بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 17 أكتوبر 2016

مقالة في السياسة ... ضد التحالفات الستراتيجية مع أية من دول الجوار

An essay on politics …
          A Viewpoint on Iraq’s Regional Coalitions …
By: Ahmed Khalis Shalan
(published in Al-‘Sbu’iyah Magazine-Beirut, April 2008)                      
مقالة في السياسة
... ضد التحالفات الستراتيجية مع أية من دول الجوار
أحمد خالص الشعلان
(منشور في مجلة "الأسبوع" الصادرة في بيروت – نيسان  2008 للرد على سؤال لمحرر المجلة "هل أنت مع أو ضد تحالف العراق مع جيرانه؟")

منذ عرف الإنسان ممارسة السياسة فتحولت الى علم و دراية و تطبيق و سياقات . . أرسيت        لتحالفات الدول و الجماعات عادة أصول و قواعد و أسس . . و هذه غالبا ما تسبقها إرهاصات و مقومات، عدا العمل الأهم و هو وحدة المصالح . . و هذه مجتمعة ترتبط في الزمان و المكان ببنى جيوبوليتيكية معينة، تعم المنطقة المعنية بعض عناصرها بالتحالف، و  تسعى دائما دون ريب الى غايات موضوعة سلفا نصب أعين المتحالفين .
فالتحالفات الموصوفة . . ستراتيجية . .  نراها و على كر العصور تشمل تقريبا منطقة جغرافية بأسرها . . و خذ على ذلك ما تشاء من الأمثلة من التاريخ البعيد جدا، و من التاريخ البعيد، و من التاريخ القريب، و من التاريخ الحالي . . فمن أمثلة هذا العصر الأخير لنأخذ مثلا . . الاتحاد الأوروبي "الاقتصادي و غطاءه العسكري" حلف الناتو، الذي كان تقابله حتى وقت قريب جدا "كتلة الكوميكون" الإقتصادية و غطاءها العسكري "حلف وارسو"  . .  و تأمل حقيقة أن هذين الحلفين الستراتيجيين كانا يغطيان منطقتين جغرافيتين تترابط دول كل منهما طبيعيا فيما بينها، و هو ما يعرف بـ "الترابط الجيوبولوتيكي" . . هذا، لكي يتحقق الإنسجام و التوافق و التكامل فيما بين مجموعة  دول تحالف من هذا النوع. و  الإنسجام هنا يعني التفاهم على نوع السياسة الموضوعة، و التوافق يعني الإتفاق على تحديد الأهداف المنشودة، و التكامل يعني، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تداخل الأنشطة و الإجراءت المتبعة في التقدم الى أمام، سواء أكانت تشريعية أو ثقافية أو حضارية . . و بذا، يكون من اللامنطق أن نفترض قيام تحالف ستراتيجي بين بلدين، مهما إتفقا، في منطقة لا يتوفر بين دولها جميعا إنسجام و توافق و تكامل من النوع الذي ذكرناه. ذلك، لأن تحالفا من هذا النوع قد لا يكون قادرا على الصمود، طالما كان قد إنوجد في بيئة غير ملائمة!

-         فهل كان التحالف الستراتيجي بين الدول الأوروبية يا ترى سيصمد لو لم تكن تتوفر فيه تلك العاصر؟
و نحن لو نظرنا من قريب الى هذا التحالف، لرأينا أن عقيدته بوجه عام علمانية، و ثقافته بوجه عام ذات خلفية مسيحية، و نظريته الإقتصادية بوجه عام ليبرالية، و روحه بوجه عام إنسانية، و منطقته الجغرافية بوجه عام واحدة . . و لنلاحظ أيضا أنه حصل في العصر الحديث أن تحالفا من هذا النوع يكون بدعم دولة عظمى و أحد ألأقطاب المهمة إطلاقا في هذا العالم، بغض النظر عما إذا كانت متساوقة معه ثقافيا أم لا، مثلما يحصل مع التحالف الأوروبي الستراتيجي الذي تدعمه الدولة القطب الأوحد في العالم حاليا و هي الولايات المتحدة . .
و يصح هذا نفسه تقريبا على "منظومة الكوميكون" الإقتصادية، و ذراعها العسكري "حلف وارسو"  لغاية أن إنهار هذا التحالف و إنفرط عقده لأسباب موضوعية (خارجية في الغالب)  و ذاتية (داخلية في الغالب) لسنا في وارد ذكرها هنا.
 و من الأمثلة القريبة من هذا النمط من التحالفات في منطقتنا، ما حصل في أواسط القرن العشرين، كان . . حلف المعاهدة المركزية . . المعروف بأسم "حلف بغداد" هو أحد الأمثلة التاريخية على هذا النمط من التحالفات . . فلم يكن أولئك الذين يمموا أنظارهم نحو "حلف بغداد" و وضعوه موضع التنفيذ بغافلين عن العوامل الجيوبوليتيكية التي كانت متوفرة قي دوله، (تركيا و العراق و إيران و الباكستان و "بريطانيا"  الراعية للحلف و الداعمة له من داخله . . و الولايات المتحدة الداعمة للحلف و الراعية له من خارجه)، فضلا عن العوامل الأخرى المذكورة آنفا التي قامت بدور لبلورة فكرة الحلف . . فنظرة الى التاريخ نرى أن جميع دول ذاك الحلف كانت عقيدتها السياسية آنذاك علمانية . . و خلفيتها الثقافية جميعا كانت إسلامية . . و نظريتها الإقتصادية كانت جميعا ليبرالية . . و نظرة الى الجغرافية نرى أن أراضي دول الحلف كانت تكّون وحدة طبيعية أيضا في وجه الإتحاد السوفيتي السابق آنذاك (أحد أهداف ذاك الحلف الذي رعاه الغرب هو الوقوف بوجه الإتحاد السوفيتي السابق!) . . أما السبب الذي أدى الى إخفاق ذاك الحلف . . حلف المعاهدة المركزية . . فكان بسبب المرحلة التاريخية التي كان العالم يمر بها من صراع شرس بين إقطابه، فضلا عن عامل مهم جدا لم يكن متوفرا في دوله هذه، و هو التخلف الحضاري الذي إستغله الإتحاد السوفيتي آنذاك في العمل على إسقاط الحلف، بتشجيع حركات التحرر و اليسار في دوله . .

و التحالف الأوروبي لم يكن أمامه إلا تحديا واحدا ليواجهه هو المعسكر الشيوعي  بآيديولوجيته النقيضة للفكر الرأسمالي، و تغلب على هذا الخصم أخيرا! . .

و الشئ بالشئ يذكر . . أما . . حلف بغداد . . فكان يواجه أكثر من تحد، و منها . . التحدي الديني الذي نشأ بقيام دولة أسرائيل . . و منها . . التحدي القومي الذي نشأ بقيام دولة عبد الناصر الداعية لتوحيد العرب جميعا في دولة واحدة (كي تقودها مصر طبعاً!) . . و منها  . . التحدي الحضاري الذي كان محكوما بتخلف شعوب دوله! . . و على الرغم من وجود كل تلك التحديات، فأنا أعتقد لو أنه كان قد قيض لـ"حلف بغداد" أن تتوفر له العوامل التي توفرت لـ "التحالف ألأوربي" للتغلب على كل تلك التحديات المذكورة في أعلاه ، و نجح في تجربة الوجود . . لكانت خارطة الشرق الأوسط شيئا مختلفا على الإطلاق عن الخارطة التي هي عليه اليوم!         

و منطقة الشرق الأوسط، و العراق فيها . . لا توحي خارطتها الجيوبوليتيكية في المرحلة الحاضرة، بإحتمال نجاح أي تحالف تنوي أية دولة من دوله، و منها العراق، أن تعقده مع أية دولة أخرى في المنطقة في الوقت الحاضر، دون أن يتعرض تحالف من هذا النوع للإنتكاسة  في أقرب إمتحان يمر به ما دامت عناصر الوحدة (التناسق و التوافق و التكامل) بين أقاليم بلدانه معدومة و تنتاهبا أمور مما يعد دون المصالح الجوهرية الإنسانية، بسبب التمزقات الإثنية و الطائفية و المذهبية و التخلف السياسي! . .

و من هنا . . فكيف يتسنى للعراق أن يتحالف مع أية دولة من دول الجوار و هو، من الناحية الفعلية، مـُحتلٌ من وراء الستار من لدن دول الجوار جميعا  . . الإيرانيون الطائفيون يتحكمون بحكومته و يعتبرونها مجرد مديرية عامة في وزارة الخارجية الإيرانية و الشيعة في الجنوب و الوسط و قد تحولوا الى مجرد عبيد للفرس، عدا عن إستنزافهم لموارد العراق لإقامة متاريس أمامية للدفاع عن وطنهم الفارسي . . و السعوديون القطريون الوهابيون يتحكمون بإرادة عرب غربية و يحركونهم متى شاؤوا! . . و السوريون ما يزالون يبيحون لأرهابيي القاعدة التدرب في جوامع الشام بعلم الحكومة السورية و يصدرونهم الى العراق لكي يناوروا بهم الأمريكيين! . .  الأتراك لن يتوانون عن التدخل و القصف في مناطق عراقية متى شاؤوا! . . . ناهيك عن الإحتلال الكبر من لدن المريكين الذين يتحكمون بإرادة القليات و يستعملونها ذرائع لتمرير سياسات لا يعلم العراقيون عن كنهها شيئا! . . فأي الجار المتحالف هو المهذب! . . و أي مكون عراقي غارق في طائفيته أو إثنيته هو المهذب!


ففي بلد هذا حاله . . يفتقر الى الإستقلال . . و فاقدا الإرادة . . و تتقاذفه رياح الجيرة العاتية . . هل من المناسب أن يُسأل المرء عن إمكانية قيام تحالف بين هذا الخراب الذي إسمه العراق و اية دولة جارة؟ . . إلا إذا كان في ذهن السائل، ما لم يقله، و هو . . بعد أن تنفرد بإحتلال العراق دولة واحدة من بين كل تلك الدول المذكورة في أعلاه معتدية على وجوده، و حينئذ يكون بإمكانها فرض التحالف الذي تريده عليه!   

و على الرغم من كل ذلك . . هذا لا يمنع المرء من التفكير في شكل التحالف  الممكن بين العراق (هذا إذا ظل العراق على خارطته الحالية!) و أية دولة في محيطه الإقليمي . . فلو قيض للعراق (أو ما يتبقى من خارطته ليحتفظ بغسم العراق!) . . أني إقترحت في أكثر من موضع أن يجري (لما يتبقى من خارطة العراق ضمن خارطة الشرق الوسط الجديد و ما سيجري عليها من تغييرات جيوبولتيكية!) العمل أول الأمر على إيجاد مشتركات أول مع تركيا و خارطة سوريا (إذا كانت خارطة سوريا ستدخل  في إعتبارات الشرق الوسط الجديد)، آخذين بنظر الإعتبار القوة الشرق-أوسطية الكردستانية الجديدة التي ينوي الغرب أن يبرزها الى الوجود (بوصفها القوة المهيمنة جفرافيا و جيولوجيا على موارد مياه الشرق الوسط برمتها – عدا موارد المياه التركية خارج المناطق الكوردستانية طبعاً) لما يوفره موضوع المياه من بيئة طبيعية و أهمية و مصالح حيوية تكون دافعا ستراتيجيا عند مجموع جغرافية هذه المناطق، ما يؤهلها جميعا لأن تكون وحدة و أساسا لتحالف طويل الأمد قد يتوسع بمرور الزمن . . هذا . . إن لم يكن ما بين سطور السياسة الدولية، مما لا نراه  بالعين المجردة، ما يعارض هذا المسعى . . سوى التفاهمات التي تمليها المصالح الآنية (و الكل في المنطقة يشتغل على هذا المبدأ) . . فهذا الكيان الحالي المتهالك الذي يسمونه العراق (إصطلاحا) من الأسلم له حاليا هو أن يجلس على التل! . . فغذا كانت الصلاة وراء الفرس أو وراء الوهابيين أسلم . . و إذا كانت اللقمة مع الأمريكيين أو الأتراك أدسم . . فإن الجلوس حاليا للذي لا رأي له على التل سيكون أسلم!
و بعيدا عن هذر من يسمون أنفسم بـ . . الأقوياء الأمناء . . و هُمُ كـُثـُرُ! . . لقد أثبت هذا المنطق أنه الأصلح لكل العصور في هذا البقعة من المعمورة . . بخاصة للحكومة التي يقودها أناس من شاكلة . . القوي الأمين!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق