . و ما يعني آخر الأمر أن منتجي . . الثقافة  . . (بالأطر التي عرضناها في أعلاه) هم أنفسهم مستهلكوها، و لا أحد غيرهم . . و هذا يعني بأن الشرط المادي الإقتصادي غائب عن صيرورة هذه الثقافة . . و هذا بالتالي لا يستقيم مع أية معادلة توضع فيها هذه الثقافة، سواء أكانت إقتصادية أو إجتماعية أو سياسية أو  حتى لو كانت هذه المعادلة "ثقافية" محض! . . و من هنا:
-    هل أخاطر، إستنادا على معايير ضابطة (من أي نوع قياسي كان) و ليست متغيرة، فأزعم بأننا نحن العراقيون الآن شعب بلا ثقافة؟
من عنده شك في كلامي . . ليقم بزيارة لقاعة إتحاد أدباء العراق في بغداد في أيام و ساعات جلساتها الثقافية كي يرى و يستفسر عما إذا كان جمهور القاعة يزداد جلسة بعد أخرى أو إذا كان من بين الحضور أناس من الطراز الذي يسمونه في الغرب . . ذواقة للفن  Aesthete أو يسمونه محب للفنون art lover، و المقصود هنا هو الجمهور غير الفنان الذي يستمتع بالنتج الفني لإرضاء حاجات روحية و معرفية و ذوقية . . يقرأ رواية لكي يتعلم منها درسا أو يرى لوحة لكي يحاول فك أسرارها أو يقرأ قصيدة لكي يعلق بذهنه منها بيتا يستشهد به حكمة أو برهانا عند الحاجة . .
-         ألدينا جمهور من هذا النوع؟
و من عنده شك في كلامي . . ليزر أية مدرسة إبتدائية في أي مكان في العراق (المدارس الحكومية بالذات!) أو متوسطة أو إعدادية أو أية كلية، لكي يتحقق من كلامي . .
-          أفي أية مدرسة أو كلية جمهور من هذا النوع؟
روائي يكتب لكي يقرأ زملاؤه الروائيون . . و شاعر ينظم لكي يقرا لشعراء من طينته و رسام يرسم لكي يتفرج الرسامون الآخرون على ما يرسم و يفلسفونه و كاتب مسرحي و معه مخرج  و ممثلاون يتربون لشهر لكي يقدموا عرضا لليلة واحدة (أنا لا أتحدث هنا بالطبع عن المسرحي الكوميدي المتهافت!) يكون جمهورها تسعين بالمائة من أناس لهم علاقة بالمسرح (معهم ذووهم ربما)! . . أهذا وضع سوي للثقافة؟ . . نستهلك ما ننتج! . . أين المعادلة التاريخية؟ . . أين المعادلة الإقتصادية؟ . . أين المعادلة الإجتماعية؟ . . أين المعادلة الذائقية taste؟ . . أرايتم في حياتكم طبيبا يصير طبيبا لكي يداوي الأطباء فقط، أو صادفتم مهندسا يـُصمم  بيوتا لزملائه المهندسين فقط؟ . . وهل سمعتم بسوق مغلق على نفسه يبيع فيه التجار لبعضهم بعضاً فقط؟ . . و هذا يذكرني أيضا بحكاية ذاك المعلم الدجال الذي كان يحدث تلامذته قائلا:
-         كل فعل حسن تفعله في هذه الدنيا سيمنحك الله مقابله نخلة في الجنة!
فسأله أحد التلامذة:
-          أتعني يا استاذ . . بأني لو فعلت خيرا مئات المرات سيكون عندي مئات النخيل في الجنة؟
-         أجل و كرم الله واسع؟
فعلق الصبي:
-          ألم تخبرنا بأن الجنة فيها كل شئ قطوفه دانية؟
-          أجل . . و الحمد لله!
-    لمن إذن سأبيع التمر الذي ساحصل عليه من مئات النخل الذي ساحصل عليه في الجنة؟  (و يضج التلامذة الصغار بالضحك!)

و نحن  الى متى ستستمر خيالاتنا عن جمهور وهمي للثقافة التي ننتجها . . و من هنا السؤال الاتي:
-     أين هو جمهورنا الذي نسوق له نتاجنا الثقافي؟ . . أم حفنة (عذرا لإستعمال مفردة "حفنة" لأن المثقفين هم ليس أكثر من حفنة وسط شعب يعدُّ ثلاثين مليونا!) المثقفين في هذا البلد سيصح عليهم نعت "غيتو ghetto" الذي كان يطلق على مجموعة السكان الفقراء المقطوعين عن باقس المجتمع في بلدان أوروبا منذ قرون؟
  أنا شخصيا لا أستبعد إطلاقا، بل و أكاد أؤمن بأن جمهور الثلاثين مليونا من العراقيين المؤمنين يعاملوننا و يحسبوننا كيانا منبوذا لا يختلف بشئ عن تلك الكيانات التي كانت تسمى "غيتو" . . و دليلي على ذلك أن حكومة الثلاثين مليون أولئك كانت تمنُّ على"غيتو المثقفين" بالمنحة سيئة الصيت بالطريقة نفسها التي كان الجمهور المحيط بغيتوات أوروبا يلقي بها الحسنات لبشر الغيتو! . . و أضيف دليلا آخر هو أن حكومة المؤمنين الحالية و السابقة كانت قد ساوت، في موضوع المنحة، بين المثقفين و دلّالات و نائحات الملاطم!
و فضلا عن ذلك . . لنتفرج على سلوك الباعة و المشترين . . أو لنتفرج على سلوك السائقين و الراكبين . . او لننظر و نتأمل في وضع أرصفتنا و شوارعنا . . هل في كل ذلك ما ينم على أن الجمهور الذي يفترض بنا ان نخاطبه بثقافتنا . . افيه ما يدل على أنه جمهور ذو ثقافة؟
قرأت، و ما أزال، أقرأ الكثير مما يكتب في هذا الصدد، لمثقفين احبهم و أقدر لهم إخلاصهم و تفانيهم من أجل قضية الثقافة، كلاما يسهب في التنظير. وأغلبه منقول من غرامشي، أو من توينبي، أو من بودريار، أو من أي كان .... . و مع ذلك، فكلاما من هذا النوع لا أظنه يفسد قضيتنا، و لكني لم أجد بينهم من يخبرنا لحد الآن ما الذي علينا أن نفعله، مثلا، إزاء ما كان يقوله التلامذة حين يصل المعلم في مدارسنا الى غرفة الدرس ردا على إيعاز مراقب الصف قائلا . . قيام!. . فيردون هاتفين . . عاش القائد صدام! . . و ظل التلامذة يكررونها لمدة قرنين من الزمان و هي حقبة ظلت فيها دروس الرسم و الموسيقى و الرياضة تمارس دورها المهني، مع فارق عما كانت عليه من قبل هو تسطيح و عي التلامذة في دروس الرسم و الموسيقى و الرياضة و تجييره لصالح الحرب التي دارت بين مؤمنَين أحدهما . . فارس أمة . . و الآخر . . إمام أمة . . و بعد إحتلال العراق ظل خطاب . . قيام! . . هو نفسه . . قيام . . و لكن الهتاف تغير الى . . عاش جيش الإمام! . . و مع فارق أضيف الى تسطيح الوعي هو الغياب الكامل لدروس الرسم و الموسيقى لأنها من المنكرات!
ألم يكن في الإمكان ابدع مما كان!
و لم يخبرنا أي من أولئك المتفوهين المثقفين أيضا . . ما الذي علينا أن نفعله إزاء عشرات آلاف الأماكن التي يجتمع فيها جمهور كي يتلقى فيها بإنتظام شحنا عاطفيا مما يعزز . . اللاثقافة . . فيعدون تلك . . اللاثقافة . . هي ثقافتهم الوحيدة بما يدور فيها من حكايات و أساطير عن كائنات شاعرية متعالية غير مرئية، بشرية و غير بشرية . . كلها يجري تصويرها معصومة من الزلل!
* * * * *                * * * * *                * * * * *
و من هنا . . إن تسنى لنا إعادة بناء البنية التحتية للثقافة، و لكي نضع المسألة في نصابها الصحيح . . علينا أن نعي بإن الثقافة التي ينتجها الروائيون والشعراء و التشكيليون و المسرحيون وما الى ذلك، إن لم تحقق إختراقا لجمهور محلي جاهل يعد الملايين و وعيه دون الصفر بمراحل، فإنها:
-     ستفقد بعدها الاقتصادي، بوصفها نشاطا ماديا يقوم به بشر مفترض بهم أن يكونوا منتجين، إذا لم تغط على الأقل كلف إنتاجها، و
-    ستفقد بعدها الاجتماعي  إذا ظل إنتشارها و تداولها مقتصرا على الناس الذين أنتجوها، و لم توفق في إيصال القيم المبثوثة فيها الى أناس العصر أو الحقبة التي أنتجتها، و 
-    ستفقد بعدها التنويري و التربوي أّن لم تفلح ، على نحو غير مباشر ، في إحداث نقلة في سلوك أولئك القراء المفترضين من خارج المجموعة التي أنتجتها يتمثل في تبني متلقيها للقيم الجمالية و التهذيبية في البيت و المدرسة و الشارع أو غيرها، و
-    ستفقد جوهرها الروحي إن لم تفلح بالإرتقاء بوعي عدد متزايد من الناس، ما يعني بعبارة أخرى، ما لم يجد جمهورا متلقيا كي تحوله الى متلقٍ متفاعل مع الثقافة، من نوع لا يدع يوما يمر دون معايشة منتج ثقافي و الإستمتاع به بما يجعله على إتصال مباشر بالمنتج الثقافي و  و يجعله على نحو خفي على صلة غير مباشرة مع غيره من كتلقي المنتج الثقافي، و أخيرا و ليس آخرا
-    ستفقد جوهرها الإنساني إن لم تفلح في تحقيق  تواصل أبدي مع معارف ثقافات أخرى و قيم روحية لجماعات أخرى.
و الآن . .  و قد تعرفنا على بعض من المتطلبات الإفتراضية التي لا بد من توفرها في اي سياق نطلق عليه مصطلح . . ثقافة . . فما هي السبل التي ستحقق الثقافة بوساطتها إختراقا لجمهورنا الجاهل؟
 للاجابة على سؤال هذا النوع لا بد من التحري عما قلته في أعلاه قبل محاولة إصدار حكم برأي متفائل أو قول متشائم! . . فما زلت أظن أننا إذا ما رجعنا الى معايير ضابطة موجودة عند مجتمعات أخرى، لا يمكن الجزم بوجود ثقافة بالمعنى الإيجابي التنويري، و أعني أن نتحدث عن ثقافة عراقية إلا مجازا!         

   



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق