بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 14 أكتوبر 2016

في السياسة ... فصل مترجم من كتاب مارك لايلا الموسوم "الإله المولود ميتاً: الدين و السياسة و الغرب الحديث"

On politics …a chapter from Mark Lilla’s
The Stillborn God: Religion, Politics and the Modern West
Translated by: Ahmed Khalis Shalan

 في السياسة ... فصل مترجم من كتاب مارك لايلا الموسوم
الإله المولود ميتاً: الدين و السياسة و الغرب الحديث
ترجمة: احمد خالص الشعلان
Mark Lilla
A. Kh. Shalan
(مارك لايلا هو أستاذ الإنسانيات في جامعة كولومبيا. و هذه  المقالة مأخوذة من كتابه الموسوم :
الإله المولود ميتا: الدين و السياسة في الغرب الحديث
The Stillborn God: Religion, Politics and the Modern West
 و كان المفكر الشهيد كامل شياع قد بعث اليّ بهذه المقالة بالبريد الالكتروني قبل إغتياله بثلاثة شهور، لكي أقرأها، ثم إقترح عليّ فيما بعد عند لقاءنا ترجمتها، فوعدته بذلك. و بسبب إنشغالي لم أحقق له ما أراد قبل أن تطاله يد الإجرام الديني. و ليتني فعلت ذلك و هو حي، و إلا لما صارت ترجمتها دين له عليّ. و ها إني أتحرر من هذا الدين! - المترجم -)
 God Politics تدابير الإله السياسية

1 - و ستسود إرادة الإله  The Will of God Will Prevail

و هكذا جرى تأجيل سقوط الأوثان . .
فلحقبة إمتدت لأكثر من قرنين من الزمان، منذ الثورتين الأمريكية و الفرنسية، و حتى إنهيار الشيوعية السوفيتية، ظلت التدابير السياسية العالمية تدور حول المشكلات السياسية البارزة، من قبيل: الحرب و الثورة، الطبقة و العدالة الإجتماعية، العرق و الهوية الوطنية –  فتلك هي المسائل التي كانت تسبب الإنقسام بين البشر. و بما إننا نجد أنفسنا في هذه اللحظة عالقين بصراعات  تنافسية تخص الوحي، و النقاء الدوغمائي و الواجبات السماوية،  فنحن نقترب اليوم من مشكلات تشبه من جديد تلك المشكلات التي عانينا منها في القرن السادس عشر. و نحن في الغرب يلـُّم بنا حالياً  إضطراب و إرتباك. فعلى الرغم من أننا لنا أولوياتنا، إلا أنها مبهمة، لدرجة أن الأفكار اللاهوتية ما تزال تثير فينا حمى المسيحية، بما يحيل المجتمعات الى خراب. و كنا سابقاً قد إفترضنا أن هذا لم يعد ممكنا، لأن البشر قد يكونوا لربما حفظوا الدرس بضرورة فصل المسائل الدينية عن تلك التي تخص السياسة، و بأن التعصب قد مات و إلى الأبد .  . و لكن يبدو أننا لم نكن في هذا الأمر على صواب!
          و إليكم مثالاً عن ذلك  . . في مايس من العام الماضي، أرسل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد رسالة مفتوحة الى الرئيس جورج دبليو بوش، فترجمت و نشرت في صحف في جميع انحاء العالم. تناولت تلك الرسالة التدابير السياسية المعاصرة و ما تحمل من لغة تعبر عن الوحي الإلهي تتكرر فيها مؤاساة إبتهاليه مرفوعة ضد التدابير السياسية الأمريكية، سواء أكانت حقيقية أو من بنات الخيال. فقد كتب أحمدي نجاد قائلاً: "لو كان النبي ابراهيم، أو إسحاق، أو يعقوب، أو إسماعيل، أو يوسف، أو يسوع المسيح  (عليه السلام) يعيش بين ظهرانينا هذه الأيام، كيف كان سيحكم على سلوك من هذا النوع؟" و ليس في هذا نوع من إشكال بلاغي. ثم يواصل أحمدي نجاد قائلا: "كنت قد علمت أن سيادتك تتبع تعاليم يسوع (عليه السلام)، و تؤمن بالوعد الإلهي الخاص بدور الناس الصالحين على ألأرض"، ثم يمضي مذكراً صنوه المؤمن بوش: "فتبعاً للآيات السماوية، نحن دُعينا جميعاً لنعبد إلهاً واحداً، و نتبع تعاليم الأنبياء السماويين."، ثم يأتي هنا الى دعوة من نوع  تلك التي تقال عند مذبح الكنيسة، و يطالب بها الرئيس الأمريكي لجعل أفعاله تتطابق مع ما جاء بهذه الآيات السماوية. لتأتي بعدها نبوءة مبطنة بالتهديد: "إن الليبرالية و النهج الغربي في الديمقراطية ما عادا قادرين على المساعدة في تحقيق المثل العليا للإنسانية. فاليوم، نشهد إخفاق هذين المفهومين. و أولئك الناس المعروفين بالحصافة بإمكانهم أن يسمعوا الآن أصوات إنحدار و إنهيار إيديولوجيا الأنظمة الديمقراطية الليبرالية و أفكارها . . و سواء أكنا راغبين به أو لا، أن العالم ينجذب تجاه الأيمان بالخالق القدير و العدالة، و إن إرادة الإله ستسود على الأشياء جميعا."
          ما هذه اللغة إلا لغة اللاهوت السياسي . . الذي ظل لآلاف من السنين يعد اللغة الوحيدة التي يعرفها البشر للتعبير عن أفكارهم في حياتهم السياسية. و هو خطاب بدائي، إلا أنه معاصر أيضا. فملايين لا عد لها من البشر ما زالوا يسعون وراء تحقيق المطلب القديم في جعل الحياة الإنسانية بأكملها تحت سلطة الرب. و لهم في ما يسعون إليه أسبابا مبطنة. فلأجل أن نفهم ما يريدون، لن نحتاج لأكثر من تفسير لغة اللاهوت السياسي - و مع ذلك، فهو أمرٌ وجدناه من أصعب الأمور. إن قراءة رسالة من نوع الرسالة التي بعث بها أحمدي نجاد تجعل المرء يصاب بخرسٍ شبيه بذاك الذي أصيب به أولئك المنقبون و هم يقفون لأول وهلة أمام نصوص مكتوبة بالهيروغليفية.
          و المشكلة في الواقع هي مشكلتنا نحن و ليست مشكلته . .
فمنذ أكثر بقليل من قرنين من الزمان، بدأنا بالإيمان بأن الغرب سائر على طريق ذي وجهة واحدة، هي الديمقراطية العلمانية الحديثة، و بأن المجتمعات الأخرى، بمجرد أن نضعها على هذا الطريق، ستتبعنا في ذلك حتما. و على الرغم من أن هذا لم يحصل، ما زلنا نحافظ على إيماننا الضمني بعملية التحديث، و ملقين باللوم عادة على توانٍ في العمل على التخفيف من مشكلات من قبيل الفقر و الإستعمار. و هذا الافتراض هو بالذات ما يساهم في صياغة الكيفية التي ننظر بها الى اللاهوت السياسي، بخاصة في صيغته الإسلامية – بوصفه صيغة تتمثل بالعودة الى السلف تتطلب تحليلاً سيكولوجياً أو سيسيولوجيا، و ليس إنكبابا فكريا جادا على الموضوع. فالإسلاميون، حتى لو كنا نفهمهم على أنهم إحترافيون، يبدون لنا لأول وهلة و كأنهم محبطون، في مجتمعات لاعقلانية، لا أكثر. و نعيش نحن، إن جاز القول، على الشاطئ الآخر. و حين نراقب أولئك الموجودين في الجهة المقابلة، تصيبنا الحيرة، طالما كنا ذوي ذاكرة باردة ميالة للتفكير بما يفعلونه. و نحن جميعا نواجه الأسئلة ذاتها عن الكيانات السياسية، و مع ذلك، فقد باتت طريقة الإجابة على تلك الأسئلة غريبةً علينا. فعلى أحد الشاطئين يجري تصور المؤسسات السياسية بلغة السلطة السماوية و الإنعتاق الروحي؛ في حين يجري الأمر على العكس من هذا على الشاطئ ألآخر. و هذا هو، مثلما عبر عنه الشاعر روبرت فروست Robert Frost، ما يشكل الاختلاف برمته.
          إن فهم هذا الإختلاف هو المهمة الفكرية و السياسية الأكثر إلحاحا في هذا الوقت و لكن . . من أين علينا أن نبدأ؟ إن قضية الإسلام المعاصر هي ما يشغل عقل كل الناس، على الرغم من أنها تتلون بالغضب و الجهل الى حد الإصابة بالشلل. فكل ما نسمعه نحن هو أصوات غريبة تدفع بإتجاه القيام بأفعال يصعب توصيفها. و إذا كنا نأمل بتصدع القواعد التي يقوم عليها اللاهوت السياسي و نحوه، يبدو أن علينا أن نبتدئ  بإنفسنا. إن تاريخ اللاهوت السياسي في الغرب له حكاية تنير لنا الدرب، و لم تنته تلك الحكاية بميلاد العلم الحديث، أو بحركة التنوير، أو بالثورتين الأمريكية و الفرنسية، أو بأية لحظة تاريخية مميزة من أي نوع كانت. فلقد كان للاهوت السياسي حضورا فاعلا في الحياة الفكرية الغربية أبان القرن العشرين، في أي وقت يتيح له إسقاط طرق التفكير الخاصة بالعصور الوسطى و إيجاد دواع محدثة لنشدان الإلهام السياسي من بين دفتي الإنجيل. و لقد عبر هذا اللاهوت السياسي، في البداية، عن نظرة متنورة ظاهريا. فرحب بها أولئك الذين رغبوا بشدة بوجود ديمقراطية ليبرالية. إلا أن ما حصل، أثناء ما تلا الحرب العالمية الأولى من عقابيل، هو أن هذه النظرة إتخذت لها لفتة رؤيوية apocalyptic، و تشوف . . بشر جدد . . الى معانقة المستقبل. و ذلك، بالشروع في توليد مسوغات لاهوتية لأيديولوجيات العصر الأكثر إثارة للنفور – و الإلحاد – من قبيل النازية و الشيوعية.
          هذه الحكاية هي الأقل إثارة للأعصاب . . لأنها حكاية تثير أسئلة عميقة حول هشاشة نظرتنا الحديثة. فحتى الديمقراطيات الأكثر رصانة و نجاحا، بما إحتشدت به من المتدينين المتحضرين و ذوي المبادئ السامية، قد أثبتت عدم حصانتها ضد المسيحية السياسية و تبريراتها اللاهوتية. فإذا كنا قادرين على فهم الطريقة التي صار بها ذلك الأمر ممكنا في الغرب المتقدم، و إذا كان بمقدورنا سماع  صوت اللاهوت السياسي و هو يتحدث بلسان أشد سفورا، متمثلا بأناس يلبسون ثيابا مألوفة و يحملون اسماء إعتدنا عليها، سيكون لربما بإمكاننا، اذن، أن نذكّر أنفسنا بالصورة التي يبدو لنا عليها العالم من وجهة نظر اللاهوت السياسي. و قد تكون هذه خطوة متواضعة تجاه معرفة حجم التحدي الذي نواجهه، و تحديد الكيفية التي يجب علينا أن نرد بها على التحديات.

2– الطلاق العظيم  The Great Separation   
لِمَ أصلا يوجد لاهوت سياسي؟
نجد هذا السؤال و قد ظل يتردد على طول تاريخ الفكر الغربي، بدءً بالإغريق و قدامى الرومان، و يستمر منحدرا حتى يومنا هذا. و لقد وضعت نظريات عديدة لتفسير هذا الأمر، بخاصة من لدن أولئك الذين يرتابون بوجود أي دافع ديني. و مع ذلك، فثمة القليلون ممن يدركون عقلانية اللاهوت السياسي أو يجازفون في الدخول الى منطقه. إن اللاهوت هو، في آخر الأمر، جملة من الأسباب يبتدعها الناس لأنفسهم  عن الطريقة التي تبدو لهم عليها الأشياء، و عن النحو الذي لا بد أن تكون عليه تلك ألأشياء. لذا، دعونا نحاول أن نتخيل كيف يتسنى لهذه الأسباب أن تنشغل بالإله، و تجد لها في الوقت نفسه تطبيقات في التدابير السياسية.
          لنتصور أولئك البشر الذين أصبحوا مدركين لأنفسهم لأول مرة في حياتهم في عالم ليس هو من صنعهم. فعالمهم له أصول مجهولة عندهم و يسلك سلوكا من نمط منتظم.  لذا، فهم يتساءلون لِمَ يبدو لهم هذا العالم على هذا النحو. و هم يعلمون أن الأشياء التي يشكلونها بانفسهم تسلك سلوكا بالإمكان التنبؤ به. ذلك، لأن هذه الأشياء كانوا قد تصوروها بانفسهم، و ركـَّبوها بإنفسهم، على هدي غاية في خاطرهم . . فعندما يشدون على القوس، ينطلق السهم؛ و هذا هو السبب الذي صنع لأجله القوس و النشابة. و هكذا، و من طريق المناظرة، لم يكن صعبا عليهم إفتراض أن النظام الذي يسود الكون كان قد وضع لغاية ما، تعكس إرادة هذا الصانع . . و بإتباعهم لنهج المناظرة هذا، كانوا يشرعون في جني أفكار عن الصانع، و عن مقاصده، و بالنتيجة عن شخصه.
          و بالقيام بهذه الخطوات القصيرة القليلة . . يجد ذهن الإنسان نفسه أزاء صورة، صورة لاهوتية يشكل فيها  الإله، و الإنسان، و العالم سلسلة من الأشياء المترابطة. فالمتدينون لهم أسبابهم في الإعتقاد أنهم يعيشون ضمن هذه الرابطة، على النحو ذاته الذي يجدون فيه دواعي  للتسليم بأن هذه الرابطة تقدم لهم مرشدا في الحياة السياسية. و لكن . . أما الوجهة التي يجب أن يفهم بها هذا المرشد، و فيما إذا كان المتدينون يظنونه ذا سلطة، ستعتمد على الكيفية التي سيتصورون بها الاله. فإذا ما جرى تصور الإله  سلبا، بوصفه قوة صامتة تشبه السماء، لا شيء محددا سيتبع ذلك. فيصبح هو على أنه هذه الفرضية التي نستطيع العيش بدونها. و لكن، إذا ما ظهر على نحو جاد إن فكرة الإله تجلت لنا على أنه كائن مليء بالمقاصد، و إن النظام الكوني هو محصلة لتلك المقاصد، فإن أشياء كثيرة ستترتب حينئذ على تلك المقاصد. إن مقاصد إله من هذا النوع توحي بشيء ليس بمقدور الإنسان أن يحيط به إحاطة كاملة بقواه العقلية الخاصة. و بذا، يصبح هذا الوحي المصدر لسلطته الآمرة، على الطبيعة و علينا. و حينئذ، لن يكون لنا سوى خيار واحد هو طاعته، و تفهم فكرة أن خططه  لا بد أن يأخذ أحد ما على عاتقه تنفيذ هذه الخطط على الأرض. و هنا يدخل اللاهوت السياسي الحلبة ليؤدي دوره في هذا الزعم.
          إن واحدا من عناصر الجذب الفعالة التي يتمتع بها اللاهوت السياسي، أيا كان شكله، هو شموليتهcomprehensiveness . فهو يقدم طريقة للتفكير عن المنحى الذي  تأخذه شؤون البشر. و ذلك، بربطه تلك الأفكار بأفكار متعالية عن الوجود و الإله، و عن بنية الكون، و عن جوهر الروح، و عن أصل الأشياء، و عن نهاية الزمان. و لأكثر من ألف عام، ظل الغرب يستلهم الوحي من الصورة المسيحية عن الثالوث المقدس، و هو يتحكم بكون مخلوق، و يقود البشر من طريق الوحي، و الإيمان الداخلي و النظام الطبيعي.   كانت تلك الصورة  مهيبة، أتاحت الفرصة لإزدهار حضارة عظيمة و مؤثرة. غير أن الصورة كانت دائما عصية على  ترجمتها لاهوتيا بصيغة سياسية؛ الصورة  التي تعني أن الإله الأب قد أعطى الوصايا العشر، و أوصل لنا المخلص، و كلفه بإعادة تفسيرهما، و بعد ذلك رحيلهما؛ بحيث بتنا الآن نرى أن الروح القدس لم يترك لنا أكثر من مجرد حضور قدسي شبحي. و لم يكن واضحا تماما ماهية الدروس السياسية التي كان علينا إستقائها من كل هذا . . فهل كان على المسيحيين أن ينسحبوا من عالم مفسد كان قد تخلى عنه المخلص من قبل؟ . . و هل كانوا قد أستدعوا ليحكموا المدينة الأرضية بالكنيسة و الدولة على حد سواء، بإلهام من الروح القدس؟ أم أنهم كانوا متوقعاً منهم بناء قدس Jerusalem جديدة تمهد لعودة المسيح؟
           كان المسيحيون قد إنشغلوا بمناقشة هذه المسائل طيلة العصور الوسطى. و كانت مدينة الإنسان قد وضعت أزاء مدينة الإله، و وُضِعت المواطنة العامة إزاء التقوى الخاصة، و وُضِع حق الملوك الإلهي إزاء حق المقاومة، و سلطة الكنيسة إزاء التناقض في القوانين، و قانون الشربعة إزاء العرفانية الباطنية، و السيف العلماني إزاء تاج الأسقف الإكليريكي، و الأمير إزاء الإمبراطور، و الإمبراطور إزاء البابا، و البابا إزاء المجامع الكنسية . . و لقد كان الإحساس بالأزمة أبان العصور الوسطى المتأخرة  صريحا، لدرجة أن الكنيسة الرومانية كانت قد أدركت آنذاك أن مجيء الإصلاحات أمر لا ريب فيه. و مع ذلك، و بمجيء القرن السادس عشر، لم يكن ثمة عالم مسيحي موحد (والفضل هنا يعود الى مارتن لوثر و جون كالفن) يقوم بعملية الإصلاح، و إنما تشكيلة منوعة من الكنائس و الطوائف، أغلبها متحالف مع القواعد العلمانية تحالفا مطلقا نتيجة شغف كل منها لتعزيز إستقلاله. و لقد هيأت الإختلافات العقائدية التي إنفرزت من الحروب الدينية، التي أعقبت هذه الحقبة،  دعما مفرطا للطموحات السياسية، و العكس صحيح، في دائرة فساد إمتدت لحوالي قرن و نصف من الزمان. و بذلك، جرى إفساد المسيحيين بالأحلام  الرؤيوية، و هي تصطاد المسيحيين و تقتلهم بغضب الإهتياج الديني، الذي كان يوما ما موجها ضد المسلمين و اليهود و الهراطقة . . و ذاك العصر كان عصر الجنون بحق!
          حاول الفيلسوف الإنكليزي ثوماس هوبز Thomas Hobbes  إيجاد طريقة للخروج من هذه المتاهة. و كان اللاهوت السياسي قد قام بتفسير مجموعة من الأوامر الإلهية الموحى بها  تقليديا،  محاولا تطبيقها على حياة المجتمع. ففي مقالته الشهيرة الموسومة . . ليفياثانLeviathan  . . (ليفياثان هو وحش بحري يرمز الى الشر في  الانجيل – المترجم)، تجاهل هوبز تماما جوهر تلك الأوامر الالهية، و عوضا عن ذلك  تحدث عن السبب و الكيفية التي إعتقد بها البشر أن الإله يوحي لهم. و يكون بذا قد إجترح شيئا ثوريا لم يجترحه أحد من قبل قط – لأنه حوّل موضع الحديث من الإله وأوامره الى الإنسان و معتقداته. و إذا ما فعلنا ذلك، يفسر هوبز الأمر موضحا، فإننا سنكون قادرين على الشروع بفهم السبب الذي يجعل القناعات الدينية تؤدي في الغالب الى صراعات سياسية. و هكذا، لربما، تجد هذه القناعات الطريق ممهدا لظهور أي عنف كامن.
          لقد خلقت الأزمة المعاصرة في العالم الغربي المسيحي جمهورا للفيلسوف هوبز و أفكاره. ففي منتصف الحرب الدينية بدى رأيه القائل أن العقل البشري بالغ الضعف و تتحكم به العواطف لدرجة أنه لا يصلح لتقديم أية معرفة جديرة بالتصديق عما هو إلهي، على أنه صادر من فطرته السليمة. لأن هذا الرأي يمدنا أيضا بما يكفي للإفتراض أن الإنسان حين يتحدث عن الإله، فإنه في الواقع يشير بذلك الى خبرته الشخصية، التي هي كل معرفته. و مع ذلك . . ما الذي تتميز به في الغالب خبرته  هذه؟ عند هوبز، إنها تتميز بالخوف. فحالة الإنسان الطبيعية هو أن يكون مأخوذا بالقلق، "لأن قلبه يحفر فيه طيلة اليوم الخوف من الموت، و الفاقة، أو أي نوع آخر من أنواع البؤس"، و هو "لا يستكين، و لا يتوقف عن قلقه إلا في الوقت الذي ياوي فيه الى السرير".  . و ليس من العجب بعدئذ، أن يصوغ البشر أوثانا تحميهم مما يخافون منه أشد الخوف، بحيث أنهم يبدأون بإضفاء قوى إلهية حتى على . . "رجال، أو نساء، او على طير او تمساح، أو عجل، أو كلب، او أفعى، أو على بَصـَلة، أو على عود كراث". . و هذا شيء يثير الشفقة، و لكنه مفهوم عندنا تمام الفهم.
          و لا تتوقف آليات الإيمان الواهنة هذه عند هذا الحد . .
فبمجرد أن نتصور وجود إله كلي القدرة في حمايتنا، تتهيأ لنا فرص ان نبدأ نحن جميعا أيضا بالخشية منه. و لكن مهلا! . . ما الذي يحصل غن غضب هذا الال؟ و كيف سنرتضيه؟  . . يعتقد هوبز إن هذه المخاوف الدينية هي التي خلقت أسواقا للكهنة و الأنبياء يروجون بها بضاعتهم التي يزعمون فيها أنهم هم لوحدهم يفهمون المطالب الغامضة للإله. و لقد كانت هذه السوق أجـَّشة الصوت في عصر هوبز، و فيها أكشاك للرومان الكاثوليك، و الإنجيليكانيين، و اللوثريين، و الكالفنيين، و القائلين بتجديد العمادAnabaptists ، و أصحاب الرعدة Quakers ، و المنمقين Ranters ، و المغليتونيينmuggletonians ، و رجال دولة الإيمان، و آخرون لا عد لهم، كل سائر على طريقه للخلاص، الذي أضحى مخطط العمل العام  للمجتمع المسيحي برمته. و لقد إختلف كل من أولئك مع الآخرين كلهم. و لأن أروحهم هم بالذات كانت هي التي يجري عليها الرهان، فقد قاتل كل منهم حتى الرمق الأخير، مما قاد هذا الى حروب، أدت هي بدورها الى مزيد من الخوف . . الخوف الذي بدوره جعل الناس أكثر تدينا!
و  الحروب التي كانت تشن بأسم الدين كانت ما تزال طرية في ذاكرتهم. فقد عرف قراء هوبز كل شيء عن الخوف. و لقد أصبحت حياتهم، مثلما يصورها هو، "منزوية عن الناس، و ضئيلة القيمة، و بغيضة، و بهيمية، و قصيرة". و عندما أعلن أن فلسفة سياسية جديدة بإمكانها أن تحررهم من الخوف، أصغوا لكلماته. و هكذا، زرع  هوبز بذرة و فكرة من النوع الذي هيَّأ إمكانية بناء مؤسسات سياسية شرعية دون إستنادها على الوحي الإلهي.  و كان يعلم جيداً أنه من المستحيل نقض الإعتقاد بالوحي الإلهي؛ ما يعني أن غاية ما يأمله المرء هو إلقاء شكوك على ما يزعمه الأنبياء حين يتحدثون في السياسة بإسم الغله. و الفكر السياسي الجديد لم يعد يشغل نفسه بالتدابير السياسية للإله؛ ما يعني أنه قد يركز على البشر بوصفهم مؤمنين بالإله ومحاولة جعلهم ينأون عن تسبيب الأذى أحدهم للآخر. و قد يضع رؤاه هذه في موضع أدنى من الموضع الذي وضع به اللاهوت السياسي المسيحي رؤاه ، إلا انه ضمِن بهذا موضوعا أهمُّ  بكثيرٍ، ذاك هو السلام.
           و لم يكن هوبز نفسه ليبراليا، و لا ديمقراطيا. فقد إعتقد إن تعزيز السلطة بجعلها في يد رجل فرد كانت هي الطريقة الوحيدة دوما، لتحرير الناس من أشكال الخوف الذي يحسونه تجاه بعضهم البعض. إلا أنه، و خلال القرون القليلة التي تلت، إبتدأ مفكرون من أمثال جون لوكJohn Locke ، الذي تبنى نهج هوبز، في تصور وجود نوع من النظام السياسي الجديد، يكون فيه تحديد السلطة ممكنا، بأن يجري تقاسمها و المشاركة بها على نحو أوسع؛ ما يعني أن أولئك الذين يمتلكون السلطة قد يتخلون عنها في لحظة ما، و يعهدون بها الى غيرهم سلميا، دون خوف أو عقاب، في وضع يسود به القانون، و يتحكم بالعلاقات بين المواطنين و المؤسسات، بحيث يكون بإمكان السماح لديانات مختلفة أن تنشط بحرية بعيدا عن تدخل الدولة، و يكون فيه من حق الأفراد التمتع بحقوق ثابتة تحميهم من تعسف الحكومات و زبانيتها. و هذا النظام الليبرالي الديمقراطي هو الوحيد الذي حظينا نحن به في الغرب، و هو معروف اليوم على أنه النظام الشرعي. و نحن مدينون  لهوبز بذلك. و من أجل الخلاص من حمى الإيمان المسيحي المولع بالتحطيم، الذي يركز فيه اللاهوت السياسي على الإله، جرى إستبدال هذا التركيز من لدن الفلسفة السياسية بالتركيز على الإنسان. و هذا كان هو ما أسميه بالطلاق العظيم.

3 – النور الباطني  The Inner Light  
انها حكاية مألوفة، و قد تنتهي أيضا بخاتمة مؤاتية . . و لكن حقيقة الأمر هي أن الطلاق العظيم لم يكن قط  إنجازا بوصفه أمرا واقعا، حتى في أوروبا الغربية، و هي المكان الذي جرى تصور وجوده فيه. إن اللاهوت السياسي القديم الطراز كان له في الغرب إمتداد الى ما وراء الحياة، و لم يكف عن كونه قوة سياسية إلا في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فلقد برز آنذاك تحد من نوع مختلف أبان القرن التاسع عشر و أوائل القرن العشرين يهدد هذا الطلاق العظيم من جماعة أخرى. و جاء هذا التحدى من لاهوت سياسي من نوع جديد يدين بالكثير الى الفلسفة و يصنف نفسه على أنه حديث و ليبرالي. و أنا أتحدث هنا عن حركة . . اللاهوت الليبرالي  liberal theology. . التي ظهرت في ألمانيا ليس بمدة طويلة بعد الثورة الفرنسية. ظهرت في البداية في أوساط اللاهوتيين البروتستانت، و في أوساط الإصلاحيين اليهود فيما بعد.  و تمرد أولئك المفكرون، الذين مقتوا حكم الأقلية، أيضا ضد رؤيا هوبز، مفضلين عوضا عنه مستقبلا سياسيا يؤدي فيه الدين – بعد أن يُهذّب على النحو المطلوب و يجري إصلاحه فكريا – دورا يكون مطلق المركزية.
          و كانت المسائل التي وضعوها من النوع المفيد دون ريب . . و مع انهم سلموا أن الجهل و الخوف هما اللذان ولـّدا حروبا غير مجدية بين الطوائف المسيحية، فهم وضعوا سؤالا فحواه . .  أكانت تلك هي الأسباب الوحيدة التي جعلت من حضارة بأكملها، على طول ألفية و نصف، أن تنظر الى يسوع المسيح على انه مخلصها؟ أو . . هل ان اليهود المعذبين بالشتات ظلوا مخلصين للتوراة؟  . . و هل يستطيع الجهل و الخوف أن يفسرا الجمال الموجود في الموسيقى الطقسية المسيحية أو يفسرا التسامي الموجود في الكاتدرائيات القوطية؟ . . و هل يستطيعا أن يفسرا السبب الذي جعل حضارات أخرى، بائدة و حاضرة، تقيم مؤسساتها السياسية على توافق مع الرابطة السماوية للإله و الإنسان و العالم؟ . . يجد الإنسان المتدين هنا طبعا شيئا يفوق ما كان يحلم أن يجده في فلسفة هوبز. أما روسو، فهو لم يكتب أية مقالة في الدين. و لربما كان هذا عملا حكيما منه، طالما أنه حين حشر صفحات قليلة عن مواضيع دينية في تحفته الموسومة . . أميلAmile  (1762)، فكانت سببا في حرق كتابه و حولت روسو  الى طريدٍ لبقية حياته. فهذا القسم القصير من كتابه . . أميل . . الذي يسميه هو بـ . . مهنة الإيمان عند  كاهن سيفويارد . . كان قد صاغ بعمق آراء معاصرة عن الدين، لدرجة أنه  يتطلب جهدا لفهم سبب أضطهاد روسو لكتابته هذه. و أنه يعد بحق الدفاع الأجمل، و ألأكثر إقناعا، عن مواهب الإنسان الدينية التي سطرها قلم كاتب حديث – و ذاك بوضوح لربما هو لب المشكلة. فروسو كان قد تحدث عن الدين بلغة حاجات الانسان، و ليس بلغة الحقائق الإلهية، و كان كاهن سيفويارد الذي صوره قد اوضح . . "أنا أؤمن أن جميع الأديان الخاصة نفعية حين يخدم المرء بها الإله على نحو نفعي" . . و لأجل ذلك، طـُورد روسو من لدن أتقياء المسيحيين!  
          و تعرض روسو أيضا لمشكلة من المشاكل التي تعرض لها هوبز . . بأن شارك الفيلسوف الإنكليزي نقده الموجه للحكومة الدينية و التعصب و رجال الدين، إلا أنه كان ودودا للدين. ففي الوقت الذي يدق فيه هوبز طبول الجهل و الخوف، أنشد روسو مدائح للضمير، و الإحسان، و الإحساس بالآخر، و الفضيلة، و إظهار الإندهاش التقي في وجه ما خلقه الإله.  . فلقد آمن روسو بأن البشر توجد في داخلهم طيبة طبيعية يعبرون عنها بتدينهم. و ذاك هو موضوع  ما كتبه في  . . مهنة الايمان . . التي تخبرنا بالحكاية الرمزية عن كاهن شاب فقد إيمانه. و بالنتيجة، فقد بوصلته الأخلاقية بمجرد ان جابه نفاق أصحابه من الأتقياء الورعين. فهو غير قادر على إسترداد توازنه إلا حين يجد نوعا جديدا من الإيمان بالإله من طريق رؤيته بنوره الباطني. إن الغاية التي قصدت إليها حكاية روسو هي أقل من أن تتعرض للجرائم التي تنظمها الكنائس، و إنما لتظهر أن الإنسان يشتاق الى الدين لأنه بالأساس كائن أخلاقي. فثمة الكثير الذي لا نعلمه عن الإله، و لقد تسبب التظاهر بفهمه من لدن البعض بأضرار أصابت العالم المسيحي دامت قرونا. أما عند روسو، فنحن نحتاج الى الإعتقاد بشيء يخصه إذا ما أردنا أن نجد لنا وجهة نذهب إليها في هذا العالم .
          و من بين المفكرين المحدثين، كان روسو هو أول من أوضح أنه لا عيب في القول أن الإيمان بالإله يعد ضرورة عند الإنسان.  فالدين له جذوره التي تعد عقلانية و أخلاقية، بل و حتى نبيلة؛ ما يعني أننا بمجرد أن ننظر له من هذه الزاوية، نجد أننا قادرين على إرضاء هذه الحاجات عقلانيا و أخلاقيا و على نحو نبيل. و من الناحية التجريدية، لم يتعارض هذا التفكير مع مبادئ الطلاق العظيم، الذي أعطى أسبابا مقنعة لحماية الممارسة الفردية للتدين. و مع ذلك، فقد أثار هذا الشكوك حول ما إذا كان التفكير السياسي الجديد بإمكانه أن يعيش دون الرجوع الى سلسة أشياء ترتبط بالإله و الإنسان و العالم . فإذا كان روسو على حق بخصوص حاجاتنا الأخلاقية، فإن طلاقا صارما بين المبادئ السياسية و المبادئ الأخلاقية قد لا يكون ثابتا من الناحية السيكولوجية. و حين يكون السؤال مهما، فهذا يعني أن علينا الإجابة عليه: و مثلما يلاحظ كاهن سيفويارد . . "إن العقل يقرر على هذا النحو أو ذاك، رغما عن ذاته، لأنه يفضل أن يكون مخطئا على أن يكون دون إعتقاد بشيء معين" . . إن لدى روسو شكوك خطيرة حول ما إذا كان بإستطاعة البشر أن يكونوا سعداء أو طيبين إذا لم يفهموا الكيفية التي ترتبط بها أفعالهم بشيء متعال. . فالدين ينضفر تماما مع خبرتنا الأخلاقية و لن تنفك علاقته بها أبدا. و إن الأخلاق لا يمكن طلاقها من السياسة.

4 – أبناء روسو  Rousseau’s Children  
نمت في الغرب مدرستان من مدارس التفكير في الدين و السياسة في المراحل المبكرة  من القرن التاسع عشر . . فدعونا نسمي هاتين المدرستين بأبناء هوبز و أبناء روسو. و عند أبناء هوبز لم يمكن ممكنا تحقيق حياة سياسية لائقة باللاهوت السياسي المسيحي، الذي ولـَّد عنفا و أعاق التطور البشري. و  كانت الوسيلة الوحيدة للسيطرة على تدفق الحمى الدينية في التدابير السياسية، و عودتها الى الدين، هي فصل الحياة السياسية من أشكال الحمى الدينية. و كان لا بد أن يحصل هذا ضمن الدساتير الغربية، غير أنه كان لا بد أن يحصل أولا في الأذهان الغربية. و كان لا بد  أن تحدث عملية إعادة تشكيل للوجهة. و ذلك، بتحويل العقل البشري بعيدا عما هو أبدي و متعال الى الحياة الحاضرة و الزمن الحاضر. و كان لابد أيضا من تبديل العادة القديمة بالتطلع الى الإله من أجل الهداية السياسية، و تحل محلها عادات جديدة متطورة. أما بالنسبة الى هوبز؛ فكانت الخطوة الأولى لتحقيق تلك الغاية هي بجعل الناس يفكرون – و يشكــُّـون – بمصادر الايمان.
و مع وجود نفور شديد من تبني آراء هوبز الأكثر جذريةً عن الدين، فقد بدأت مبادئ الطلاق العظيم  بوصفها فكرة تأخذ لها مكانا آنذاك  في العالم الناطق بالانكليزية أبان القرن الثامن عشر. و لقد إستمر الجدال حول السبيل المناسب الذي يجب إتباعه ما بين المؤسسات الدينية و المؤسسات السياسية. و مع ذلك، فإن الحجج التي تدعم شرعية حكم رجال الدين كانت قد أصيبت بالإعياء أمام المصالح المنشودة من جانب الرأي العام. و بذا، لم يأخذ وقتا طويلا ذاك الجدال الجاد الذي كان دائرا عن العلاقة بين النظام السياسي  و الرابطة الإلهية؛ ما يعني أنها لم تعد مشكلة قائمة. و لم يكن من وجود لإنسان، في بريطانيا أو في الولايات المتحدة، يجادل حول وجود هيئة تشريعية بمجلسين تقوم على أساس الوحي الالهي.
و لقد إتبع أبناء روسو وجهة مختلفة في الجدال . . فاللاهوت السياسي القروسطي لم يكن بالإمكان إنقاذه، إلا أن الناس ايضا لم يكن بإمكانهم تجاهل المسائل التي تخص الأبدية و القوى المتعالية عند التفكير في حياة صالحة. و عندما نتأمل في الإله و الإنسان و العالم على نحو صائب، فنحن بذلك نعبر عن أنبل ما موجود من عواطف في داخلنا؛ ما يعني أننا دون تأمل من هذا النوع، سنقع في هاوية اليأس. و بالنتيجة سنؤذي  انفسنا و الآخرين. و ذاك هو الدرس الذي خصنا به كاهن سيفويارد.
عند مجيء الثورة الفرنسية و فتوحات نابليون و الرعب الذي صاحبهما و عقابيلها، توفر لإبناء روسو جمهورا متلقيا في القارة الأوروبية. و لم يكن لتلك الحروب المتأخرة علاقة باللاهوت السياسي أو بالتعصب الديني بتشكيلته القديمة؛ ما يعني أنه إذا كان ثمة شيء جادل الناس فيه بعضهم بالحجة فهو الإلحاد المتطرف الذي تبنته قوى التنوير الفرنسية الذي حول البشر الى بهائم، ما ولـَّد أنواعا جديدة من التعصب السياسي. و كان الألمان هم من إنجذب بخاصة الى مثل تلك الآراء. و سرعان ما تولدت موجة من الرومانسية، جلبت معها موجة من الحنين التواق الى "ذاك العالم المتدين الذي ضاع". و لقد إجتاحت تلك الرومانسية أيضا حتى فلاسفة رصينين من طراز ايمانويل كانت Immanuel Kant  و فردريك هيغل G. W. F. Hegel . فلقد أعجب كانت بـ "أميل" أيما إعجاب، بل، و ذهب حتى خطوة أبعد من روسو، ليس في قبول الحاجة الأخلاقية لإيمان عقلاني فحسب، و إنما أيضا في القول أن المسيحية، إذا ما أصلحت على النحو المطلوب قد تمثل "كنيسة كلية المصداقية".  و بذا، جسدت "الفكرة" الحق بالتدين . . و هيغل هو أيضا كان قد ذهب خطوة أبعد. فهو يعزو الى الدين تقريبا القوة الحيوية التي تساهم في صياغة الرباط الإجتماعي و تشجيع التضحية من أجل الصالح العام. إن الدين، و الدين لوحده، هو المصدر الأصيل لحياة روحية يشارك فيها الناس، و هو ما يسميه هيغل بـ . . روح الشعب volksgeist.
كان لتلك الأفكار تأثير هائل على التفكير الديني عند الألمان في القرن التاسع عشر. و من خلاله إمتد هذا التأثير الى البروتستانتية و اليهودية عبر الغرب. و كان هذا القرن هو قرن . . اللاهوت الليبرالي . .  و هو مصطلح يتطلب أمره هنا بعض التوضيح. كان قد جرى الإفتراض في بريطانيا و الولايات المتحدة بأن الطلاق الفكري، و من ثم المؤسساتي، بين المسيحية و علم السياسة الحديث كان فيه مصلحة متبادلة بين الطرفين – بأن الدولة الحديثة كانت قد إستفادت بكونها تجردت من تبعة الحديث في القضايا العقائدية، و بأن المسيحية كانت قد إستفادت بكونها تحررت من تدخل الدولة. و لم يكن ثمة إجماع من هذا النوع في المانيا، حيث كان الإفتراض السائد هو أن الحاجة للدين كانت لا بد من تشجيعها شعبيا، و ليس أن يكبح جماحها، إذ كان لا بد لهذه الحاجة من أن تكون مساهمة إجتماعية. و بذا ، لا بد من أن يجري إصلاحها، بالطبع، على أسس عقلانية؛ ما يعني أن الإنجيل لا بد أن يجري تفسيره في ضوء المحصلات التاريخية الحديثة، و يجري التخلي عن الإيمان بالمعجزات، و يجري تثقيف رجال الدين على ضوء إتجاه تحديثي، و يجري تكييف العقيدة بما يلائم عصرا أكثر إعتدالا. إذ أنه و بمجرد أن تتحقق هذه الإصلاحات يكون علم السياسة المتنور و الدين المتنور قد إتفقا على أن يضعا يدا بيد.     
و سرعان ما إبتدأ اللاهوتيون الليبراليون البروتستانتيون بالحلم في تحقيق طريق ثالث بين الأصولية المسيحية و الطلاق العظيم. كان لهم إيمان لا يتزعزع في الجوهر الأخلاقي للمسيحية، مهما كان قد تشوه بفعل القوى التاريخية، و بإيمان لا يتزعزع بالتقدم الثقافي و السياسي الذي أتت به المسيحية لهذا العالم. فالمسيحية هي التي هيأت لولادة القيم الفردية، و الكلية الأخلاقية، و العقل، و التقدم التي تستند إليهما حياة ألمانيا اليوم. و بذا، لم يكن ثمة تعارض بين الدين و الدولة، و لا حتى توتر. فالدولة الحديثة ما كان عليها سوى منح البروتستانتية إستحقاقها في الحياة العامة، ليكون بإمكان اللاهوت المسيحي أن يرد على هذه المجاملة، بأن يدرك مسؤولياته السياسية. و إذا ما لبى الطرفان بالتزاماتهما، فـ "قدر المسيحية، إذن، سيتقرر في المانيا" مثلما رأى الفيلسوف ف. و. جي. شيلنغ.
كان ينمو في وسط المفكرين الليبراليين اليهود أمل من نوع آخر . . ذاك هو أن يجري قبولهم مواطنين متساوين الحقوق مع غيرهم. ففي الحقبة التي تلت الثورة الفرنسية، إبتدأت عملية تحرير لليهود في أوروبا قاطبة. و سرعان ما إندمج اليهود الألمان في الحياة الثقافية الحديثة في ألمانيا أكثر من أي بلد آخر – و كان في ذلك في الحقيقة تطور ينذر بسوء. ذلك، لأنه في هذه المرحلة بالذات بات البروتستانت الألمان أكثر إقتناعا بأن المسيحية الإصلاحية هي من يمثل الروح الوطنية للشعب. و في الوقت الذي إنجذب فيه المفكرون اليهود الليبراليون الى الإيمان المتنور الحديث، كانوا أيضا منساقين بتأثير الحاجة التبريرية لتسويغ إسهام اليهودية في المجتمع الألماني . . فلم يكن بإمكانهم اللجوء الى مبادئ الطلاق العظيم. و كان مطلبهم هو مجرد تركهم لحالهم. و بذا، أضطروا الى القول بأن اليهودية و المسيحية ما هما إلا صيغتان للإيمان الأخلاقي العقلاني نفسه، و بالنتيجة  بإمكان اليهود أن يكونوا شركاء في اللاهوت السياسي. و قد جرى الأمر مثلما وضَّحَه مرة الفيلسوف اليهودي و المصلح الليبرالي هيرمان كوهينHerman Cohen قائلا: "نحن نفكر في جميع المسائل الفكرية التي تخص الدين و نشعر بها، و كأننا نفعل ذلك بروح بروتستانتية".  

5 – التودد الى سفر الرؤيا  Courting the Apocalypse     
و كان هذا . . هو الدار الذي إبتناه اللاهوت الليبرالي، و قد بدت هذه الدار مأمونة طيلة القرن التاسع عشر. إلا أن الأمر لم يكن كذلك، لأسباب تستحق التأمل فيها. فقد إبتدأ مشروع اللاهوت الليبرالي بأمل أن يجري التوفيق بين الحقائق الخاصة بالإيمان الإنجيلي و الوقائع التي تدور في الحياة السياسية الحديثة، و ليس التكيف معها فحسب. و مع ذلك، فإن الإلوهية الليبرالية تحولت الى أن تكون إلها ولد ميتا، غير قادر على إلهام جيل الشباب  بايمان راسخ  يسعى الى الحقيقة المطلقة. ذلك، فما الذي قدمته البروتستانتية الجديدة لروح أمريء ينشد الإتحاد مع خالقه؟ . . إنها فرضت تعليما دينيا شفهيا يروج لما هو مألوف من روح تفاؤلية تاريخية تتسم بها الحياة البرجوازية، متبلة بتشاؤمية عميقة بإمكانية الحصول على خيار أفضل في  تلك الحياة. فبشرت بمواطنة صالحة و فخر وطني، و حس إقتصادي حسن، و بالطول المناسب لـ . . اللحية . . التي يفضلها الجنتلمان. و مع ذلك، كان من المخجل جدا التصريح بأن الرسالة الموجودة في كل صفحة من صفحات الأناجيل الأربعة فحواها . . إن عليك أن تغير حياتك. و ما الذي أتت به اليهودية الجديدة الى حياة اليهودي الذي ينشد علاقة بالايمان الدارج عند قومه؟ . . إنها علمته كيف يقدر الرسالة الأخلاقية الموجودة في جوهر الإيمان الإنجيلي، و أن يتغاضى بصمت مهذب عن الإله المخيف الذي يتحدث به الأنبياء، و أن يحافظ على عهده مع قومه اليهود، و على النواميس المتزمتة التي أوجدها هذا الإله. و لكنه، قبل كل شيء، علم اليهودي أن إلتزامه الأول كان دائما البحث عن أرضية مشتركة له مع المسيحية، و أن يعمل على أن يلقى قبولا عند أمة واحدة، هي ألمانيا، التي تتلاءم مثلها الثقافية العليا مع تلك التي تتحلى بها اليهودية، على أنه مطلب يفهمه هو على النحو المطلوب. أما عن السؤالين المضللين القائلين:
-         لم عليك أن تكون مسيحيا؟ أو
-         لم عليك أن تكون يهوديا؟
فلم يقدم اللاهوت الليبرالي قط أية إجابة عليهما.
          و عند الإنعطافة نحو القرن العشرين . . كان بيت الليبرالية قد شرع بالتداعي، و سرعان ما إنهار بعد الحرب العالمية الثانية. و لم يكن ثمة  ما حصل من وحشية في خنادق الحرب، أو  المذابح التي تفتقر الى الحس، أو مشاهد المدن المحترقة، أو الجند المشوهين، هو ما جعل اللاهوت يمجد . . حضارة حديثة  . . جديرة بالإزدراء. و إنما كان ثمة العديد من اللاهوتيين الليبراليين ممن حرضوا على الإندفاع الجنوني الى الحرب، و كأنهم واثقين بأن الإله كان يوجه التاريخ بيد من عنده. ففي آب 1914، كان أدولف فون هارناك Adolf von Harnack، العالم البروتستانتي الليبرالي الأكثر تقديرا في عصره، هو من ساعد القيصر وليم الثاني على وضع مسودة خطابه الى الأمة الألمانية بما يحمله هذا الخطاب من نوايا عسكرية، بينما قام آخرون بتوقيع عريضة شائنة تجاه الحرب يدافعون بها عن قدسية الآلة العسكرية الألمانية.
 و مما يثير الإنشداه أن نجد أنه حتى هيرمان كوهين Herman Cohen كان قد إنضم الى الكورس، بكتابته رسالة مفتوحة الى يهود أمريكا سائلا إياهم تقديم الدعم، على أساس أنه " .... على كل يهودي في الغرب أن يتطلع إلى ألمانيا، و يجلها، و يحبها، على أنها الوطن  الثاني لتدينه الحديث الذي يأتي بعد أرض أبائه و أجداده في الأهمية ...". و لقد غضب المفكرون الشباب البروتستانت و اليهود أشد الغضب حين رأوا بأم أعينهم أساتذتهم المبجلين يفعلون ما فعلوا. و شرعوا في البحث عن وجهة جديدة.
          و مع ذلك، فهم لم يتوجهوا الى هوبز، و لا إلى روسو. و إنما قاموا بنحت إيمان نشيط، يستند على وحي جديد كان مقدرا له أن يزعزع أسس النظام الحديث برمته. فلقد كان هذا الإيمان عطشا الى الإنعتاق من الخطيئة. و منذ ذلك الوقت عمل اللاهوتيون الليبراليون على إحياء فكرة التدابير السياسية الإنجيلية، اذ لم يكن المسرح مهيئا لغير مثل هذا النوع من التطور. فحين إضمحل، بعد الحرب العظمى، الإيمان بالإنعتاق بوساطة الآداب الإجتماعية البرجوازية و التوفيق الثقافي، سرعان ما حوله المفكرون الأكثر جراءة في عصرهم الى أمل في رؤيا نبؤية مسيحية – من ذاك النوع الذي قد يضع قوم اليهود، أو المتدين المسيحي الفرد، أو الأمة الألمانية، أو البروليتاريا العالمية، على علاقة مباشرة بما هو إلهي.
          و لقد إنجر يهود فايمر الشباب، بخاصة الى هذه الإتجاهات المسيحية عبر كتابات مارتن بيوبر Martin Buber ، الذي أصبح فيما بعد نصيرا لتفاهم قائم على أساس إيمان متخلخل، لأنه لم يكن سوى صهيونيا يافعا حاول الإعلاء من شأن نزعة قومية شوفينية فجة. فهو في مقالة مبكرة له دعى الى إستعادة  "ماسادا الروح  Masada of the spirit" ("ماسادا" هي حصن يهودي قديم  قرب البحر الميت و كان موقعا لحصار ضربه الرومان على اليهود الذي فيه، و كانت نتيجته إنتحارا جماعيا لمن في داخله تحاشيا للأسر – المترجم)، و بذا، أعلن " . . إذا كان عليّ أن أختار لقومي بين سعادة مريحة غير منتجة ... و موت جميل في مسعى نهائي للحياة، فإني سأرسو على الخيار الثاني. لأن هذا الجهد الأخير هو الذي قد يخلق شيئا إلهيا، حتى لو دام مجرد لحظة، و ما الخيار الآخر سوى شيء فيه الكثير مما هو بشري ...". إن لغة من هذا القبيل، حين ترافقها أصداء قوية مقلقة معاصرة لنا، كانت قد إستقت من معين سفر الرؤيا الإنجيلي. و مع ذلك، كان بيوبر مجرد هاوٍ إذا ما قارناه بالفيلسوف الماركسي آيرنست بلوخErnest Bloch ، الذي إستعمل الإنجيل ليمجد اليوتوبيا التي كانت تحت التكوين في الإتحاد السوفيتي. و على الرغم من كونه يهوديا ملحدا، فقد إرتأى وجود علاقة بين الأمل المسيحي و العنف الثوري، الذي أعجب به عن بعد. و إحتفى بتوماس مانتزر Thomas Mantzre ، أحد القسس البروتستانت في القرن السادس عشر، الذي قاد إنتفاضة فلاحية دموية فإنتهى الأمر بقطع رأسه، وقد أثنى أيضا على القادة السوفيت الدمويين، حين صرح على رؤوس ألأشهاد: "... حيث يوجد لينين، توجد أورشليم  ubi Lenin  ibi Jerusalem".
          و مع ذلك، فقد كان بين بروتستانت فايمر الشباب من أثبت أن للروح المسيحية الجديدة ما هو مترابط منطقيا، إذ كانوا تحت قيادة اللاهوتي الأعظم في زمانه، كارل بارت Karl Barth، الذي أراد أن يحتفظ للمسيحية بدراما القرار الديني، رافضا أي توفيق بين الإنجيل و الأهواء. و حين جاء هتلر أبلى بارت بلاء حسنا، و هو يقود المقاومة ضد تولي النازي  لأمر الكنائس البروتستانتية قبل أن يجبر على الرحيل الى المنفى عام 1935. إلا أن آخرين ممن وظفوا البلاغة المسيحية ذاتها التي إستعملها بارت، إختاروا الوقوف بدلا من ذلك في صف النازية. و مثال حي على ذلك كان إيمانويل هيرشEmanuel Hirsch، الذي كان لاهوتيا لوثريا متزمتا و مترجما لأعمال كيركيغاردKierkegaard ، الذي رحب هو الآخر بإستيلاء النازي على السلطة من أجل جعل ألمانيا " ... الدائرة التي تحكمها الشعوب البيضاء، و أوكل إليها الإله مسؤولية تاريخ الإنسانية...". و ثمة آخر هو فردريش غوغارتنFriedrich Gogarten ، أحد أقرب المشتركين مع بارت في كتبه، الذي إصطف مع النازيين في صيف عام 1933 (و هو قرار ندم عليه فيما بعد). ففي عام 1920 إبتهج غوغارتن بإنهيار البرجوازية الأوروبية معلنا: " ... نحن سعداء بهذا الإنحدار، طالما أنه ما من أحد يستمتع بالعيش بين الجيف ..."، ثم دعى الى دين جديد " ... يهاجم الثقافة بوصفها ثقافة ... تهاجم العالم أجمع ...". و عندما شرعت الشرطة النازية تقوم بمسيراتها و تنشر كتابها المقدس، تحققت آنذاك أمنيته. و بعد إستكمال هتلر لسيطرته، كتب غوغارتن يقول: " ... و بما أننا اليوم، على وجه الدقة، مرة أخرى رهن إشارة الدولة تماما، إنه ممكن مرة أخرى، و نحن نتحدث بصوت إنساني، الإعلان بأن مسيح الإنجيل قد بسط سلطته علينا".
          كل هذا يساعدنا على تأكيد القاعدة الحديدية التي توصل إليها هوبز و القائلة:  إن اللاهوت المسيحي يولـِّد بالتالي تدابير سياسية مسيحية. فها هي فكرة الإنعتاق توجد في وسط أكثر القوى فاعلية في صياغة الوجود الانساني، في جميع تلك المجتمعات التي هي على تماس مع التقاليد المسيحية. فهي إلهمت الناس على تحمل المعاناة، و التغلب على المعاناة، لكي يجري فيما بعد تسويق هذه المعاناة الى الآخرين. فهي قدمت الأمل و الإلهام في عصور الظلام، ما يعني أنها أضافت أيضا الى الظلام شيئا ما يثير آمالا غير واقعية، مسوغة الأمر لأولئك الذين يسفكون الدم أرضاء لنزواتهم. إن جميع الأديان الإنجيلية تثقف بفكرة الإنعتاق. و لذا، يخشى الجميع من إلهابها العقول، بحيث تصم آذان الناس عن الإستماع الى صوت العقل. و عند الكتابة عن أولئك الشخصيات من فايمر، نحن نواجه ما أفزعنا دائما في تلك التقاليد الأصولية. و أعني بذلك ترجمة الأفكار الدينية لسفر الرؤيا و الإنعتاق الى مسوغات للنزعة المسيحية السياسية، بخاصة و هي تترجم الآن في ظروف حديثة مخيفة، بحيث يبدو الأمر و كأن شيئا لم يتغير منذ القرن السابع عشر، و هو الزمن الذي جلس فيه هوبز ليكتب لأول مرة مقالته الموسومة . . لوياثان.

5 – معجزات Miracles  
          إن لإنبعاث اللاهوت السياسي في الغرب الحديث قصته مذلة. فهو يذكرنا بأن طريقة التفكير هذه هي ليست قصة الذود عن ثقافة أو دين أي أحد. و لا هي تعود الى الماضي لوحده. فهي عادة مزمنة من عادات العقل قد يستدعيها أي أحد يرغب بالشروع في مواجهة سلسلة أشياء مترابطة بين مفاهيم الإله و الإنسان و العالم، بغية الإعلان عن نظام سياسي شرعي. و تذكرنا هذه القصة أيضا بالطريقة التي يتكيف  بها اللاهوت السياسي مع الظروف محاولا تأكيد ذاته، حتى في وجه ما قد يبدو كونه قوى لا يمكن مقاومتها من قبيل التحديث و العلمنة و الدمقرطة. و كان روسو بصدد البحث عن برهان يثبت: . . بأننا نبدو و كأننا كائنات تؤمن بإله إنتحائي، و نتلهف الى وصل حياتنا الدنيوية، بطريقة ما، بما وراء الطبيعة. و بالإمكان أن نكبح هذا الدافع، بأن نكتسب عادات جديدة، إلا أن التحدي الذي يمثله اللاهوت السياسي لن يختفي تماما على الاطلاق، طالما كان هذا الدافع للوصل قادرا على البقاء.
          اذن، فنحن لا نعد ورثة الطلاق العظيم إلا إذا رغبنا بذلك، و بأن نبذل جهدا واعيا في الفصل بين المبادئ الأساسية للشرعية السياسية و الوحي الإلهي. و ما يزال الأمر يتطلب الكثير. و طالما كان تحدي اللاهوت السياسي طويل الأناة، نحتاج أن نبقى واعين بمنطقه و بالتهديد الذي يفرضه. و هذا يعني الحاجة الى نوع من حيطة، ما يعني أيضا حاجتنا  حتى الى يقضة ذاتية أعمق . و ينبغي ألا ننسى مطلقا أنه لم يكن ثمة، من الناحية التاريخية، شئ حتمي يخص الطلاق العظيم، و إنما كانت، و تبقى الى حد الآن، ثمة تجربة نستند اليها. ففي أوروبا، التي يلف الغموض فيها دينا واحدا، هو المسيحية، حصل أن أفرز هذا الغموض أزمة سياسية كان بالإمكان تفاديها، مع أنها، و هي  تفجر الحروب الدينية، لم تكن حصيلتها مذبحة جعلت المفكرين الأوروبيين أكثر تقبلا لأفكار هوبز الإلحادية عن السيكولوجية الدينية، و للتطبيقات السياسية التي أستمدها منها. ما يعني أن تلك الأفكار السياسية قد جرى تكييفها لليبرالية بمرور الوقت. و حتى بعدئذ، فلم يحصل، إلا بعد الحرب العالمية الثانية، أن توفر لمبادئ الديمقراطية الليبرالية الحديثة الظرف لكي تصبح عميقة الجذور في القارة الأوروبية.
          أما عن الخبرة ألأمريكية، فإنها متميزة بحق: و أعني بذلك، أنه ليس ثمة مجتمع آخر متطور صناعيا تطورا كاملا، بأناس على هذا المستوى من الإلتزام بأشكال من الإيمان (بخاصة الدخيلة منها)، و يبدي هذا المجتمع  في الوقت نفسه إلتزاما على المستوى نفسه تجاه الطلاق العظيم. إن خطابنا السياسي، الذي يدين بالكثير الى المتعصبين البروتستانت في القرن السابع عشر، ينضح بالكثير من الطاقة المسيحية، و إنه لم يحدث له قط أن واجه اللاهوت السياسي تحديا جادا للشرعية المبدئية لقوانيننا، إلا بفضل البنية المؤسساتية القوية. إن للأمريكيين إختلافات دينية قابلة للإنفجار حد الفوران من قبيل: طقوس صلاة في المدارس، و رقابة على المطبوعات، و قتل رحيم، و بحوث بايولوجية، فضلا عن مواضيع أخرى لا تحصى. و مع ذلك، فهم يجدون لها حلولا ضمن الحدود التي يتيحها الدستور. إنها حقا لمعجزة.
          و المعجزات لا يمكن أن تخضع لرغبة أحد. و من أجل أن تأتي هذه المعجزات، فإن أفضل ما فعله هوبز في مسعاه لتحويل البؤرة السياسية من الإله الى الإنسان، هو أنه ترك إنطباعا مفاده أن التحدي الذي يواجهنا به اللاهوت السياسي قد يتلاشى بمجرد أن يكسر البشر دائرة الخوف، و يشرعون بوصفهم بشرا بإيجاد سلطة تدير شؤونهم. و نحن ما نزال نتمسك بهذا الإفتراض حين نتحدث عن الـ . . دواعي الأجتماعية . . للعصمة fundamentalism (مذهب بروتستانتي يقول بعصمة الكتاب المقدس من الزلل في أمور الخلق و التاريخ و الأخلاق و غيرها من الأمور–المترجم) و المسيحية السياسية، كما لو أن تحسين الظروف المادية، أو تحول الحدود، سيفجر طلاقا عظيما تلقائيا هكذا لحاله. إذ أنه ليس ثمة في تاريخنا، أو في خبرتنا المعاصرة، ما يؤكد مثل هذا الإعتقاد. و مع ذلك، فنحن لا نقدر على تركه يفلت منا إن حصل. فلقد حفظنا الدرس من هوبز و بالغنا في حفظه، و أخفقنا أيضا في الإلتفات الى  الدرس الذي أعطانا إياه روسو. و بذلك، نجد أنفسنا اليوم نرسف تحت قيد فكري من نوع ما كلما واجهنا لاهوتا سياسيا حقيقيا، إذ نضطر أما الى الافتراض بأن التحديث و العلمنة سيقضيان عليه، أو أن نتعامل معه على أنه تهديد وجودي مبهم، مستعملين مصطلحات من قبيل الفاشية في توصيفه، و هو أفضل ما نحصل عليه. و بذا، لا تتقدم بنا أية واحدة من إستجاباتنا خطوة أقرب لمحاولة فهم العالم الذي نعيش فيه.
          إنه عالم يعيش فيه ملايين الناس، بخاصة في المدار الأسلامي، يؤمنون بأن الإله قد كشف لنا عن ناموس يتحكم كليا بشؤون البشر. و هذا الإعتقاد هو بالذات ما يعمل على صياغة التدابير السياسية للأمم الإسلامية ذات الأهمية. و يشكل أيضا مواقف أعداد كبيرة من المتدينين الذين يجدون أنفسهم يعيشون في البلدان الغربية – و في ديمقراطيات ليست غربية من طراز تلك الموجودة في تركيا و أندونيسيا – كانت قد تأسست على أساس المبادئ  الأجنبية للطلاق العظيم. و هذه هي قضايا الخلاف  الأكثر أهمية، سواء أكان على المستوى العالمي أو المحلي. و نحن لا نستطيع أن نسميها ما لم ندرك أولا حجم شقة الخلاف الفكرية فيما بيننا: و أعني أنه على الرغم من أنه بالإمكان ترجمة رسالة أحمدي نجاد الى بوش من الفارسية الى الانكليزية، فإن الإفتراضات الموجودة فيها لا يمكن ترجمتها الى المبادئ التي أفرزها الطلاق العظيم. فقد يكون بمقدورنا أن نحول معرفة اللغة التي يتحدث بها، لكي نوجد سياسات معقولة، إلا أن الإتفاق على مبادئ أساسية لن يكون ممكنا. و ما علينا إلا أن نتعلم على التعايش معها. 
          علينا، على النحو ذاته، أن نجد بطريقة ما وسيلة لقبول الحقيقة القائلة، نزولا عند سياسات الهجرة التي تتبعها أمم الغرب خلال نصف القرن الماضي. إن هذه الأمم هي الآن المضيفة لملايين المسلمين الذين يعانون من صعوبات جمة في عملية تكيفهم في مجتمعات لا تجد نفسها مضطرة لإدراك أية دعاوى سياسية قائمة على أساس الوحي الإلهي الذي يؤمن به المسلمون. إن الشريعة الإسلامية، حالها حال الناموس الأصولي اليهودي، تجد نفسها معنية بتغطية شاملة للحياة، و ليس لمجال خاص مميز عشوائيا، و إن نظامها القضائي يستمد قوامه من مصادر لاهوتية محدودة العدد يؤسس عليها إستقلال التدابير السياسية عن أوامر إلهية واسعة التفصيل. إنه حال مؤسف. فنحن إخترنا الجنب الذي ننام عليه، مسلمين و غير مسلمين على حد سواء. إن التوافق و الإحترام المتبادل بإمكانه أن يساعدنا. و على النحو ذاته قد تساعد في ذلك القواعد الواضحة التي تتحكم بمناطق التوتر ، مثالها الوضع الذي تعاني منه النساء، و حقوق الآباء على أولادهم، و الإساءات الكلامية للأهواء الدينية، و العنف الكلامي التحريضي، و معايير اللباس في الأماكن العامة، و ما شابه. و لقد تبنت البلدان الغربية سياسات مختلفة من أجل التغلب على  الوضع، منها منع بعض الرموز الدينية، مثل إرتداء غطاء الرأس في المدارس، بينما سمحت به بلدان أخرى. و مع ذلك، فإن علينا معرفة فيما إذا كان التغلب على الوضع هو سمة النظام في هذه المرحلة، و ليس الدفاع عن المبادئ العليا، و بأن آمالنا لا بد أن تظل في أدنى مستوياتها. و بما أن عددا كبيرا من السكان بات يعتقد بالحقيقة التي يأتي بها اللاهوت السياسي الشمولي، فإن التوفيق الكامل بينه و الديمقراطية الليبرالية الحديثة لم يعد أملا قريب التحقق.

6 – الشاطئ المقابل The Opposite Shore   
          هذه أخبار لا تلقى ترحيبا . . فلحقبة أمتدت الى أكثر من قرنين، كان مشجعو التحديث قد حسبوا أن العلم و التقنية و التمدن  و التربية جميعا، قد تعمل على تحرير المتدينين آخر الأمر من سحر دينهم، و إن الناس بمرور الزمن، أما أن يتخلوا عن أشكال إيمانهم التقليدية، أو يحولونها بأساليب سياسية مسكنة الى شيء آخر. فهم يشيرون الى أوروبا القارية، حيث بات الإيمان بوجود إله خلال الخمسين عاما الماضية في حالة إنحدار متواصل، و يلمحون أيضا الى أنه، بمرور الزمن، سيتولى المسلمون في كل مكان تحولا مشابها لهذا. و قد تثبت هذه التنبؤات صحتها في آخر المطاف. غير أن عولمة أوروبا السريعة هي، من الناحية التاريخية، فريدة من نوعها، و هي، مثلما رأينا، حديثة العهد نسبيا. و يعد اللاهوت السياسي تكيفيا، لدرجة أنه بإمكانه أن يقدم للعقول المثقفة رؤيا عن المستقبل ذات قوة إخضاعية أكبر من ذاك المنظور الذي تقدمه الحداثة العلمانية. ذلك لأن الأمر لن يكلفها في الوقت الحاضر لإقناع طبيب مدرب بصنع سيارة مفخخة أكثر مما كلفها سابقا لإقناع مفكرين متقدمين لصياغة تبريرات، يستمدونها من وحي الإنجيل، سبق أن إستعملتها الشمولية الفاشية أو الشيوعية لتمرير سياساتها في فايمار المانيا. و حين يكون الدافع للوصل قويا، و تكون العواطف متأججة و الخيالات منتعشة، تكون توافه حيواتنا الحديثة تعويذات عقيمة ضد التسمم السياسي.
          و عن إدراكهم لهذا الأمر، تولى عدد من المفكرين المسلمين حول العالم مهمة إنشاء إسلام ... ليبرالي ... و إن قصدهم من هذا هو إسلام أكثر تكيفا لمتطلبات الحياة العصرية، و أكثر ودا في معاملته للناس و الأطفال، و أكثر تسامحا من أشكال الإيمان الأخرى، و أكثر إنفتاحا على مخالفيه. و لا بد أن يكونوا شجعانا أولئك الناس الذين كانوا قد قاسوا الكثير على طريق جهودهم هذه، سواء  في السجن أو في المنفى، مثلما قاسى أسلافهم في القرن التاسع عشر، و كان عددهم كبيرا. غير أن ما يحصل الآن هو مثلما حصل آنذاك، هو أن جهودهم غالبا ما تـُجرف بعيدا من لدن إتجاهات لاهوتية أشد تعصبا لا يملكون في يدهم حيلة لمواجهتها، و حتى من المحتمل أنهم لا يتعاطفون معها. و من المفيد أن تاريخ اللاهوت الليبرالي البروتستانتي و اليهودي يكشف لنا عن طبيعة هذه المشكلة: و هي أنه كلما إزداد تزيين الإيمان الليبرالي من أجل أن يتلاءم مع متطلبات الساعة، قلت الأسباب المعطاة للمتدينين للاستمرار بإعتناق ذاك الإيمان في أيام البلاء، حين يقوم الذين ينصبون أنفسهم أوصياء على النقاء اللاهوتي بصياغة أمل أكثر تطرفا. اذن، ما يزال الأمر باعثا للسوء، حين يوظف مثل هذا الإيمان لإضفاء التقوى اللاهوتية على نوع مفرد من أشكال الحياة السياسية – حتى لو كان شكلا جذابا على شاكلة الديمقراطية الليبرالية – بحيث سيـُرى الكثير منه على أنه تعاطف مع الظلم حين يسقط مثل هذا النظام السياسي. و يبدو على ديناميكيات اللاهوت السياسي أنها تملي على الناس، في أنهم إذا ما رأوا المصلحين يحاولون التساوق مع الحاضر، فإن عليهم إثارة حماس مواز و  أشد إلهابا للمشاعر، حماسا يتوق الى الإنعتاق نحو المستقبل المسيحي. و هذا هو ما حصل بالضبط في فايمار المانيا، و هو ما يحصل الآن في الإسلام المعاصر.
          إن الليبرالية الراضية عن نفسها و المسيحية الثورية اللتين واجهناهما هما ليستا الخيارين اللاهوتيين الوحيدين. فثمة نوع آخر من التحول الممكن في أشكال الإيمان الإنجيلي، ذاك هو اللاهوت السياسي التقليدي المتجدد  من رحمهما. فإذا كان دعاة الليبرالية هم المدافعين عن قضية الدين في حلبة الحياة الحديثة، فإن المجددين يقفون بثبات في إيمانهم، محاولين إعادة تفسير اللاهوت السياسي، و مثلهم يجري الأمر مع المتدينين، إذ بإستطاعتهم التكيف دون الوقوع  تحت طائلة إتهامهم بالمخالفة. و لقد كان كل من لوثرLuther  و كالفنCalvin   مجددين بهذا المعنى، و ليسا من دعاة الليبرالية. و دعيا المسيحيين الى الرجوع لى أصول إيمانهم، و لكن بطريقة تجعل من هذا الإيمان يسيرا، و ليس عسيرا، من أجل الإستمتاع بثمار الوجود الحاضر. و لقد وجدا أيضا أسبابا لاهوتية لرفض مبدأ التبتل، بسبب إنتهاكه المتكرر من لدن رجال الدين. و بذلك، تتحقق عودة رجال الدين الى الحياة الأسرية المألوفة. ثم وجدا فيما بعد أسبابا لاهوتية لرفض الرهبانية الغيبية و لرفض إمبريالية روما المغرقة في دنيويتها، مقدمين أسبابا إنجيلية للقول بأن على المسيحيين أن يكونوا مواطنين أوفياء للدولة التي يعيشون فيها. و إنهما قد فعلا ذلك، ليس بالحديث بلغة التسامح المتسمة بالدفاع عن التقدم، و إنما بإعادة كتابة لغة اللاهوت السياسي المسيحي و بما يتطلبه ذلك من المسيحيين أن يكونوا مخلصين له.
          و اليوم . . لا توجد سوى أصوات قليلة تدعوا الى نوع صائب من هذا التجديد للاهوت السياسي الإسلامي. و البعض، من طراز خالد أبو الفضل، و هو بروفسور في القانون في جامعة كاليفورنيا في لوس آنجلوس، يتحدى السلطة التي يتمتع بها أصوليو هذه الأيام، في محوالته لوضع أحكام مقولات لأحكامcategorical   مبنية على قراءة حرفية لآيات قرآنية متفرقة. إن الناموس الإسلامي ما يزال بالإمكان تطبيقه، برأي أبو الفضل، على أحوال زماننا، لأن هذا الناموس يفيدنا بتفسير بارع كلي للنص من أجل حل معضلات معينة و في ظروف مختلفة. في حين يعد آخرون، من طراز رجل الدين المولود في السويس، البروفسور طارق رمضان، شخصيات معروفة تظهر كتاباتهم للمسلمين في الغرب بأن اللاهوت السياسي، المفسر على نحو صائب، يقدم دليلا للناس بالعيش بثقة مع إيمانهم، بما يلقونه من قبول في ما يسميه هو بـ ... السكن ... المغترب. و  إن قراءة كتاباتهم تعني التذكير بحجم المخاطر التي يتعرض لها المرء حين يكون مجددا. بإمكان هذا الأمر أن يدعوا المتدينين الى مشاركة أكبر، و على نحو يتسم بالحكمة، في التدابير السياسية الحاضرة، مثلما حصل في الإصلاح البروتستانتي. ما يعني أنه بالإمكان أن تتعزز الأحلام بالعودة الى إيمان أكثر براءة، من خلال العنف إن تتطلب الأمر، مثلما حصل في الحروب الدينية.
          و إنه لهذا السبب، لربما، أصبح أبو الفضل، و بخاصة رمضان، موضعا لإجراءات أمنية مشددة، و أحيانا قاسية طالب لهما بها مفكرو الغرب. و نحن نفضل الحديث مع دعاة الليبرالية من المسلمين. ذلك، لأنهم يشاركوننا لغتنا، بمعنى أنهم يقبلون بالإفتراضات القبلية التي يضعها الطلاق العظيم، و لا يريدون سوى منحهم مجالا أكبر للتعبير عن أفكارهم الدينية و الثقافية. و أنهم بذا، لا يمارسون اللاهوت السياسي. إلا أن وجود إمكانيات تتحمل التغيير السياسي من خلال التجديد من المحتمل أن تكون أعظم من تلك التي تأتي من خلال إشاعة الليبرالية. إن الحديث من داخل مجتمع المجددين المؤمنين  يعطي المتدينين أسبابا لاهوتية مرضية لقبولهم بطرق جديدة على أنها إعادة تفسير أصيل للإيمان. إن شخصيات من طراز أبو الفضل و رمضان تتكلم لغة غريبة، حتى حين يشيدون بالتحولات التي نعدها جديرة باهتمام. ما يعني أن أسبابهم ليست هي نفسها أسبابنا. و مع ذلك، فإذا كنا غير قادرين على توقع حدوث إنقلاب نحو مبادئ الطلاق العظيم – و نحن غير قادرين  فعلا على ذلك – فإنه كان من الأفضل لنا أن نتعلم كيف نرحب بالتحولات الحاصلة في اللاهوت السياسي الإسلامي، بخاصة تلك التي تسهل عملية التعايش بين البشر. فإنه من الأفضل ألا يكون المرء عدوا للناس الأخيار.
          و بالتالي . . و مع ذلك، فإن ما يحصل على الشاطئ الآخر لن يكون من واجبنا و مسؤوليتنا. إن لدينا القليل من الأسباب ما يجعلنا نتوقع من مجتمعات واقعة في قبضة لاهوت سياسي يتمتع بسلطة قوية أن تسلك طريقنا الفريد، الذي كان قد أفتتح بأزمة إستثنائية مرت بها الحضارة المسيحية. و هذا لا يعني أن تلك المجتمعات قد تكون، بالضرورة، بحاجة الى  المال الكافي لخلق نظام سياسي قادر على العمل لكي يحظى بإحترامنا. ما  يعني أيضا إن على تلك المجتمعات أن تجد المصادر اللاهوتية الموجودة في نواميسها الخاصة من أجل ان تجعل تلك المجتمعات التحول ممكنا.

          إن التحدي الذي نواجهه هو شيء مختلف . . فلقد رسونا على خيار هو في الوقت ذاته بسيط و صعب. ذلك، أننا إخترنا أن نحدد تدابيرنا السياسية من أجل حماية ألأفراد من الأذى الأسوأ الذي قد يبتلي به أحدنا الآخر، من أجل تأمين الحريات الأساسية و نقدم ما يساعد على أزدهارها الأساسي، في حين نترك أقدارالناس الروحية بين أيديهم. و لقد راهنا على أنه من الحكمة الحذر من القوى  المطلقة العنان بتأثير من الوعد المسيحي الإنجيلي، عوضا عن إستغلال تلك القوى للصالح العام. و لقد إخترنا أن نبقي تدابيرنا السياسية بعيدة عن تأثيرات الوحي الإلهي. و كل ما يبقى لدينا هو إستبصارنا. و علينا أن نصوب نظرنا نحو عالم ما يزال فيه الإيمان يذكي عقول البشر.  

هناك تعليقان (2):

  1. شكراً جزيلاأ اخي, الترجمه رائعه والموضوع مثير جداً

    ردحذف
  2. تحية من وسام التنوير الكبير للولايات المتحدة والعالم بأسره ، هذه فرصة مفتوحة للانضمام إلى شركة النور حيث يمكنك استعادة أحلامك المفقودة ، وأيضًا حيث يمكنك رؤية ضوء الثروة. والسعادة بدون ذبيحة دموية. ونقوم أيضًا بدفع مبلغ 550.000 دولار للحصول على جميع الأعضاء الجدد عند انضمامهم إلى الأخوة وأيضًا إلى منزل من اختيارهم وموقعه مع استثمارات مع هذه الفرصة في الحياة حتى يصبحوا مشهورين .

    السياق الخاص بالأعضاء الجدد الذين ينضمون إلى الأضواء.
    1. مكافأة $ 550،000 نقدًا.
    2. حلم RAC الأنيق الجديد بقيمة 150.000 دولار
    3. شراء منزل الأحلام في البلد الذي تختاره.
    شهر واحد من التشاور مع أفضل 5 في العالم.
    قادة وأهم 5 مشاهير في العالم. إذا كنت مهتمًا ، فيرجى الاتصال بعنوان البريد الإلكتروني السابق - illuminatiworldwideorder@gmail.com أو wahtsapp +15184145254

    ردحذف