بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

مرجعية المعنى في علم: الـــدلالــــة و الـمـعـنـى

An article on Semantics …
            ... Reference and Sense in Semantics
Ahmed Khalis Shalan
                            
مقالة في علم الدلالة ...
                ... مرجعية المعنى في علم:  الـــدلالــــة و الـمـعـنـى
أحمد خالص الشعلان
D. Crystal
J. Lyons
                               A. Kh. Shalan                           
مـقدمــة
ظل "المعنى"، مصطلحا، هو الفكرة الأساس المستعملة في علم اللغة، بوصفه مصدرا للمعلومات و معيارا للتحليل اللغوي على حد سواء. فعلماء اللغة يدرسون المعنى، و لكنهم أيضا يستعملون "المعنى" معيارا لدراسة الجوانب الأخرى للغة من خلال أفكار من قبيل "التقابلية  contrastivity " و "التمييزية  distinctiveness"، مثلما يقول ديفيد كريستال (1980). و يجعل موضوع "المعنى" في سياق اللغة من "مرجعية المعنى"، من ناحية ثانية، عنصرا ضروريا لكونه يعتمد على عوامل تقع خارج اللغة  non-linguistic، عوامل من قبيل "التفكير  thought ، و الموقف situation ، و المعرفة  knowledge، و القصد  intention ، و الاستعمال  us. إن الصعوبة في رسم خطوط فاصلة بين مثل منطلقات التفكير هذه هي التي تدلنا على السبب الذي يجعل من حقول أكاديمية أخرى تنشغل في دراسة المعنى طالما كان علم اللغة منشغلا بها، بخاصة الفلاسفة و علماء المنطق، و يضاف إليهم علماء النفس و علماء الإجتماع و نقاد الأدب و اللاهوتيون و آخرون. أما علماء اللغة فإن إهتماماتهم الرئيسة في هذا الموضوع بالإمكان ملاحظتها من خلال العناية التي يولونها الى تحليل المعنى  meaning analysis، من طريق الدراسات المقارنة (بمقارنة الطريقة التي ينبني بها المعنى في عدد من اللغات و كيف يتغير المعنى أو ينزاح عن دلالاته عبر الزمان)، و من خلال المحاولات العديدة التي يقوم بها اللغويون بدمج "المعنى" بمكونات أخرى لنظرية عامة في اللغة.               
و لا بد هنا من أن نذكر بأنه منذ خروج علم اللغة  linguistics  الحديث، حوالي أواسط القرن العشرين، من  أطر المعالجة و المناهج التي وضعه بها البنيويون، كان ثمة جدال متواصل غطى العقود الأخيرة من القرن العشرين ، بخاصة ما قام به علماء اللغة في مجال النحو التوليدي  generative grammar، حول المكانة التي يحتلها علم الدلالة  semantics (و هو العلم الذي يدرس المعنى) بعلاقته بعلم القواعد  syntax ، بخاصة في عملية الإشتقاق اللغوي. و هكذا إزداد الإهتمام عند دارسي اللغة بموضوع الدلالة و المفاهيم التي تفرعت منه، ليغدو علما مستقلا قائما بذاته و فرعا من فروع علم اللغة سمي "علم الدلالة". و إذ أدرك البنيويون آنذاك في وقت متأخر جدا، بسبب إنشغالهم المفرط المغالى فيه في بنية الكلام و جعل المعنى في المحل الثاني أو الثالث موضوع، تجاهلهم لأهمية الدلالة في فعل اللغة. و على الرغم من منجزهم العظيم في حقل تحليل بنية اللغة، الذي ما يزال ماثلا أمامنا بوصفه عنصرا ضروريا في فلسفة اللغة،  فقد جاء إنجازهم  شحيحا جدا في حقل دراسة "المعنى  meaning"، قياسا بما تفرع عن موضوع الدلالة من مفاهيم، تطور بعض منها  فيما بعد ليتحول الى حقول دراسة فرعية مستقلة عديدة أخرى لها علاقة بموضوع الدلالة إلى هذا الحد او ذاك. و خذ مثلا على ذلك حقل  "التداولية  pragmatics"، أو حقل "الأسلوبية أو علم الأسلوب  stylistics " أو حقل "تحليل الخطاب  discourse analysis ". حتى أن المرء قد يظن لأول وهلة أن البنيويين كان قد فاتهم فعلا آنذاك قطار الدلالة لدرجة أنهم ما عاد بإستطاعتهم اللحاق به في حقبة برزت فيها إجتهادات  جديدة لدراسة اللغة. إجتهادات لم تنبن في توجهاتها على تقصير البنيويين تجاه دراسة الدلالة فحسب، و إنما أيضا توغلت هذه الإجتهادات اللغوية الجديدة أيضا منذ البدء في أدق التفاصيل التي قد يظن أن لها علاقة في تحديد معني الكلمات و التعبيرات التي يقولها أو يكتبها البشر، ناهيك عما تلجأ إليه الدلالة من لدن البشر من وسائل، من غير الملفوظ  و المكتوب، لبلوغ غايتها، ومثال ذلك لغة الإشارة بكل أنواعها و علم الإشارة (أو العلاماتية أو السيميائية   semiology).
و هكذا تسنى لعلم اللغة أن يشارك حقولا أخرى للمعرفة في مسعاه المنصب على محاولة إفراد العوامل العديدة التي تساهم في صياغة تفسير معنى خطاب ما أو تحليل مغزاه، طالما كان بمقدور هذا المسعى أن يزودنا بالمنظور الأساس الذي تتفاعل به الخواص الداخلية للغة  intralinguistic  في صياغة المعنى الذي نحدده. و نجد من بين هذه العوامل ما يسمى أحيانا بمفهوم "معنى المعنى   meaning of meaning"، الذي أخضع الى تصنيفات متنوعة. و تتجمع هذه التصنيفات حول ثلاثة مواضيع رئيسة:
1-    عندما يجري التركيز في البحث حول العلاقة القائمة بين اللغة من جهة و الموجودات و الأحداث و مجريات الأمور و ما شابه، و التي تقع خارج ذهن المتحدث و خارج اللغة من جهة أخرى، تستعمل في البحث مصطلحات من قبيل:          " المعنى المرجعي  referential  و الوصفي  descriptive  و الحقيقي  denotative  و  التوسعي  extensional  و الفعلي  factual  و الموضوعي  objective ".
2-    عندما يجري التركيز على العلاقة بين اللغة و الحالة الذهنية للمتحدث تستعمل مجموعتين من المصطلحات؛ إذ يجري التعبير عن الجوانب الشخصية و الوجدانية للمتحدث بمصطلحات من قبيل: "المعنى الإتجاهي  attitudinal و الوجداني affective  و الظِلالي connotative و العاطفي  emotive  و التعبيري  expressive"، و تعالج الجوانب الفعلية و الفكرية هنا بمصطلحات من قبيل: "المعنى الإدراكي  cognitive و المثالي  ideational".
3-    عندما يجري التركيز على المنحى الذي تأخذه التغييرات الحاصلة خارج اللغة في تأثيرها على فهم اللغة و تفسيراتها  لهذه التغييرات، تستعمل هنا مصطلحات من قبيل: "المعنى السياقي  contextual  و الوظيفي  functional  او بينشخصي  interpersonal  و إجتماعي  social  و الموقفي  situational"   ( David Crystal 1980). و يستعمل هنا مصطلح "المعنى السياقي" أيضا سوية مع  "المعنى النصي  textual"  للإشارة الى تلك العوامل التي تؤثر في تفسير الجملة التي تستقي معناها من الخطاب، أو من النص الذي تظهر به الجملة.

          و مذاك التحول في دراسة اللغة، ظهر في حقل علم الدلالة عدد لا  يحصى من الدراسات تتناول أغلبها مفهوم "المعنى" عموما و كيفية تحديده بخاصة. أو بعبارة أخرى، البحث عن ما سمي "مرجعية المعنى   reference" التي يستند إليها في تحديد معنى مباني اللغة، سواء أكانت كلمات فرادى أو تعبيرات فرادى، أو جملا فرادى أو إذا جاءت أية من تلك الثلاث المذكورة آنفا في سياق.

          و لم يأت ذلك كله عبثا في حقبة "ما بعد البنيوية  post-structuralism"، التي ظهرت طلائعها في أواسط القرن العشرين ، بما أفرزته من دراسات في علوم اللغة، و إنما جاء حصيلة لما كان يمور به النشاط المعرفي، سواء في مجال العلوم الإنسانية أو العلوم البحتة، من أفكار تجديدية، و ما أحدثته تلك الأفكار من طرق تفكير جديدة إنعكست إيجابيا على النهضة المعرفية للإنسان الذي لم يقتصر بحثه على إيجاد معنى لما يحيط به من أشياء و كيفية تحقق ذلك المعنى فحسب، و إنما تعداه إلى إدراك ما هو خفي و غير منظور بين معاني هذه الأشياء، الذي هو في الأساس، و في آخر الأمر، بحث عن معنى  لوجوده.  

          و في خضم تلك الحقبة التي فتحت صفحة زاخرة بالمفاهيم، جاءت صحوة دارسي و منظري اللغة تجاه الإهتمام بدراسة الدلالة، بعد حقبة طويلة من إغفال، إنتبه إليه البنيويون متأخرين، بسبب هوسهم بالبنية مثلما ورد سابقا. و لم يكن هذا ليحدث، أقصد الصحوة، لولا أن الدليل آنذاك كان يقوى يوما فيوما بإتجاه يقوي الإعتقاد بإنه من غير المعقول أن يجري تصور وظيفة اللغة من دون ربط دراسة تلك الوظيفة بدراسة مستويات معينة من الفعل اللغوي من قبيل:
1-     الأصوات التي تجسد اللغة التي يبحث فيها علمان هما، "علم الصوت phonetics "  و "علم الصوت الوظيفي  phonology"
2-     الأبنية التي تتخذها الجمل و العبارات التي يبحث فيها "علم النحو  syntax"، و
3-     التصريفات التي تطرأ على الكلمات التي يبحث فيها  "علم الصرف  morphology".

جرى ذلك دون إهتمام مواز، إلا في حدود ضيقة إن حصل، بـمستوى "المعنى" الذي يبحث فيه "علم الدلالة semantics ". و كأن ذاك التجاهل لـ "المعنى"  من لدن البنيويين ومن سبقهم هو الذي أدى إلى ما يمكن أن نسميه مجازا بـ"ثورة المعنى" التي صارت، بهوسها بالمعنى هي الأخرى، تريد أن تصطاد في برية اللغة كل شاردة أو واردة. و حصل في غضون بواكير الإهتمام بالمعنى في علم اللغة أن يشار إلى أي مستوى لغوي، من المستويات المذكورة آنفا، يقوم بدور رئيس في تفسير الجملة، على أنه "معنى" لذاك المستوى. و نشأت من مستويات اللغة تلك بالضرورة، في مجال المعنى، المستويات الآتية:
-          "المعنى المعجمي lexical " و هو المعنى الذي تأتينا به الفقرات المعجمية، و
-          "المعنى القواعدي  grammatical   أو البنائي  structural"، وهو المعنى الذي توحي به لنا الأبنية القواعدية.

ثم جرى توسيع طريقة فهم المعنى هذه، بخاصة من لدن علماء اللغة المتأثرين بالعالم اللغوي فرث  Firth، لكي يلحقوا بها أنواعا من "معنى" ترتبط بمستويات لغوية أخرى من قبيل: "المعنى الصوتي  phonetic " و "المعنى الصوتي الوظيفي  phonological" اللذين يوضحان ما للصوت في لغة البشر من دلالات بما يحمله هذا الصوت من رموز أو علامات و إشارات و إيقاعات و أجراس و تحولات و ما شابه. و يستعمل مصطلح "المعنى الدلالي  semantic " للتأكيد على ما يحمله الخطاب أو النص من محتوى مقارنة بالشكل أو مرجع الذي تظهر به وحدات اللغة. و قد يحصل أن يجري تأشير بعض جوانب محتوى الجمل، لكي يسلط عليها ضوء أقوى، فيسمى ما يشار اليه بـ "المعنى الإفتراضي propositional  " (David Crystal 1980).       

          و على الرغم من ذاك الهوس، و في غمرة اهتمامهم بعلم الدلالة، انشغل علماء اللغة منذ المراحل الأولى لصحوة "المعنى" في دراساتهم ايضا في تفسير مفهوم "المعنى". و صاروا منذ ذلك الحين، و حتى الآن، يحاولون تفسير معنى "المعنى". و كان أحد تلك ألأسئلة المثيرة للجدل، التي كان عليهم الإجابة عليها، هو: أي معيار، او معايير، عليهم إتباعها في تحديد معنى "المعنى" و تعريفه. فوجدوا أنفسهم هنا، من ناحية ثانية ،مضطرين، مثلما ذكرنا سابقا، لإيجاد مناهج لإدراك مفهوم "المعنى" من خلال تفريع موضوع "المعنى"، و ذلك بإستحداث مفاهيم تفصيلية إضافية لها علاقة بمفهوم "المعنى".

          و كان أحد تلك المفاهيم الإضافية، التي أخضعت الى البحث، هو مفهوم "مرجعية  المعنى  reference" (ترجمة هذا المصطلح إستقيته من الترجمة التي إقترحتها له غيداء الفيصل 2001)، الذي سنحاول في هذه المقالة إلقاء الضوء عليه، و ذلك بأن نحاول تقصي الحدود التي أعطيت لمصطلح "مرجعية المعنى" من لدن علماء لغة يحملون وجهات نظر مختلفة حول الكيفية التي يجري بها تفسير معنى ألأشياء التي تحيط بالإنسان.

تـعـريـفـات  
          و مثلما تجري الأمور عادة في تناول إي مصطلح و إخضاعه للدرس، فقد إنوجدت تعاريف متباينة لمصطلح "مرجعية المعنى"، كانت مثار جدل، و ما تزال، على الرغم من أنها تصب جميعا في المغزى ذاته، و لكن مع إختلافات طفيفة.

بالمر  Palmer (1977)، مثلا، هو الكاتب الذي يعطي تعريفا بسيطا و واضحا لمصطلح "مرجعية المعنى"، فيقول "إن مفهوم مرجعية المعنى يغطي العلاقة القائمة بين عناصر اللغة من كلمات و جمل ...الخ،  و عالم الخبرة الذي هو خارج اللغة non-linguistic". و بعدها يجري بالمر مقارنة بين "مرجعية المعنى" مصطلحا و مصطلح آخر هو "إحساس المعنى  sense"، ليقول في الصفحة ذاتها و بعد أسطر "إن مرجعية المعنى هو العنصر الأساس في علم الدلالة". و بوصفه أحد البنيويين المتأخرين الذي أولوا إهتماما، و إن كان متأخرا، بعلم الدلالة، فهو يذكر في كتابه الموسوم "علم الدلالة  Semantics" ذاته، بأنه يستعمل مصطلح "مرجعية المعنى ليشير به الى فحواء  denotationsالكلمات.

أما لاينز Layons  (1982)، و هو أحد علماء اللغة في حقبة ما بعد البنيوية، فهو لا يعطي تعريفا واضحا و قاطعا  لمصطلح "مرجعية المعنى"، عدا أنه يستبدل كلمة "it  هو"، التي يشير بها الى كلمة "مرجعية المعنى"، بكلمة "denotation  فحوى". و مع ذلك، فهو يضع الأمر كله في خانة مصطلح "lexemes  مفردات مجردة" حين يقول: "... إن المفردة المجردة التي ترتبط بالعالم الخارجي .... أنها في الواقع لا ترتبط إلا من طريق فحواها ..."

و في الكتابات التي جاءت فيما بعد، بإمكان المرء أن يجد تعريفا، عند براون و يول  Brown && Yule  (1989)، الذي لا يذهب الى أبعد مما يذهبه التعريفان المذكوران سابقا، على الرغم من أن الكاتبين يربطان مصطلح "مرجعية المعنى" بمصطلح "الخطاب discourse". فهما يذكران التفسير التقليدي لمفهوم "مرجعية المعنى" القائل بأنه، أي الخطاب، "...المفهوم الذي يجري به تفسير علاقة مرجعية المعنى بالعلاقة القائمة بين التعبيراتexpressions .... و الكينونات entities  في العلم الخارجي ...."، غير أن الكاتبين يضيفان قائلين "... إن مصطلح مرجعية المعنى لا يستعمل إلا مقترنا بمصطلح إحساس المعنى sense  في معالجة المفردات المعجمية." و لكنهما، مع ذلك، لم ظلا لا يعطيان تعريفا محددا لمصطلح "مرجعية المعنى".

و يعرف هافود و هيسلي   Hurford & Heasly  (1996) " مرجعية المعنى " بالقول : "... بإستطاعة المتحدث من طريق مرجعية المعنى الإشارة الى أي من أشياء العالم التي يريد التحدث عنها". و يقوم المؤلفان، من ناحية أخرى، بالحديث عن مصطلح " التعبير المرجعي  referring expression"، الذي قد يكون أي تعبير مستخدم في كلام utterance  للإشارة الى شئ ما أو شخص ما (أو الى  مجموعة من الأشياء أو الأشخاص دون تحديد)، مثلما هو الحال عندما يقول أمرؤ "ركل جون الكرة"، إذ لا بد هنا أن يكون في بال المتحدث شخصا معينا حين يقول : "جون"  فيكون هذا شخصا مرجعيا. فضلا عن أن الكاتبين يكونان أكثر تحديدا في موضع آخر من كتابهما إذ يقولان "... عند الحديث عن مرجعية المعنى، فنحن نعني به العلاقة بين اللغة و العالم."

 و نجد عند يول  Yule  ( (2000: 17 تعريفا لـمصطلح "مرجعية المعنى" بوصفه تعبيرا عن  "... فعل يستخدم فيه المتحدث أو الكاتب  صيغا لغوية يتيح بها للمستمع أو للقارئ التعرف على شئ ما ...". و يتوسع يول في تبيان هذه الصيغ اللغوية مسميا إياها "تعبيرات مرجعية  referring expressions"، و قد تكون أي نوع من تعبيرات إسمية  nominal expressions من قبيل أسماء العلم  مثلما عندما نقول: إليوت  و إليزابيث  و أستراليا، أو تعبيرات إسمية معرفة مثلما عندما نقول: المسرحي  و الملكة و القارة، أو أسماء نكرة مثللما عندمت نقول: رجل و إمرأة و عالم جديد، أو ضميرا مثل هو و هي و هو/هي it لغير العاقل.

أما فرومكن و رودمان و هيامز  Fromkin, Rodman & Hyams  (2003) فيرون، في كتابهم الموسوم "مدخل الى اللغة An Introduction to Language"، إن الشئ "المشار إليه" في عبارة إسمية بالإمكان أخذه على أنه "مدلول  referent"، و العبارة الإسمية ذاتها على أنها "مرجعية المعنى".

كيفية فهم مرجعية المعنى  
          صار الآن لزاماً علينا أن نأتي بتوضيح أكبر  يقربنا من طبيعة "مرجعية المعنى"  و ما ينطوي عليه جوهر هذا المصطلح.

          لقد أخضع مصطلح "مرجعية المعنى"، ليس بوصفه مصطلحا term فحسب، بل بوصفه أيضا مفهوما concept، يشير الى الكثير من الجدال و النقاش. هذا، لأنه قد ينطوي على أكثر من بعد  dimension، فضلا عن أنه غالبا ما لا يدرك عند اللغويين إلا بوسائل شديدة التعقيد.

          ففي كتابه المعروف جدا الموسوم "علم الدلالة  Semantics" ، يقوم بالمر (1977) بخطوة ذكية ذات مغزى كبير عندما يحاول فك إرتباط "مفهوم المعنى  concept of meaning" من علائقه التقليدية بقواعد اللغة، و يدعه يختال حرا في دنيا علم الدلالة بوصفه "بنية دلالية  semantic structure" (بالمر 1977). ثم يقوم بعد ذلك بإدراك مصطلح "مرجعية المعنى" بوضعه في مقولة تتألف من شقين: في شق منها نجد "مرجعية المعنى"، و في الشق الثاني نجد "إحساس المعنى". و هو يقول إن المعجم عادة ما يكون شاغله ما يحمل  "إحساس المعنى" من علاقات، بأن يربط الكلمات بكلمات أخرى، و بذا يزودنا بالمعنى "المرجعي referential "، بربطه الكلمة، التي ما يزال معناها مجهولا من  لدنا، بكلمة أو كلمات كانت "مرجعية معنا"ـها قد فهمناها للتو.

           و يتحدث بالمر، بناء على هذا، عن وجود نوعين من علم الدلالة؛ الأول معني           بـ"البنية الدلالية"، و الثاني معني بـ"المعنى" الموجود في خبرة الإنسان التي تقع خارج اللغة، ما يعني أن أحدهما، و هو "إحساس المعنى"، يشير، إذا جاز لنا القول، الى كمdegree  المعنى، في حين يشير الثاني، و هو " مرجعية المعنى"، الى  نوعية quality  المعنى. و فضلا عن ذلك يتوسع بالمر في بسط شقي مقولته مضيفا: "... ثمة نوعان من علم الدلالة، أحدهما يرتبط بالموجودات التي خارج اللغةnon-linguistic ، و الآخر يرتبط بالموجودات داخل اللغة  intra-linguistic" (بالمر 1977)، اللذان يعنيان على التوالي "مرجعية المعنى" و "إحساس المعنى". 

          ثم يتحدث بالمر، من ناحية أخرى، عن وضع "المدلولات"، التي تستعمل في العالم الخارجي بوصفها "مرجعية معنى"، في أنساق. أنه يأخذ، في سبيل المثال، كلمات مثل "ram  كبش" و "ewe نعجة "كونها تشير الى أنواع محددة من الحيوانات، ثم يقوم بإشتقاق معانيها على هذا النحو ليقول عنها هذا "مرجعية المعنى"، على الرغم من أنها تنتسب الى نسق في الإنكليزية يتضمن أيضا cow بقرة / bull  ثور و sow  خنزيرة / boar  خنزير...الخ، ليشير إليها بوصفها " إحساس المعنى".

           و يتحدث بالمر بإستفاضة لينتقد أولئك اللغويين الذين يحاولون تجاهل العلاقة بين اللغة و العالم، الذي يعني به "مرجعية المعنى"، إذ يعطيه مكانة ثانوية بالأهمية في تقرير المعنى، و بذا يعتمد على "إحساس المعنى" حسب. ذلك، لإنه يعتقد بأنه على الرغم من أنه ليس ممكنا دائما التفريق بين إحساس المعنى و مرجعية المعنى، يغدو من غير المعقول ان ينظر المرء الى هذا الجانب بموجب حزورة  البيضة و الدجاجة، و ذلك لسببين هما:
1-     إن اللغات لا تضع ذات الفروقات في المعنى، و
2-    وجود غموض ذو دلالة في الطريقة التي يجري فيها وضع العالم الواقعي في تصنيفات.
ثم يقرر آخر الأمر بأن النظرية التي تتقبل فكرة علاقة اللغة بالعالم الخارجي هي لوحدها، لا غيرها، التي بإمكانها أن تعالج مفهوما واسعا مثل مفهوم " المعنى"، و  يعني بذالك تلك النظرية المبنية على أساس مقولة ذات طرفين هما: "مرجعية المعنى" و "إحساس المعنى"(ترجمة هذا المصطلح إستقيتها أيضا من ترجمة غيداء الفيصل (2001).  

          و عند الرجوع الى لاينز (1982) نجده، في مناقشته  للمعنى الوصفي، يحذو  حذو بالمر فيضع مفهوم المعنى في مقولة من طرفين، و لكن بإختلاف طفيف في إستعمال المصطلحات؛ و ذلك بإستبداله مصطلح "مرجعية المعنى" بمصطلح "فحوى". و بذا يكون مفهوما "الفحوى" و "إحساس المعنى" هما طرفي معادلته. و بما أنه يضع الأمور في هذا النصاب؛ أعني إعتقاده بأن مفردات lexemes  اللغة لها علاقات بمفردات أخرى في  نظام اللغة الواحدة (مفردة  بقرة لها علاقة بمفردات مثل  حيوان  و  ثور و  عجل ..الخ) و لها رابطة بالكينونات و الخواص و الأوضاع و العلاقات الموجودة في العالم الخارجي (مثل علاقة مفردة  بقرة بنوع محدد من أنواع الحيوان)، فإن لاينز يمضي قدما في تفصيل مقولته المنطقية هذه قائلا بأن المفردة التي لها علاقة بمفردات أخرى، فإنها تنشد الى تلك المفردات منطقيا من طريق "إحساس المعنى"، في حين أن المفردة التي ترتبط بالعالم الخارجي، فإنها ترتبط به من طريق "الفحوى". و من هنا نأتي مرة أخرى، إذا جاز لنا القول، الى مفهومي "كم" و"نوع" المعنى.

          و إذا ما وجدنا بالمر ينزع في تفكيره إلى إيجاد نوع من الموازنة في مقولته بين "إحساس  المعنى" و "مرجعية المعنى"، بإعطائه كلا منهما الأهمية ذاتها، فإننا قد نجد لاينز لا ينحو نحوه فيعطي "إحساس المعنى" وزنا أثقل من ذاك الذي يعطيه لـ" الفحوى". فهو يقول: "... إن فحوى المفردة يتحدد على قدر ما بها من إحساس بالمعنى، و هذا بالأساس هو ما يجعل الإحساس بالمعنى ممكنا دون معرفة مسبقة بفحوى المفردة (لاينز 1982). و لكنه، و على الرغم من أنه يقر بوجود مناهج عديدة للنظر في تبني آراء تتفق مع، أو تعارض القول بأسبقية أي من المفهومين "إحساس المعنى" أو "الفحوى"، إلا انه يؤكد وجود حقيقتين هما:
1-    إن المفردات في جميع اللغات لا تفحي أنواعا طبيعية، و
2-    إن لغات البشر ليست متشاكلة isomorphic.
و هذا يعني، على هذا النحو او ذاك، إن مفردات لغة ما ليست من الضروري أن تحمل الفحوى ذاته الذي تحمله ذات المفردات في لغة أخرى، ما يعني آخر الأمر أن المفردات لا تجنح الى تبني "مرجعيات معنى" من النوع ذاته في جميع اللغات.

           و في كتابهما المهم الموسوم "علم التداول Pragmatics"، يتوجه براون و يول  Brown & Yule  (1989) في تحليلهما لمفهوم "مرجعية المعنى" الى المستويات الموجودة فيما وراء المفردة منفردة، و أقصد هنا الى "مرجعية معنى" الكلمات حين تستخدم مجتمعة في نص text  أو في خطاب discourse . و يحاولان توضيح الكيفية التي تتصرف بها الكلمات و التعبيرات عندما تستخدم للإشارة الى "مرجعية المعنى" ذاتها لا الى غيرها. إن واحدا من أهم المواضيع، التي تناولاها في تصديهما لمصطلح "مرجعية المعنى"، هو دور هذا المفهوم في تحقيق ما يسميانه بـ "تماسك cohesion" النص أو الخطاب؛ و يعنيان بذلك الطريقة التي تساهم بها "مرجعية المعنى" في إيجاد روابط التماسك ضمن النص لخلق ما يسميه هالدي و حسن Halliday & Hassan  (1976) "النصية texture ". و يريان في الوقت ذاته الكيفية التي تستعين بها "الصيغ المرجعية الرديفة co-referential forms"، التي لا تفصح عن نفسها بنفسها دلاليا، في بناء "مرجعية معنى" بشئ آخر لكي تفصح عن نفسها دلاليا. و بالإمكان تفسير روابط "مرجعية المعنى الرديفة  co-reference" في النص أو الخطاب على النحو التالي:
1-    حين يقع تفسيرها خارج النص يسمونه الحامل الخارجي exophoric، و
2-    حين يقع تفسيرها داخل النص يسمونه الحامل الداخلي endophoric.
هذا بدوره ينقسم الى نوعين هما:
-         تلك التي ترجع في تفسيرها باحثة عما موجود قبلها في النص ذاته مما يساعد على تفسيرها . و بذا، يمكن تسميتها الحامل الإرتجاعي  anaphoric، و
-         تلك التي تتطلع في تفسيرها الى ما يأتي من بعدها في النص. و بذا، يمكن تسميتها الحامل المتأمم  cataphoric.
غير إن المؤلفين، من ناحية أخرى، يتبعان الخطوات االتي يتبناها هالدي و حسن (1976) ليظهرا كيف تعمل صيغ لغوية مثل الصيغ البديلة  pro-form،  و الصيغ الإشارية   deictic forms، و أدوات الربطcoordinators ، لكي توجد أنواعا من مرجعيات المعنى الرديفة.

           و في إنشغالهما بموضوع المعنى، يتبنى هافورد و هيزلي Huford & Heasly   (1996) أيضا المقولة ذات الطرفين: "إحساس المعنى" و "مرجعية المعنى". فيفسران العلاقة بين المفهومين بالقول بأن المدلول في أي تعبير يكون غالبا أما شئ أو شخص موجود في العالم، في حين إحساس المعنى في أي تعبير هو ليس شيئا على الإطلاق. وإن ما يجدر ذكره هنا هو أن وجهة نظر من هذا النوع  في موضوع المعنى تذكرنا بعالم لغة بنيوي النزعة هو بالمر.
و لكن الكاتبين ، من ناحية ثانية، و زيادة في الإيضاح، يعرفان التعبير المرجعي على أنه "... يستعمل في كلام للإشارة الى شئ ما أو شخص ما" بوجود مدلول معين في البال. سواء أكان شيئا أو شخصا. ثم يحاولان أيضا إيضاح الكيفية التي يستطيع بها تعبير دال معين أن يفك غموضا في النص في حالتين هما:
-         عندما يعمل تعبيران دالان او اكثر بالإشارة الى الشئ ذاته، أو
-         حين يعطي التعبير الدال معان مختلفة  عندما يستعمل في كلام يقال في حالة معينة.

 يقول يول (2000)، مثلما ورد في أعلاه، بأن "مرجعية المعنى" عادة ما ترتبط بغاية المتحدث و بمعتقداته التي تخص طريقته في إستعمال اللغة. و لكنه، من ناحية ثانية، يذهب خطوة أبعد، ليقول بأن مرجعية المعنى الناجحة لا بد، بل من الضروري أن تكون مشتركة؛ ما يعني أن المتحدث و المستمع عليهما أن يقومان، كل من ناحيته، بدور في التفكير بما يحمله الآخر في باله. و فضلا عن ذلك فإن يول يظن أن ليس من الضروري أن تكون لجميع أنواع التعبير مدلولات فيزياوية يمكن التعرف عليها. ذلك، لأنها تستعمل أحيانا لوصف كينونات ذات وجود إفتراضي، و لكنها غير مدركة أو معروفة، أو أنها تستعمل لوصف كينونات لا وجود لها على الإطلاق.

لكنه، من ناحية ثانية، يفصل إستعمال التعبيرات الدالة و يضعه في نوعين هما:
-          الإستعمال الوصفي attributive  و
-         الإستعمال المرجعي referential .
يستعمل الأول حين تكون الكينونة معروفة عند المتحدث حسب، في حين يستعمل الثاني حين تكون الكينونة معروفة لدى الإثنين معا . . المتحدث والمستمع.

 و يعطي يول، في مكان آخر من كتابه الموسوم "علم التداولية  Pragmatics"، وجهة نظر تداولية بـ "مرجعية المعنى"، التي يعتقد أنها تمكننا من رؤية الكيفية التي بمقدورنا أن نتعرف بها على الأشياء و الناس من طريق العلاقات التداولية. و ذلك بإستعمال تعبيرات قد لا تبدو في الظاهر أنها تشير إليهما. و يعتقد أيضا أن القدرة على التعرف على مدلولات مقصودة تعتمد في الواقع أكثر ما تعتمد على فهمنا للتعبيرات الدالة؛ ما يعني أننا، لتحقيق هذا الغرض، نستعين بمادة من صلب اللغة أو بوساطة ما يشير إليه كونه نص رديف  co-text. و بناء على هذا، يقول بأن التعبيرات الدالة غالبا ما تزودنا بمجموعة من "مرجعيات المعنى"، و ما يعني بالنتيجة وجود عدد من مدلولات أو نصوص رديفة محتملة. ثم يضيف موضحا بأن المتحدث، بعد إدخاله كينونة معينة في الكلام، قد يستعمل  تعبيرات مختلفة من أجل أن يؤكد "مرجعية المعنى". و يعتقد أيضا أن المتحدثين، بعد إيرادهم لأي إسم noun بوصفه "مرجعية معنى" أولية، انهم قد يستعملون ضميرا  pronoun  بوصفه "مرجعية معنى" للمدلول ذاته. و في مثل هذه الحالة  فهو يسمي التعبير الأولي "متبوعا antecedent" و التعبير التابع subsequent  للإسم  على أنه  "حامل إرتجاعي". و لكن ، حين يأتي قبل الأسم  فهو يسميه بـ"الحامل المتأمم" الذي يعد أقل تداولا بكثير من مصطلح "الحامل الإرتجاعي".

ويحاول فومكن و رودمان و هايمز (2003) إدخال مصطلح "الدلالي الرديف co-referential " للإشارة به الى التعبيرات التي نتعرف بها على الشئ ذاته. و هكذا، فهم يقولون بأن العبارة الإسمية قد يكون لها "إحساس معنى" و "مرجعية معنى" في الوقت ذاته، اللتين تؤلفان معناها سوية. و يضيفون قائلين أن مصطلح "توسع المعنى extension " يستعمل أحيانا مع "مرجعية المعنى"، في حين يستعمل مصطلح "النية intention " مع "إحساس المعنى". و لكنهم، من ناحية ثانية، يقولون أن أسماء علم معينة تبدو و كأنها تكتفي بـ"مرجعية معنى"، و ذلك، حين لا يكون لها سوى معنى لغويا محدودا فيما وراء مدلولاتها، في حين تبدو بعض أسماء العلم و كأنها تتمتع بمعنى يفوق قدرتها على ما تشير إليه. و فضلا عن ذلك، فهم يقولون أنه على الرغم من أن بعض الأسماء تبدو و كأنها ذات "مرجعية معنى" دون "إحساس معنى"، إلا أن عبارات إسمية أخرى تبدو على العكس من ذلك . . فعلى الرغم من أنها تفتقر الى "مرجعية معنى" لكنها تشي بـ"إحساس معنى".

إستنتاج
 يغطي "مرجعية المعنى" مصطلحا مجموعة من الأبعاد في الدراسات الدلالية، إذ له علاقة بحقول للدراسة مثل "التداولية" و "الخطاب" التي يشكل فيها واحدا من المصطلحات الأساسية. و على الرغم من أنه غالبا ما يذكر، في علم الدلالة، مقرونا بمصطلح آخر هو "إحساس المعنى"، أنه من الممكن العثور على كينونة لها "مرجعية معنى" تعبر عن نوع الدلالة دون ان ترتبط بـ"إحساس معنى" معين يوضح الكم الدلالي، أو العثور على عدد من "إحساسات معنى" دون أن ترتبط بـ"مرجعية معنى" محددة لنوع معين من الدلالة.

و من هنا يمكن بالتالي الإستنتاج أن "مرجعية المعنى" صارت، على نحو لا يرقى إليه الشك، مفهوما لا يستغنى عنه في عدد من حقول الدراسات اللغوية، بخاصة في علم الدلالة بوصفه أحد أكثر المصطلحات حضورا. 

المراجع                   
-          Brown, Gillian &Yule, George (1989) Discourse Analysis                       Cambridge University Press. Great Britain   

-          Crystal , David (1980) A Dictionary of Linguistics & Phonetics Blackwell Publishing .United Kingdom

-          Fromkin, Victoria; Rodman, Robert & Hyams (2003)  An                        Introduction to Language .Library of Congress .USA

-          Huford, James R. & Heasley, Brendan (1996) Semantics. Cambridge      University Press . Great Britain

-           Lyons, John (1982) Language and Linguistics. Cambridge University     Press. USA

-           Palmer, F. R. (1977) Semantics. Cambridge University Press. Great
    Britain
                                         
-           Yule, George (2003) Pragmatics. Oxford University Press. Great          Britain
8- الفيصل، غيداء علي ( 2001 )  مدخل الى  تحليل الخطاب تأليف مالكوم كولهارت . مشروع ترجمي لنيل درجة الدبلوم االعالي في الترجمة / معد للنشر  


                                                                    


      

  



           

                 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق