بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 14 أكتوبر 2016

مقالة في حرية الصحافة... حـــيادية جريدة الصباح


An essay on journalism's freedom …
                   … Al-Sabah Journal’s Neutralism
Ahmed Khalis Shalan
(published in Al-Sabah Journal- Feb. 2006) 
 مقالة في حرية الصحافة ...
                     ... حـــيادية جريدة الصباح
احمد خالص الشعلان
(منشور في جريدة الصباح – شباط 2006)


            في عدد الخميس الموافق 26 كانون الثاني 2006 من جريدة الصباح يقول جهاد زاير . . بأن المطلوب من الصباح أن تكون . . حيادية . . و تمنى للصباح في هذا العدد أن ترقى الى مستوى الإذاعة البريطانية BBC في موضوعيتها وجرأتها.
          أولاً . . هل حقا أن الـBBC  حيادية حقاً، أم أنهم هناك يوهمونا بحياديتهم حين يسربون لنا أحيانا نقدا لمجتمعهم و عملهم، ناهيك عن إنحياز قسمهم العربي تقريبا بسبب معتقدات العاملين فيه القومية العربية و الدينية الأسلامية الطائفية!
          و ثانياً . . ما ماهية . . الحيادية . . التي عناها جهاد زاير و ما شكله؟ . . أتعني تلك الماهية ضمنا . . ألا تقول الصباح شيئاً يغضب أحداً؟
          إذا كان جهاد زاير يعني ذلك . . فإنه بذلك يعني ألا تقول الصباح شيئاً و تكتفي بالدوران حول عموميات لا تغني و لكنها قد تغث دور الصباح في طموحها لكي تغدو المنبر الإعلامي الممثل للسلطة المعنوية للدولة العراقية الذي لايخشى سلطة حكومة أو اية جهة خارج الحكومة، سواء أكانت ديناً أو طائفة أو قومية أو علمانية في الحكومة أو في المعارضة (هذا إن كان في هذه البقاع معارضة من النوع المتعارف عليه في قاموس السياسة)، و سواء \اكانت هذه القوة أغلبية أو أقلية.
          إن واحدة من أخطائنا القاتلة، نحن الشرقيين، هي الحديث بعمومية والنأي قدر الإمكان عن تسمية الأشياء بأسمائها . . وقد دفعنا لقاء عموميتنا، التي لا تختلف عن الأمية بشئ، أثماناً باهضة مانزال حتى اللحظة تلاحق أجيالنا تلامذةً، لا نعي الدرس أو نفهمه . . و بإختصار لسنا تلامذة من النوع النجيب، لا للزمان و لا للمكان!
         
و لا بد أن نتذكر هنا طيب الذكر . . بورقيبة . . (سياسيا فذاً يقرأ السطور و ما بين السطور و ما وراء السطور!) . . الذي نصح العرب يوماً، أبان خمسينات القرن الماضي . . أن يتفاوضوا مع إسرائيل و ينشئوا دولة فلسطين على الأرض التي صارت بالقرار الأممي لتقسيم فلسطين من نصيب العرب! . . هذا الرجل الذي سمى الأشياء بإسمائها نعته العرب آنذاك ـبكل ما يمتلكون من سماجة و غباء إنساني و سفاهة دينية . . نعتوه بــ . . الخائن . . فكان رده على ذاك ما يعني . . إرسفوا في غيكم وَ عيّكم أيها العرب و المسلمين . . فباريس إذن هي إقرب إلىَّ مكة!
         
و الشئ بالشئ يـُذكر! . . لينظر اللبيب الى حال الفلسطينيين و معهم العرب . . و صنونهم المسلمين . . و ما حصل بعد مرور نصف قرن ونيف على حديث ذاك الحكيم الذي اسمه بورقيبة . . حكيم لسبب بسيط و هو أنه كان يعرف   أن الخرائط ليست مقدسة . . و لا جغرافية البلدان . . و لا هوى الحاكمين . . و لا هو المحكومين!
         
و طيب الذكر الآخر هو أنور السادات الذي شتمناه يوماً في ثمانينيات القرن الماضي . . و كان لعراق دكتاتور البعث ىنذاك دورٌ في تاليب الناس عليه في مؤتمر عقد في بغداد لحكام دول لا يطاعون لأنهم لا راي لهم! . . لِمَ حل تلك الوقاحة التي جوبـِهَ به السادات؟ . . لأنه هو الاخر سمى الأشياء بأسمائها حين قال . . بإن تسعاً و تسعين بالمئة من أوراق اللعب في قضية الشرق الأوسط موجودة في الجيب الأمريكي، و ليس في جيبِ غيره، فخرجت له لتقتله ثلة من المؤمنين الذين آمنو بربهم فزادهم هدى! . . و لو كانت هذه الثلة بقيت حتى اليوم لوجدناها في معسكر الزرقاوي، أو اي معسكر شبيه محسوب على حزب الله اللباني أو على حماس الفلسطينية . . تخطط لتناول عشاءً مقدساً في واحدة من السماوات السبع!
         
و الشئ بالشئ يذكر مرة اخرى . . لينظر الإنسان الآن مرة أخرى الى حال العرب الذين لم يستوعبوا هذا الدرس البليغ . . فأردوا الرجل الحكيم قتيلاً مكابرةً وغباءً!
         
أعود الى تسؤالي الأساس . . ما الذي يعنيه جهاد زاير بكلمة . . حيادية؟  
أيعني بأن الصباح على إستعداد بدافع من حياديـتـ"ــها" أو "جرأتــ"ــها" أن تنشر مقالات لأناس يسمون الأشياء بأسمائها . . أعني أناساً لديهم الجرأة أن يقولوا على أفواههم إن مشاكل مثل شحة المياه في المنطقة، قد تسبب مستقبلاً، و لربما المستقبل القريب، و ليس البعيد، حروباً و جروحاً دامية لا بين إسرائيل و جيرانها العرب . . بل، لربما بين العرب أنفسهم من جانب، و بينهم و ما سترفرزه خارطة الشرق الوسط الجديد من مكونات جغرافية جديدة من جانب آخر . . و هو ما يـُعدَّ من أهم كثيراً و أخطر الى أبعد مدى من مشكلة عودة القدس للفلسطينيين؟
         
و إذا أردنا ان نكون أحرص على الإلتصاق بقضايانا العراقية . . فهل يعني ذلك أن . . جريدة الصباح . . ستكون، أو هي الآن، على إستعداد، بدافع من ذاك الحياد أن تنشر آراءً لأناس هم من الجرأة، بسبب فيضان كيل التجاوزات على الحقوق الطبيعية للناس، ان يسموا الأشياء بإسمائها . . و يقولوا مثلاً بأن أحرام الجامعات ماعادت منابر للعلم بل منابر لأمراء الطوائف دون استثناءٍ و من أصناف شتى . . و بأننا إستبدلنا خرافة البعث بخرافات متعددة على عدد المعممين المـُــقلدين؟ . .
أللصباح مثل هذه الجرأة؟ . .
أعني أن تكون بهذه الصراحةِ دون خشية من أن يسمي احدٌ ما هذه .. صراحتها هذه  . . وقاحةً! . . أو أن تقول الصباح مثلاً و بمنتهى . . الحيادية . . بأن الخلاف السياسي في عراق الحاضر هو في جـُـــــلـــِّهِ خلاف على قسمة السَرقة، و ليس خلافاً على الوسائل التي ينهض بها البلد من غفوة الموت هذه، و دون إستثناء أحد . . و إلا فكيف سيُفسر جهاد زاير إقرار جمعية وطنية و قبل أي شئ آخر لقرارات تمكن أعضائها من جني المكاسب في بلد ما يزال أطفاله يبحثون عن لقمة خبز في براميل القمامة، و تحولت مستشفياته الى موئل للصفقات المريبة، و تحولت أغلب مدارسه الى أماكن لا تمنح لطالب أكثر مما كان يمنحه . .الملا . . أيام زمان!
 و أعضاء الجمعية الوطنية غير المحترمين أولئك ما أن تلتقي بأحد من غالبيتهم حتى يروح يتمثل بقول علي بن ابي طالب . . اللهم إكفنِ شر الحمراء والصفراء! . . أو بقوله . . ما أبقى لي الحق من صاحب! . هن و عبارات أخوات لهن صرن أناشيد السرقة و الدجل و الزنى و الجريمة!
          هلا سعيت . . يا جهاد . . الى نشر تعليقي هذا على موضوعك . . حيادية الصباح! . . لكي تثبت لي بإنك حقاً جاهد"ــتً" من أجل هذه . . الحيادية . . تمشياً مع القول الدارج  . . من جهز غازياً فقد غزا!

          عزيزي جهاد . . يا إبن زاير! . . أقولها لك (و لم يعد هذا سراً!) . . لا يمكن أن يتحول العراق . . في وضعه الفاشل الحالي . . الى ديمقراطية حرة تضمن للصباح، أو لغيرها من الصحف، حيادية إيجابية . . و إن السماح لأمراء الطوائف والتساهل معهم و السكوت عن ممارساتهم سيقوض الأمل . . أي أمل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق