بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 1 أكتوبر 2016

دور السريان في الثقافة العراقية

A paper on a cultural concern …
The Role of the Assyrian People in the Iraqi Culture
By: Ahmed Khalis Shalan
(delivered in the Assyrian Culture Conference held in ‘Enkawa-Arbil/Oct. 2011) 

ورقة عن الشأن الثقافي ...
                             ... دور السريان في الثقافة العراقية
أحمد خالص شعلان
 )القيت في مؤتمر الثقافة السريانية تحت شعار "دور السريان في الثقافة العراقية" عقدته المديرية العامة للثقافة السريانية في عينكاوة / أربيل في أكتوبر 2011)
                          
تركزت جهود بعض الباحثين، و تتركز الآن، على الإحاطة بحجم مساهمة المثقفين السريان و دورهم في الثقافة العراقية من خلال دراسة التأثير الذي تمارسه اللغتان العربية و السريانية أحداهما على الأخرى لأسباب عدة منها مثلا: قرابتهما الألسنيةو تجاورهما الجغرافي منذ آلاف السنين  في منطقة شرق البحر البيض المتوسط و الجزيرة العربية، و غيرها.
و أن يميل الدارسون الى دراسة المشتركات بين اللغتين هو، دون ريب، موضوع يستحق الإهتمام  كونه لربما يسلط الضوء على حقائق لغوية و سايكولوجية و أنثروبولوجية مهمة قد تساهم بالتالي، بهذا القدر أو ذاك، في تسليط الضوء على دور السريان في الثقافة العراقية، إلا أنها قد لا تبرز المسالة كلها الى النور، بل جانبا منها . . فليس ثمة شك بوجود أكثر من مشترك بين العربية و السريانية، و ليس ثمة من شك أيضا بوجود تواصل و امتداد بين أرثي اللغتين في أكثر من زاوية من زويا الرؤية التاريخية لم نجم من تجاور اللغتين و تطورهما من لدن المجتمعين اللذين يتحدثان بهما، فضلا عما حدث في خلفيتيهما من تواصل، يوازيه، تحت رماد التعايش، تناحر فكري و عقائدي بين المتحدثين باللغتين تشتد جذوته و تخبو بين حين و آخر.
 فان كان ثمة تواصل بين اللغتين فرضته حقيقتان، بل قل بديهيتان تاريخيتان يقودنا اليهما علم اللغة العام:
-    الأولى تتمثل في كون اللغتين تنتميان كليهما الى أسرة لغوية واحدة من أسر لغات العالم العديدة، و هي أسرة اللغات السامية التي تحدثت بها الشعوب الجزيرية الأصل عموما،
-     و الثانية هي تجاور اللغتين جغرافيا، و ما يفرضه هذا التجاور من تماس يفرز في الواقع ما يسميه علم اللغة العام بالإعارة اللغوية و ما ينجم عنه من تأثير ثقافي.
و مع ذلك، فإن هذا التأثير قد يجري أما متبادلا mutual  بينهما على حد سواء الى درجة ما، أو قد يجري على نحو يكون فيه التأثير غالبا لأحداهما على ألأخرى one-sided، بسبب نوعين من العوامل:
-         عوامل تقع داخل منظومة اللغتين، و
-    عوامل تقع خارج منظومة اللغتين تتعلق بالسياقات الإقتصادية و السياسية و الحضارية التاريخية الجارية في المنطقة عبر حقب التاريخ المختلفة، غلبة أو خضوعا.
و مع ذلك، فإن وقائع التماس ين اللغتين قد يشير في الوقت نفسه الى وجود تعارض بين منهجي التفكير عند المهتمين باللغتين، اللتين بوصفهما واسطة للإتصال،  فهما تعكسان البنية الفوقية للمصالح التي تمور في قاع المجتمع، بسبب التضاد العقائدي لدى جمهور اللغتين، حتى أن كان هذا التضاد يتغلف عبر القرون بتعايش يفرضه التجاور بين طرفين باتا غير متكافئين في حجم النفوذ السياسي، منذ الغزو الجزيري الإسلامي لوادي الرافدين.
فمن أي من نوعي التأثير المذكورين في أعلاه، كان هو السائد و الجاري عبر حقب طويلة من التاريخ بين اللغتين العربية و السريانية، بحيث يبرز هذا التاثير دورا منظورا للسريان في الثقافة العراقية يوازي حجم السريان الديموغرافي و الثقافي و الأنساني؟ . . و هذا هو الأهم!
-         أكان من النوع التبادلي، أم كان أحادي الجانب، غلبة من أحداهما على الأخرى؟
و بما أننا نعيش في بقعة لم يعتد أهلها على الحصول على تغذية راجعة، و لإفتقار ثقافتنا عموما للوسائل الإحصائية على أغلب مستويات العلاقات الإثنية، فإنه سيكون من الصعوبة الإحاطة إحاطة كاملة  بالدور  الذي أداه السريان في الثقافة العراقية، غير تلك الإشارات التي وردتنا في الإسفار التاريخية التي كتبها العرب و السريان على حد سواء، و التي لا نجد مصادر غيرها نعتمد عليه لإجلاء هذا الأمر، على الرغم من قول فردريك هيغل بـ" ... أن التاريخ أغلبه ظن و ما تبقى هو من املاء الهوى! ..."  
هذا من ناحية، و من ناحية ثانية . . إن الحديث عن مشتركات بين اللغتين العربية و السريانية من نوع الحديث الذي أنجزه بجهد قيم و جميل و رائع العالم المرحوم د. إبراهيم السامرائي و  نخبة من باحثين آخرين، عربا و سريانا، على الرغم من حسناته الإستثنائية الرائدة، إلا أنه لا يقودنا الى غير العموميات. و العموميات، حالها حال النوايا الطبية التي لا توصل دائما، و لوحدها، الى الجنة، فالعموميات، قد لا تعمل دائما على وضع الأمور في نصابها الصحيح! . . ذلك، لأن الإعتماد على الحديث عن مشتركات بين اللغتين، الغاية منه الإحاطة بدور معين، فهذا يعني تشخيص واقع حال موروث إي لغتين يربطهما أصل مشترك واحد . . و لا غير!
          و حديث من هذا النوع، في حقيقة الأمر، قد لا يدخل في خانة إستجلاء التأثير الذي يخلق دورا!
          فأن نقول بالسريانية "ريشا" بدل أن نقول بالعربية "رأس" . . أو "حنكا" بدل "حنك" . . أو "دقنا" بدل "دقن" . . أو "إذنا" بدل "أذن" . . أو "فما" بدل"فم"  . . و غيرها بالعشرات، بل قل ربما بالمئات، قد لا يشير الى وجود تأثير لإحدى اللغتين على الأخرى سوى للعقل الساذج!  . . و هذا لا يشير الى وجود تأثير لأنه، و ببساطة، يخضع لعوامل بنائية مشتركة تاريخية تخص اللغتين، بعد أن باتتا كائنين متعاليين يفرضان على المتحدثين فيهما آليات تقع خارج وعي المتحدثين بهما! . . و قد  يصح هذا الى حد كبير على المشتركات، أو العموميات، الأخرى التي تتعلق باللغتين، و ربما باللغات الأخرى عموما!
إذن، إذا أردنا أن نبحث عن تأثير للسريان يسلط الضوء على دور لهم، من أي نوع كان، و قد كان لهم فعلا مثل هذا الدور، في الثقافة العراقية، غبنهم في تقدير قيمته المؤرخون المسلمون، علينا في هذه الحال أن نبحث عن ذلك في مجالات تتعدى فقه اللغة philology و تتجاوز علم اللغة المقارن comparative-linguistics أيضا الى مجالات ينشط فيه علم الانسان anthropology (طبعا بكل المواضيع التي إهتم بها هذا العلم من فنون arts . . و حرف handiworks . . و أدوات tools . . و وجود يومي every-day-living . . بما فيه من أنشطة أوجدها السريان) . . هذا عدا ما ورد في علم السياسة  politics. . و علم الاخلاق ethics . . و علم التاريخ history . . هذا،  لكي يكون بمقدورنا أن نحدد دور السريان في الثقافة العراقية على ضوء حزمة من العوامل: . . إنسانية . . أخلاقية . . سياسية، و تاريخية.
          فهذه العوامل مجتمعة هي التي تدخل ضمنا في صلب مفهوم "الثقافة" عموما، أحيانا فرادى، و أحيانا متداخلة، و لا تشذ عن هذا، بالتأكيد،  "الثقافة العراقية"، بخاصة حين نروم تشخيص دورٍ لمجموعة إثنية هم السريان في ثقافة بلد معين هو بلاد الرافدين. هذا، فضلا عن تقدير حجم هذا الدور لشعب السريان، الوارث على الأغلب لكل الثقافات التي مرت على أرض الميزوبوتيميا قبل الغزو الجزيري الإسلامي لأرض الرافدين، الذي أرخ للإنحسار الجغرافي القسري للسريان و للغتهم و لثقافتهم عن مناطق شاسعة من أرض العراق، على الرغم من تسهيل بعض شرائح السريان لهذا الغزو، الذي إكتسح ثقافة كانت تنتشر إنتشارا طاغيا على أكثر من ثلثي مساحة البقعة التي تسمى العراق حاليا، و التي ما تزال بعض شواخصها ماثلة للعيان مهجورة يراد لها النسيان من قوم غير أهلها، و لا تخلو منها و لا حتى محافظة واحدة من محافظات العراق جميعا بما فيها محافظتي النجف و كربلاء، على الرغم من نهج التهديم و الالغاء و التهجير و المصادرة التي تعرضت لها شواخص الثقافة السريانية على أيدي حقب الحكم الإسلامي في العراق عموما . . و في بقاء مثل هذه الشواخص، دون ريب، ما يشير الى تشبث شواخص الثقافة السريانية بالتربة التي نشأت فيها، لأنها لم تكن طارئة على هذه التربة. و أعني ان الثقافة السريانية هي إبنة التربة التي تتشبث بها، بخلاف جميع الثقافات التي جاءت بعد الغزو الجزيري الإسلامي للعراق!
          و لو حصرنا من ناحية ثانية، حجم الإنتهاكات التي حصلت ضد شواخص الثقافة السريانية في العراق متفرقة، لربما كانت جريرة فاعليها لا تقل بشاعة عن الجريرة التي جرّها عمرو بن العاص ضد الثقافة القبطية السريانية في مصر  بضربة واحدة، حين أحرق مكتبة الإسكندرية بكل ما تحويه من كنوز سريانية إنسانية كانت تشكل مفصلا معرفيا مهما في تاريخ حضارات المنطقة عموما. و منذ ذاك التاريخ أضطر السريان العراقيون الى إتباع خطاب مهادن (نابع من جنوح للسلم تميزت به ديانتهم في الشرق) يتوجهون به الى غازٍ مقتدر و سياف لا يعرف الرحمة مع من لا يساير مصالحه العقائدية التي تختبئ وراءها مصالحه الإقتصادية و السياسية المعقدة المبنية على حب السيطرة و الإنتشار و الإستئثار . . هذا الغازي الذي خرج الجزيرة العربية، و لم يكن معه سوى عقيدته الدينية، ساعيا لا الى سلب ثروات هذه الشعوب فحسب، و إنما أيضا الى إمتصاص ثقافات الشعوب التي غزاها، و ببعض التكييف، سماها ثقافة عربية اسلامية!  . . فكان إمتصاص تلك الثقافات و منها الثقافة السريانية، حيثما و وقتما كان ممكنا، أحد أهم مكونات و مصادر في ما سمي تاريخيا فيما بعد بـ"الحضارة العربية الاسلامية"!
إن أية مراجعة لدور السريان في الثقافة العراقية في ما بعد الغزو الإسلامي للعراق ستبين، دون ريب، تراجعا للدور السرياني في الثقافة العراقية، مقارنة بما كانت تتمتع به هذه الثقافة، على الرغم من تناقضاتها الداخلية الجدلية، من تسيد في المشهد الثقافي قبل ذلك الغزو . . و لكن تسيدها ذاك كان إنتشارا لا سطوة، إذ كان وعاؤها المعرفي وادي الرافدين و هو واد وارف الزرع، على الضد من الـ" ...واد ليس ذي زرع! ..." وعاء الغازي القادم من الجزيرة . . و من هنا كان دوره الثقافة السريانية هو الأبرز، تتعايش فيه مع الثقافات السائدة الأخرى من يهودية و وثنية و ثنوية و زرادشتية و غيرها . . مما تعج به البقعة الجغرافية من ثقافات.
و لم تكن للتغير الدراماتيكي المفاجئ في المشهد السياسي العراقي، الذي كان حصيلة للغزو الجزيري الإسلامي، آثارا تتعلق بالثقافة فحسب، بل تعدته الى علاقة السريان بالحاكم، مهما تذرع هذا الحاكم بها من إستثناءات يقدمها لمن سماهم أهل الكتاب، إذ ظل يتظاهر بالعلن بروح من التسامح مع الثقافات الكتابية الأخرى، و لكنه في أروقته الخاصة، ظل ينظر بريبة، بل و في أغلب الأحيان بعدائية، تجاه أية ثقافة أخرى يجد فيها تهديدا لعقيدته الخاصة التي تكرس مصالحه افقتصادية و التسلطية . . و إلا فكيف، يا ترى، نفسر تلك السياسات الصارمة التي ظلت سارية منذ الغزو الجزيري الإسلامي للعراق و لغاية نهاية حكم العثمانيين في العراق،  ضد أهل الثقافات الأخرى، و من بينها السريانية، و ذلك بغجبار أهل تلك الثقافات بغرتداء لباس معين يميزهم عن المسلمين، ناهيك عن أنهم كانوا يفرض عليهم النزول عن راحلاتهم ليسيروا أمامها عند دخولهم لحواضر العرب المسلمين؟
 و على الرغم من قول هيغل الآنف ذكره عن التاريخ . . فالمرء لا يستطيع دائما أن يلوي عنق التاريخ، لكي يبرر تصرفاته. إذ على الرغم من نهج الإقصاء للإثنيات من أهل البلد الذي غزاه العرب المسلمون، فإن إحتياجات التطور و متطلباته كانت، و إن في حالات نادرة جدا، تفرض على الحاكم المسلم إتباع نهج برغماتي يتنازل فيه عن بعض إشتراطات عقيدته الدينية، فتشهد حقبة حكمه إنفتاحا على الثقافات الإثنية . . و مثلما ظهر في عهد الأمويين عمر بن عبد العزيز، ذاك الخليفة الذي أراد أن يخرج من غلواء ميتافيزيقيا عقيدته الدينية الى رحاب أخى، وفرت محاولته تلك في زمانه فرصة للثقافة السريانية أن تتنفس دورا مهما في تاريخ الحضارة الإسلامية، حين إستعان هذا الخليفة بالسريان ليمهد لوجود دور مهم للسريان في تاريخ المنطقة. و ذلك بترجمة علوم الأمم الأخرى. فتهيأ آنذاك هنا في العراق أيضا للسريان و ثقافتهم، بوصفهم أمة مبدعة و ناقلة في آن، حاكم عباسي، هو الخليفة المأمون، الذي كان هو الآخر يروم الخروج من عنق زجاجة الغلواء الميتافيزيقية لعقيدته الدينية، فتحمس لآراء المعتزلة، الذين كانوا في  زمنه السباقين و بجرأة في وضع منزلة للعقل تفوق المنزلة التي يتمتع بها مبدأ الإيمان بالله، وهي دون ريب أولى خطوات نهج تكون حصيلته بالتالي الإنفتاح على الآخر المختلف . . فكان في تلك الإنعطافة التاريخية في العقل العربي الإسلامي للسريان و الثقافة السريانية دور حاسم، يرتقي الى مرتبة الفضل . . فهيأ السريان بترجماتهم لعلوم الأمم الأخرى، بهذا القدر أو ذاك، لبلورة التفكير الفلسفي عند العرب المسلمين، حين راحوا ينقلون من الإغريقية و اللاتينية الإنجازات العقلية للفلاسفة و العلماء الإغريق في الطب و الفلسفة و الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و الموسيقى و الأدب، فمهدوا بذلك الى وضع التفكير العربي الإسلامي على أكثر من مفترق طرق مصيري في التفكير، و لأكثر من مرة، بما يغني حضارة و ثقافة العرب المسلمين . . هذا عدا دور المثقفين السريان في ذلك الزمان أطباء و علماء و موسيقيين في الحياة العامة. و كان في كل هذا، برأيي، ما يعد، عند العقل المنصف المستنير، وسام شرف يعلق على صدر تاريخ السريان، يستحقونه عن جدارة لقاء مأثرة قلما يعترف بها العرب المسلمون . . و إن أضطروا لمثل 1اك الإعتراف فهم يعترفون بها على مضض، إلا في حالات نادرة يكون فيها الضمير طرفا!       
و حديثا  و مع بزوغ شمس الدولة العراقية الحديثة أوائل القرن العشرين، كان السريان، لأسباب لسنا هنا في وارد ذكرها، سباقين في طلب العلم. و سرعان ما تحولوا قبل غيرهم الى أطباء و معلمين و مصرفيين و موظفين ذوي خبرة، ليقوموا بدور في تقوية عود الدولة الوليدة. و كان لهم دور، ليس قليل الشأن، في نشأة الثقافة العراقية الحديثة، ساسة و كتابا  و مسرحيين و موسيقيين.
و لكن نهجا موضوعيا إنسانيا تجاه الثقافة السريانية الغاية منه تبيان دور السريان في الثقافة العراقية، يتطلب قبل كل شئ، من الآخر غير السرياني، إنتصارا على الذات . . و ذلك، بأن يجري تـَقـَبـُّلَ السرياني مثلما هو . . وكي يصدق من يقول " . . من لم يكن أخاك في الدين، فانه نظيرك في الخلق! ..".  ذلك، لأن نهج عدم المساواة و التمييز الذي إنطبعت به سياسة الحاكم المسلم، في تفصيلاتها الصغيرة و ليس في نهجها العام المعلن، تجاه الإثنيات، لم تكن، و ما تزال،  لتهيئ دورا يليق للسريان في الثقافة العراقية، و يتناسب و الكتلة الديموغرافية للمتحدثين بالسريانية. و غياب الحرية كان دوما عاملا إضافيا أدى الى تحجيم دورالسريان هذا. و لن تتحق للسريان فرصة يقومون بها بدور يتناسب و مكانتهم التاريخية في الثقافة العراقية، غلا في تبلور موقف "حضاري" يتشكل في نفسية الحاكم المسلم.
و أخيراً و ليس آخراً . . في مؤلفه الموسوم  . . قصة الحضارة . . يعرِّف ويل ديورانت مفهوم  . . الحضاري . .  قائلا: "... الحضارة نظام إجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي. و عناصر الحضارة أربعة هي: الموارد الإقتصادية، و النظم السياسية، و التقاليد الخلقية، و متابعة العلوم و الفنون" . . و لم يجانب ديورانت الصواب حين لم يضمّن "الدين" عنصرا من عناصر الحضارة. فهو يدري، و نحن أيضا ندري، بأن  العناصر المذكورة آنفا هي جميعا سابقة للدين. إذن، فأية محاولة لمعرفة حجم الدور الذي قام به السريان في الثقافة العراقية، لا بد لها أولا أن تطرح العقيدة الدينية من حساب القياس العقلاني للعلاقة الإنسانية، و لا بد لها بعد ذلك المرور أولا بالمكانة الحقيقية، إيجابا أو سلبا، التي تبؤها السريان، بعد الغزو الجزيري الإسلامي للعراق، في المنظومة الإقتصادية، و النظام السياسي، و التقاليد الأخلاقية، و أنشطة الفنون و العلوم، التي شكلت ما عرف بـ . . الحضارة العربية الإسلامية . . في العراق، حتى في وضعها الراهن . . و نحن أعلم بحجم قيراط الإيجاب الذي عومل به السريان، و هم أهل العراق الأصليين، إزاء قناطير السلب التي عوملوا بها، و عانت منه ثقافتهم، لدرجة أن المرء قد يقفز الى ذهنه لا شعوريا سؤال مفاده:
-         هل صار السريان هنودا حمرا عراقيين؟
و إلا فكيف نفسر ما يجري اليوم من تهجير و قسر ضد السريان و الثقافة السريانية الى حد الدعوة الى وضعهم في كانتونات!  

و على مر القرون لم يعدم الغزاة الذرائع و لا إختلاق الأسباب في إحتواء الإثنيات التي لا توازيهم في البأس!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق