بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

دراسة في تحليل السرد التطبيقي: دروب غير مطروقة

On Applied Narration Analysis …
                   ... Untrodden Roads                 
H. G. Widdowson … Translated by Ahmed Khalis Shalan

دراسة في تحليل السرد التطبيقي ...
                                 ... دروب غـيـر مـطــروقــة
ترجمة: أحمد خالص الشعلان
Widdowson
A. Kh. Shalan
إن واحدة من الصعوبات التي يواجهها مدرسو الأدب الذين يحاولون أن يزيدوا من إهتمام الطالب في القصائد الغنائية lyrics القصيرة، بخاصة أولئك المدرسون من الطراز التقليدي، هي أنهم غالبا ما لا يبدو إهتماما في، و لن نقول نتيجة إنصراف تام عن، موضوع إعادة صياغة محتوى المادة الأدبية. إن كل من النثر الروائي prose fiction و المسرحية drama و الشعر السردي  narrative poetry يقدم لنا شيئا يستحق الإهتمام من طريق الشخوص و الأحداث. و أنهم بذلك يخبروننا حكاية، من نوع تحتفظ بدلالتها حتى لو أعددنا عنها مختصرا أو موجزا أو ترجمناها الى لغة أخرى. غير أن القصائد الغنائية هي، من الناحية الفعلية، النوع الأدبي الذي لا يستفيد من هذه الناحية، لدرجة أنه إذا ما حاول المرء أن يختصرها، أو يختصر محتواها، فإنه سيجدها تتحلل الى لا شئ تقريبا . . جلست على شاطئ البحر يملؤني شعور بالتعاسة. . أصغيت الى العندليب و أنا أفكر بطباع الناس . . منظر البجعات في الماء يجعلني أعود الى الزمن العابر.
و عادة ما تعالج القصيدة الغنائية مواضيع شائعة أو تفاهات أو بديهيات، من نوع إذا ما إستعملناه بأي صيغة من الصيغ الأخرى للغة لوجدناه عموما لا يستحق منا تفكيرا أو تعليقا. و الشاعر عادة ما يزعم لنا وجود دلالة ما في موقف شخصي تـۥرك دون إعلان عنه، بخاصة إذا ما كان للموقف محتوى إفتراضيا من الممكن، مثلا، التعبير عنه بإتفاق يأتي من خلال الحوار. و حينئذ قد تكون ردة الفعل المرجحة هي  من نوع: "ثم ماذا؟ So what?". و ردة الفعل هذه هي ما يعني بالضبط بأن القصائد الغنائية هي التي، دون غيرها، تثير الإهتمام في دروس الأدب، و التي على معلم الأدب التعامل معها، بحذر.
أريد هنا أن أقترح طريقة قد يستطيع بها المرء معارضة ردة فعل من نوع "ثم ماذا؟"، و تحويلها بالتأكيد الى مزية تعليمية pedagogic advantage. و ذلك، من طريق التفكير بالطريقة التي  يستطيع بها المرء التعاطي مع قصيدة كتبها ودزورث Wordsworth ، لكونها بخاصة، نوعا من قصيدة بالإمكان أن تكون عرضة لتهمة "لا عاقبة لها inconsequence". و القصيدة المعنية هي واحدة من القصائد  المسماة قصائد  "لوسي Lucy"، و تحديدا القصيدة المعنونة "سكنت وسط الدروب غير المطروقة She dwelt among th' untrodden ways". و قبل التعاطي مع هذه القصيدة، دعونا، من ناحية أخرى، نوضح نوع الصعوبة الماثلة أمامنا، و هي من الصعوبات المزمنة في التعاطي مع الشعر الغنائي. و هي صعوبة سأقوم، قبل الخوض في تفاصيلها، بإحالة الى قصيدة أخرى كتبها ودزورث عنوانها "سيمون لي Simon Lee".
إن الأبيات الخمسين الأولى من هذه القصيدة (المكتوبة بمقاطع نظمية من ثمان أبيات) مكرسة لوصف تفصيلي لهذا الشخص الذي يحمل عنوان القصيدة إسمه. و بهذا الوصف يجري تزويدنا بمعلومات عن مظهره، و عن فعالياته المبهجة صيادا في شبابه، ثم عن إنتكاسته الى الفاقة، و الى إنهياره في آواخر عمره. ثم يتبع ذلك فجأة إنتقالة، من وصف لركبة الرجل العجوز المسكين "سيمون لي" الوارمة، ثم الى إدراك مفاجئ مفاده إن على القارئ أن يتوقع ما ينطوي عليه الوصف التفصيلي من دلالة:
لم يتبق في جعبة حياته سوى أشهر بضعة
هذا ما سيخبرك به هو
بأن الوضع، مهما فعل، تزداد
ركبته الضعيفة إنتفاخا.
يا قارئي الفهيم، أحاول أن أتصور
صبرك عليّ و أنت متلهف،
و ما أخشاه، أنك تتوقع
سماع حكاية من نوع ما.
Few months of life has he in store
As he to you will tell,
For still, the more he works, the more
Do his weak ankle swell.
My gentle Reader, I perceive
How patiently you've waited,
And now I fear that you expect
Some tale will be related

حسنا، لنقل، و بصراحة نقول نعم. و مع أن ذاك قد لا يبدو توقعا لا سائغة فيه، كوننا ننتظر شيئا، ربما سيأتي بما يضفي طابعا على للوصف المتوقع لـ"سيمون لي". و إن الموضوع جرى التأسيس له تأسيسا جيدا و حقيقيا، و بلغة متعارف عليها conventional في عملية نقل المعلومات: كأن يكون القارئ متوقعا وصول تعليق من نوع ما. و لكننا في الواقع سنكون عرضة لخيبة الأمل، لأن القصيدة تتواصل على النحو التالي:

          يا قارئي! أراسخ في بالك
          خزين يفصح عن أفكار صامتة
          يا قارئي الفهيم! قد تجد
حكاية في كل شئ.
          فما أريد قوله بإيجاز،
و لا بد من التفكر به مليا و هو
ألا حكاية هناك؛ فعليك إذن أن تفكر
ربما بالحكاية التي ستحيكها أنت.
O Reader! Had you in your mind
Such stores as silent thoughts can bring,
O gentle reader! You would find
A tale in everything.
What more I have to say is short,
And you must kindly take it:
There is no tale; but should you think,
Perhaps a tale you'll make it.

دعونا نقول إن هذا كله يسير سيرا حسنا، و لكن عند القارئ الفهيم قد يتوفر سبب للرفض (كأن لا يكون غير مسلح بفواصل apostrophes الجمع او الإضافة أو الحذف، و الإحتكامات appeals للفهامة). هذا لأنك أنت الشاعر، و لست أنا. فلم عليّ أن أتبنى دورك في إكتشاف الدلالة لنفسي في أفكار صامتة silent thoughts؟ و إن كنت أمتلك مثل هذه المـٙلٙكٙة، لن أحتاج كل هذا الوصف المقدم ليّ عن سيمون لي، لأني أنا الذي سأكون قادرا على نظم قصيدتي أنا، بالتفكير (صامتا) بأي شئ تقع عليه اليد، من قبيل جدول سير القطارات، أو إرشادات التعامل مع الحريق،  أو ما يحمله ظهر بطاقة الباص. و مع ذلك، فلكي تعطي وصفا من النوع الذي في البال، عليك أن تضمـن وصفك إحتكاما ما لدلالة معينة، و بأنك غير قادر على التخلي عن مسؤولية تأصيلها عند القارئ. و ليكن، و حتى إن كان لدينا هنا هذا الصياد العجوز، متداعيا و مريضا و فقيرا. ثم ماذا؟
إن مشكلة "سيمون لي" هي أن ودزورث يقوم بوضع توقعات لأثر سردي narrative consequence كان هو قد أخفق على النحو المطلوب في إشباعه. و مع ذلك، فثمة طرق لتجنب حصول مثل هذه التوقعات. و ها هنا نأتي الى قصيدة أريد أن نتأملها بالتفصيل، و هي قصيدة "سكنت وسط الدروب غير المطروقة She dwelt among th'untrodden ways". و كان ودزورث قد كتب هذه القصيدة بسنة بعد كتابته لقصيدة "سيمون لي". و بذا نستطيع الإفتراض بأن الشاعر كان خلال تلك السنة قد أمتلك ناصية أكبر من فن الشعر.  و تجري القصيدة كالآتي:
            She dwelt among the'untrodden ways
            Besides the springs of Dove,
            A maid whom there were none to praise
And very few to love.

A violet by a mossy stone
Half-hidden from the eye!
-Fair as a star, when only one
Is shining in the sky.

She lived unknown, and few could know
When Lucy ceased to be;
But she is in her grave, and oh,
The difference to me.

سكنت وسط الدروب غير المطروقة
قرب ينابيع دوف
صبية، ما من أحد هناك ليطريها
و قلة من يحبونها.

بنفسجة عند صخرة مكسوة بالطحلب
عن الرائي نصف متوارية
صافية كنجمة، حين لا يكون سوى نجمة واحدة
تنير في السماء.

عاشت مجهولة، معروفة لقلة من الناس
حين ماتت لوسي
و هي الآن في قبرها، يا لخيبتي،
هذا هو المفارق عندي!

و ها نحن قد علمنا للتو بأن هذه القصيدة هي عن "لوسي"، مثلما كانت القصيدة السابقة عن "سيمون لي". و في الحالتين نحن معنيين بهما بإعتبارهما قصيدتين ذاتي دلالة بسبب "كينونتهما what they are"، و ليس بسبب "فعلهما what they do". 
و لكن  في حالة قصيدة "لوسي"، فإن التوقع السردي narrative expectation جرى تجنبه. فنحن نرى بأن البيتين الأولين يظهران سلسلة من التعبيرات التي يناقض بعضها البعض الآخر. و بذا، يتأسس نوع من الثبات fixity، الغاية منه الإمساك عن التقدم الى الأمام. لذا، نرى القصيدة و كأنها تقف ساكنة، لتركز الإنتباه على طبيعة الإرتباطات المتعارضة. و من هنا، فإن الأسئلة المثارة هنا لن تكون من قبيل:
-         "ما الذي فعلته الصبية؟ What did the maid do?
-         "ما الذي جرى لها؟ what happened to her?
-         "ما الذي تمثله؟ What does she represent?
-    "ما هي طبيعة هذه التوازنات resemblances  التي تؤشرها التعارضات appositions، و ما هي الغاية significance من المقارنات؟".
إن القصيدة تستدعي هنا نوعا من إستجابة قد تجري إستثارتها بوساطة لوحة رسم لشخصية portrait و ليس بوساطة قصة story. فهي تتطلب إذن دقة في التأمل. و إن الفرق بين التركيز السكوني، الباحث عن دلالة في تمثل representation حالة معينة من الوجود، بوصفها مفارقة للخاصية السردية البارزة، التي تبحث لها عن دلالة في العلاقة الديناميكية بين الأحداث events. و بالإمكان عرض هذا الفرق بإقلاب المقطع الأول من القصيدة، لكي نقرؤها كما يلي:
         
A maid whom there were no one to praise
And very few to love
Dwelt among th'untrodden ways
Besides the springs of Dove.

          صبية موجودة حيث لا أحد يطريها
          و قلة يحبونها
          سكنت وسط الدروب غير المطروقة
بجانب ينابع دوف[1]  

و ها هو القارئ قد توقع "بالفعل" سماع حكاية ذات علاقة من نوعما. و ها نحن نستطيع  الإفتراض بأن الموضع الذي ذۥكرت به هذه الشخصية ليس أساسيا، لأنه هي بالذات تمثل أي ملمح يخطر بالبال عن شاغل داخلي ذي خصوصية. و هذا الشاغل ينتقل من الكينونة being الى الفعل action، و من الحالة state الى الحدث event. و بذا نرى، بأن موضوع غياب من يطريها، و قلة من يحبونها، كان قد جرى تقديمه لنا  بوصفه معلومة مسلم بها، و هذ المعلومة تؤخذ مقرؤة دون أي مزيد من التوضيح. و تقوم منظومة قواعد اللغة syntax هنا بعكس تبعيتها للشاغل السردي narrative interest. و عند المتابعة إنطلاقا من نسخة القصيدة، بعد إعادة ترتيب أبياتها، سيبدو لنا البيت الثاني عندها نافرا جدا، طالما كان بإمكانه قطع الحركة السريدية و الإمساك بها، و هكذا سيـۥلزم القارئ بإجراء تغيير في مزاجه، فحوا إنتقال من القيام بتفسير إسقاطي projective الى تفسير تركيزي focusing، من أجل إدراك دلالة التعارضات appositions. و الإستجابة لمطلب الانتقال في المنظور هذا تنتج دون ريب لا بد أن تحمل نوعا من التحريف distortion.
           
  إذن، إن المسألة العامة التي أريد أن أوضحها هنا هي إن القصائد الغنائية، و التي تندرج بينها قصيدة ودزورث هذه، قد يجري التعاطي معها على أنها نموذجا تمثيليا، لنوع يعتمد، في إحداثه للتأثير المطلوب، على توضيح سكوني static لتصورات و أفكار من التي لا تستحق إهتماما، و على أنها بالتأكيد تفاهة يشير عدم تكرارها الى إيجابية من نوع ما، بخاصة حين يجري تقليصها الى مصطلحات متعارف عليها من طريق إعادة الترتيب أو إعادة الصياغة paraphrase. و مثلما يظهر لنا، يبدو أن ما تقوم به مثل هذه القصائد هو، إذا جاز لنا القول، إستكشاف بعد ثالث في العمق، من نقطة ثبات معلومة، و تتحول هذه القصائد، بهذا المعنى، أساسا إلى تعبيرات منمذجة paradigmatic، لا تؤسس لإرتباطات تسلسلية، و تصبح بالضرورة تعبيرات من نوع لا يترك أثرا، بخاصة حين تـۥطرح بصيغة تعبيرات ليست بالتأكيد هي التعبيرات التي في النص الأصل. و بذا تكون مجازية metaphorical بخاصتها الأساسية الطبيعية.
إن المشكلة في تدريس الأدب هي كيفية إقناع الطلبة المعتادين على معرفة الدلالة بلغة التسلسل السردي، و بلغة الأثر الذي تتركه المقولات، من أجل تبني منظور مختلف  لرؤية الدلالة  في إرتباطات البعد الثالث، الذي تمثله القصائد الغنائية. و بما أن الإرتباطات المجازية غالبا ما تكون تكون بطبيعتها غير متعارف عليها unconventional و فريدة من نوعها، في سياقات شعرية ذات خصوصية، فإن هذا و بالضرورة سيتطلب إنتباها لنوع اللغة المستعملة، و التي من خلالها يجري تمثيل تلك الإرتباطات. و كل قصيدة، إذا أخذت بهذا المعنى، ستقتفي، في جانبها اللغوي، أثرا لأية دروب غير مطروقة.

أريد الآن أن أوضح، بطريقة ليست لها علاقة بالسياقات القياسية للغة، كيف يكون بمقدور المرء توجيه الطلاب للإقرار بالدلالة الإرتباطية في حالة قصيدة "لوسي" التي نحن بصددها.  إن الخطوة الأولى هي الإعتراف بعدم قدرة المحتوى على إحداث أثر من طريق تقديم (أو تشجيع الطلاب على تقديم) إعادة صياغة للمحتوى بلغة متعارف عليها conventional. ما يعني، إعادة صياغة ما يبدو لنا غير واضح أو غامض، من أجل الإمساك بالفكرة باللغة الإصطلاحية المتعارف عليها. و حينئذ قد تمسي لنا نسخة من المقطع الأول للقصيدة معادة الصياغة، مثلا، على النحو التالي:

عاشت بنت مرة في مكان قصي قرب منبع نهر يسمى "دوف". و ما من أحد أثنى عليها و كانت محبوبة من من قلة من الناس.   

سيكون بالإمكان عندئذ دعوة طلبة الصف الى المشاركة في إكتشاف الفروقات بين نسختي النص. و تقودهم في هذا حكمة المعلم الكامنة المعتادة. و قد تكون مناقشات من هذا القبيل متوقعة، من أجل للوصول الى ملاحظات من النوع التالي:
-         إستبدال الضمير "She" بعبارة "بنت ما A girl".
لربما نجد هذا الإستبدال أكثر تقبلا. و لكن، لم لا بد أن يكون الأمر على هذا النحو؟ و لم لربما يظهر الأمر غير مستساغ إذا بدأنا بضمير الغائب لإفتتاح القصيدة على النحو التالي: "هي عاشت في مكان قصي"؟ نحن هنا نحاول الوصول الى إستنباط رأي مفاده أن إستعمال ضمير الغائب يفترض وجود معرفة مسبقة بالشخص المشار إليه بالضمير، و واضح في هذه الحالة أنه ليس الشخص المظنون. و بذا تكون النتيجة تشويشا: هي؟ هي من؟ و إذا واصلنا القراءة، سنكتشف بأن ضمير الغائب يشير الى "صبية maid" (البيت رقم 1) و على نحو أكثر تحديدا "لوسيLucy " (البيت رقم 3). و هكذا يجري تدريجيا التعرف على الشخص المشار إليه. و لكن، بالطبع، سيكون هذا إقلابا للنهج المعتاد في التعرف على الشخص المشار إليه بالأثر. فنحن عادة ما نتوقع ظهور "لوسي" الأسم العلم، ليظهر من بعده ضمير الغائب "هي" ليشير الى المرجع "لوسي" فيما يلي. إن إستعمال ضمير الغائب لتأسيس مرجع reference قد يضع للقصيدة منذ البداية مفتاحا غير متعارف عليه، و قد يمثل فورا الشخص على نحو يثير الفضول و يضعه في  زاوية غريبة تثير البلبلة. ذلك، لأننا لو أشرنا لها بالضمير "هي"، فهذا يعني بأننا ضمّنّا ما يشير الى معرفة القارئ بها، مع أن القارئ، في الوقت نفسه، لا يمكن بالطبع أن يكون على معرفة بها. و عدا ذلك، لقد جرى إخبارنا و بوضوح تام (في ابيت رقم 3) بأنها "عاشت مجهولة she lived unknown". و هكذا، ففي المقطع الأول جرى إخبارنا أنها عاشت و لم يجرِ إخبارنا من كانت. ما يعني أنها كانت متموضعة و ليست معرّفة. ما يعني بالتالي أنها، إذا جاز  القول، كان لها موضع سكن و ليس إسما. و بذا،  فثمة تلميح من نوع ما إليها منذ البداية.
-         إعادة كتابة مفردة "صبية Maid" بصيغة "بنت girl".
و ها هنا سيجري إستبدال مصطلح حديث غير معلـّم بآخر معلـّم ولكن إستعماله بات مندرسا. فهل ثمة شئ سيفقد بمثل هذا الإستبدال؟ في هذه المرحلة قد يجري إطلاع  الطلاب على مدخل مفردة "صبية maid" في القاموس. و هذه المفردة تظهر لنا في مختصر أكسفورد Short Oxford ما يلي:

Maid: (1) a girl; a young (unmarried) woman. (2) a virgin;
                  Specifically of the Virgin Mary
     صبية: (1) بنت؛ إمرأة شابة (غير متزوجة). (2) عذراء؛ بخاصة مريم العذراء
        

إن ما يميز مفردة "صبية maid" و يصنع فارقا محددا بينها و مفردة "بنت girl" هو أنها تحمل تضمينات دينية، و بذا تلمّح الى إرتباط من نوع ما بين ضمير الغائب "هي she" و مريم العذراء.
-         مفردة "سكنت Dwelt" تـۥصبح "عاشت lived".
ها هنا مرة أخرى لدينا مصطلح إندرس أستعماله يجري إستبداله بمصطلح حديث. و مرة أخرى نعود الى مرجعنا لنجد مدخلا في قاموس ما ليكشف لنا بأن شيئا ما ضاع منا في مجرى العملية. فالتعريفات التالية الدقيقة تظهر لنا، مثلا، في قاموس أكسفورد للمتعلمين المتقدمين Oxford Advanced Learner's Dictionary for of Current English (OALDCE):

live: (1) have existence as a plant or animal (2) make one's
 home; reside
يعيش: (1) يصير له وجود سواء أكان نباتا أو حيوانا (2) يتخذ له سكنا؛ يقيم

إن هذا الفارق المميز بين معنيين لمفردة "يعيش live"، واحد له علاقة بالوجود و آخر له علاقة بالسكن، و يشار إليه قاموسيا في العديد من اللغات (في الفرنسية vivrelhabiter، و في الألمانية lebenlowhnen) غالبا ما يتأثر عند إستبداله بمفردة "سكنت dwelt"، التي تحمل في طياتها المعنى الذي له علاقة بالسكن فقط. فهل يهم هذا؟ و الجواب هو: قد يهم. و هل ثمة مكان آخر في القصيدة تظهر به مفردة "يعيش live"؟ أجل، في مبتدى المقطع الثالث. و ما الذي تنطوي عليه من معنى؟ مثلما هو واضح فإن المعنى الذي تنطوي عليه له علاقة بالسكن. ها هنا نرى بوضوح بأن إنتباه الطلاب قد ينشدّ الى حقيقة أن "سكنت dwelt" و "عاشت lived" تظهران بنيويا كونهما تعبيرين متوازيين في مبتدى المقطعين الأول و الثالث على التوالي:
She dwelt among th'untrodden ways ……
She lived unknown ……
سكنت وسط الدروب غير المطروقة ..........
عاشت مجهولة ............

لذا، قد يكون المرء على صواب حين يظن بوجود تكافؤ من نوع ما، أو تشابه من نوع ما، في المعنى، جرى تضمينه هنا من خلال تشابه في البنية الغوية، و أيضا بوجود دلالة في معنى القصيدة يتمثل بالفرق المميز بين مفردتي "سكنت dwelt" و "عاشت lived".
-         "وسط الدروب غير المطروقة Among th'untrodden ways" تـۥصبح "مكان قصي  a remote place".
هل بإمكان إعادة الصياغة هنا الإمساك بالمعنى مثلما ورد في الأصل؟ و إلى أي نوع من الطريق تشير هنا مفردة "دروب ways"؟ أتشير مثلا ربما الى "ممرات pathways"؟ مثلما يرد في قاموس (OALDCE) المار ذكره:

ways made (across fields, through woods, etc.) by people
walking.
   
دروب يصنعها الناس (في الحقول و الغابات، إلى آخره . . .) بمشيّهم عليها.

و لكن هذه الدروب "غير مطروقة untrodden". فهل يعني هذا بأنها لم يجر طرقها بعد من قبل البشر بمشيّهم عليها؟ إذا كان الأمر كذلك، إنها إذن ليس من الممكن على الإطلاق أن تكون تعريفا لدروب بهذا المعنى المراد بالقصيدة. و بمعنى آخر، فإن "غير مطروقة untrodden" قد تعني "لم تعد مطروقة، و لا أحد يمر عليها not trodden any more, unfrequented"، و لا تعني "دروبا مصنوعة بالمسير عليها not made by being trodden". لكن هذا قد يجلب لنا غموضا آخر من نوع: لمٙ لمْ تٙعـۥد هذه الدروب مطروقة؟ هل كانت هذه الصبية آخر المتبقين في مكان كان سابقا مأهولا، و إذا صح هذا، ما الذي حصل لكل الناس الذين سكنوه؟ أو ربما كانت قد أقصيت الى هذا المكان لوازع ما، و ما عادت تلك الدروب مطروقة لأنها تقيم هناك؟ و متى حصل ذاك الإقصاء؟  و لِمٙ، و في أي الحالات، يجب أن تستحق إطراء؟ من تكون، و ما الذي فعلته، ما سبب وحدتها و إطراءها؟ و لِمٙ يتعدى الأمر الى أنه حتى القلة الذين أحبوها لم يطروها أيضا؟
و ها نحن، لا نفتقر لما تزودنا به إعادة الصياغة فحسب، فتاة تعيش وحيدة عند نهر، و إنما أيضا أمامنا مخلوقة غامضة، لسنا متأكدين من إمكانية رؤيتها بوساطة تعبيرات في نص القصيدة الأصلي. هذا، لأنها عصيـﱠة الى حد الإستحالة، و عصيـة على التوضيح. و صحيح أنها مرتبطة بالوحدة و الإطراء، إلا أن هذا يحصل دون سبب واضح: لأن خاصتي وضعها هاتين تبدو لنا دفينة، و كأنهما خاصيتان طبيعيتان، و كأنهما شطر من وجودها. و بالدليل الموجود في المقطع الثاني من القصيدة، فهي على حد سواء نصف متوارية بوصفها بنفسجة، و هو ما  يضعها على تناقض مع إمكانية رؤيتها صافية بوضوح كأنها نجمة؛ ما يعني أنها من الناحية الطبيعية تقيم على الأرض، و لكنها في الوقت نفسه تقيم في السماء؛ و بذا فهي تتمتع بخاصيتي الوجود و الإقامة على نحو من إزدواجية. حسنا، ما نوع الصورة التي تـۥستدعى هنا الى الذهن، محمولة في الذهن بتضمينات لمفردة "صبية maid"؟، و لنلاحظ أيضا التعبير "ينابيع دوف springs of Dove". و ما الذي تعرف عليه الناس بخصوص ما ترمز إليه مفردة "حمامة dove"؟ دعونا نقرأ مدخلا آخر في قاموس ((OALDCE:
                
          
        dove: kind of pigeon; symbol of peace
          حمامة: نوع من الفاختة؛ رمز للسلام

-    غيّر "ينابيع دوف the springs of Dove" الى "ينابع السلام the springs of Peace". و لنر ما الذي يوحيه لنا هذا التغيير.
و لنلاحظ قبلا إن مفردة "حمامة dove" تختلف صوتا و تهجئة عن مفردة "حب love" إلا في الصوت الصحيح consonant الأول: "ينابيع دوف the springs of Dove"-- "ينابيع الحب the springs of love". ثمة إرتباطات هنا ما يجعل معنيي مفردة "ينابيع springs" يندمجان (الماء النابع من الأرض/ يسبب الوجود)، و تندمج أيضا مفردة "حمامة Dove" و مفردة "سلام Peace" رمزيا و مفردة "حمامة Dove" و مفردة "حب Love" بالتماثل الصوتي و شكليهما كتابة.

و هكذا بالإمكان الإستنتاج بأن النسخة المعادة الصياغة نستطيع إستعمالها لجلب الإنتباه الى الخواص اللغوية الخاصة، التي ينطوي عليها النص الأصلي، بما يحمله من تضمينات محتملة. و نتيجة لهذا، فإن المحتوى الواضح البساطة يصبح معقدا. و نرى أيضا بأن التناقضات و التعارضات تندمج كلها في البعد الثالث للإرتباطات المجازية، بحيث تـۥرى بوصفها تناظرات، على مستوى مختلف من الدلالة، فتتعداها الى العلاقات التي تـۥدرك من خلال الحدث و الشخوص بسرد تسلسلي.

و قد نسمع إعتراضا هنا مفاده أن الملاحظات التي أبديتها هنا، فإفتراض وجود مساهمة دارس أدب، كونها ملاحظات فيها تعقيد مبالغ فيه قد لا يستند أشاء متخيلة لها علاقة لها بالحقائق. و مع ذلك، فهذا لن يضر شيئا. ليست غايتي من هذه الدراسة هي تقديم تفسير شامل (حتى لو كان هذا الإحتمال متاحا)، و إنما غايتي هي لوضع شروط يستطيع طلاب الأدب وقتما شاؤا و أينما شاؤا في بوضع تفسيراتهم الخاصة، التي تشير الى نوع من تساؤل عن المعنى، يحتاجونه لمواجهة رد فعل من نوع "ثم ماذا؟"، بما يساعدهم على إقتفاء دروب غير مطروقة للقصيدة السردية. و ذلك من خلال إدراك إرتباطات دلالية تقع ما وراء المحتوى المعادة صياغته.      

 
                        





[1] "Dove" هو إسم علم و تعني "الحمامة" 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق